اذكر الله//
رفع العجوز الأعمى يده اليمنى ليمسح الدماء، ثم وضعها وراء ظهره، وعاد يتطلع إلى البحر، سامحًا لنفحات الهواء الصافية بأن تضرب وجهه بلطف.
“…في بداية حياتي كنت مثلك، ومثل كل مختاري الحقيقة في أيام شبابهم، فضولي. أكثر من اللازم. منذ فتحت عيني على الدنيا وأنا أبحث وأُدقِّق في كل شيء يمكنني وضع يدي عليه. لكن كان هناك دائمًا شيء يُعجزني بعد كل اكتشاف…”
“…إنه التوازن العجيب بين المواد وبعضها، التوازن الرهيب في القوانين. كل شيء كان يقع ضمن عملية شديدة الدقة من التوازن مع شيء آخر، دقيقة جدًا لدرجة أن تغييرًا بسيطًا قد يُسقِط النظام البيئي كله. ذلك التوازن العجيب كان شديد الدقة، شديد الوضوح، لدرجة أني كدتُ أُجنّ. كيف حدث هذا؟!”
“….” صدمة روبين الأولى هدأت، ثم أومأ بلطف.
ذلك التوازن الذي يتحدث عنه العجوز الأعمى لم يكن شيئًا مخفيًا فعلاً، بل رعبه في أنه ظاهر للعيان. لطالما ارتعش روبين كلما وصل إلى التركيبة النهائية لقانون، ولاحظ طريقة ترابطه مع بقية القوانين: قوانين تكبحه وتقوّيه، قوانين تمنعه من الاختفاء، وأخرى تمنعه من أن يصبح أقوى من اللازم.
تلك النقطة تركت عنده انطباعًا عنيفًا جدًا، وكانت أحد المحاور الرئيسية في حديثه مع بايثور. ذلك التوازن لا يمكن أن يكون ناتجًا عن فوضى أبدًا. لا أحد عاقل سيقول إن هذه القوانين السماوية سَنَّت نفسها ووازنت نفسها بنفسها!
وبالنسبة لباحث يستكشف الكون… هذه حقيقة مرعبة.
“…منذ تلك النقطة توقفت عن فحص الأشياء والمخلوقات كما كنت أفعل، أهملت تدريبي كليًا واعتزلت الناس مبكرًا، في عمر الخامسة عشرة فقط، وبدأت أبحث وراء التوازن الدقيق في كل شيء… ظللت أبحث وأبحث، أدوِّن وأجرّب، أُقارن وأُثبت… حتى في النهاية…” ابتسامة ساخرة ظهرت على وجه العجوز، “…حصلت على عين الحقيقة.”
“قبل ذلك اليوم، كنت قد توقفت عن التدريب كليًا لما يقارب الستين عامًا، لكني كنت قد وصلت إلى المستوى الثامن من النطاق الأساسي لأنني كنت أطمع في إيجاد خيط يقودني إلى قانون التوازن السيادي واستخدامه للاختراق… لكن ما جاءني بدلًا من ذلك كان قانون الحقيقة!”
“أوه، يا لها من مناسبة سعيدة.” العروق على جبهة روبين أخذت تتلوى وكأنه على وشك الانفجار، ذلك اللعين أمضى 60 عامًا فقط ليحصل على عين الحقيقة، بينما هو… تحتم عليه أن يموت من أجلها؟!
“كانت مناسبة سعيدة بالفعل… أو صادمة بالأحرى. في ذلك اليوم ارتعبتُ مما أراه: عالم جديد كامل من الأنماط. فعدت إلى منزل عائلتي –وكان لدي بالفعل عائلة محترمة في النطاق المتوسط تحتوي على قدر معلومات لا بأس به– فعرفت أنني حصلت على عين الحقيقة، ولدي فرصة لأبني أعمدتي بها، وأُصبح مختار حقيقة محترم، وأخذ عائلتي إلى القمة!”
“ولِمَ لم تفعل هذا؟” روبين عقد حاجبيه قليلًا، “بسبب حبك للتوازن؟ أم بغضك للحقيقة؟”
“كلا، في ذلك الوقت كان الاثنان متساويَين في نظري، لكني قرأتُ معلومة جعلتني أترَيَّث…” استمر العجوز بالتحديق نحو البحر، يستخدم حسه الروحي لمراقبة حركة الأمواج اللطيفة، “…لقد كانت حول قوة عين الحقيقة، وقوة الأنماط التي تُظهِر نفسها على الأعمدة والأساسات أثناء بنائها.”
“قوة عين الحقيقة… والأنماط التي تظهر نفسها؟” روبين عقد حاجبيه. كل مرة تُدمَّر أساساته، كان يبني الجزء المخصص من الطاقة فقط، بينما قانون الحقيقة يكتب نفسه بنفسه، يرسم نقوشًا لا يمكن حتى لروبين نفسه قراءتها، لا تحكم له عليها بأي شكل.
“صحيح. لقد قرأت أن مختاري الحقيقة يختلفون كاختلاف السماء والأرض عندما يأتي الأمر لقوة أعينهم وعدد النوعيات التي يمكنهم استخدامها. ويختلفون أيضًا من حيث كثافة نقوش الحقيقة على أساساتهم، فبعضهم لديه نقش واحد، وآخرون لديهم أساسات مملوءة بالنقوش. وهذا يؤثر على إمكانياتهم المستقبلية بشكل كبير.”
تنهد العجوز الأعمى، “قرأتُ أن الاختلاف ينتج بناءً على السبب الذي استحققتَ عليه العين… الشيء الذي كنت تسعى خلفه. فلو كنت تسعى لكشف التوازن مثلي، تبحث في الدم، أو فرع معين كعلوم الطلاسم مثلاً، فالكون يعطيك عين الحقيقة كمُكمل، هدية بسيطة تُساعدك في بحثك الأساسي. هؤلاء مختارو حقيقة مزيفون، حتى لو بنوا أعمدتهم بها.”
“…هذا بخلاف الذين بحثوا عن قانون الحقيقة نفسه من البداية، أولئك هم من يملكون أي فرصة للوصول إلى الدرجة الخامسة فما فوق… أنت منهم، صحيح؟ هذا الشيء الوحيد الذي يُفسر المستوى الذي وصلتَ إليه بالنسبة لعمرك.” ثم التفت نحو روبين، “أنا لا أفهمكم يا مختاري الحقيقة… ما الذي يجول في أذهانكم حتى تبحثوا وراء قانون الحقيقة وأنتم ما تزالون أطفالًا لا تعرفون شيئًا عن مكنونه بعد؟ في ماذا تبحثون أصلًا؟ ماذا كانت الحقيقة بالنسبة لك عندما بدأت؟ ما الذي قد يُحث شخصًا عاقلًا ليقول: اليوم سأبحث في الحقيقة. حقيقة ماذا؟!”
“…..” شعر روبين أن جسده قد تسمر في مكانه.
بالتفكير في الأمر… مختار حقيقة نيهاري الأول كان يبحث في الاختلاف بين الأعراق، والثاني في الأوشام، بعدما تعرف على الحقيقة من دراسات سلفه. جابا كان يبحث في الدم، بعدما تعلم عن الحقيقة من مُعلمه روبين.
أما حسب ما قرأه عن تاريخهما، فذا رأس الكلب انشغل بالبحث في دكائن الحبوب، وذا الرأس الشائك في خبايا فنون القتال.
ألهذا يوجد فارق بينه وبينهم؟ لأنه كان يبحث عن قانون الحقيقة نفسه؟
ألهذا قال المستبصر ما قاله عندما رآه أول مرة؟ قال إن شخصًا مثله لا يجب أن يكتشف قانون الحقيقة، وأن أبناء هذا الكوكب اليافع لا يجب أن يعرفوا ما هي الحقيقة بعد…
في ذلك اليوم، لم يتحدث المستبصر عن هبة العين، بل تكلم عن اكتشاف قانون الحقيقة نفسه. حتى في حديثه الأخير معه، تكلّم عن روبين الذي قطع روابط القدر وصنع قدرًا جديدًا لنفسه عبر التوصّل لقانون الحقيقة!
“….” رفع روبين يداه ببطء وضغط رأسه، “هل هناك فارق بين عين الحقيقة… وقانون الحقيقة؟ هل كنت أستخدم قوتي بشكل خاطئ طوال الوقت؟!”
================
لدعم هذا العمل مادياً:
باي بال: paypal.me/eslam997
تحويل فيزا مباشر بنك الراجحي داخل السعودية:
معاذ خلف عواض الثبيتي
SA55 8000 0327 60801624 0281
اي محفظة كاش مصر: 01020451397
بايير: P1017229514
بينانس أي دي : 39853995
سعر الفصل الطبيعي 5$
سعر الفصل بعد يوم 20 من كل شهر 10$
سعر الفصل بعد الوصول لـ 70 فصل شهرياً 10$
~~~~
لدعم هذا العمل معنوياً لا تنس التعليق و الدعاء
~~~~~~~
الموقع القديم لمشاهدة الفصول القديمة:
novelxs.com/novel/lord-of-the-truth
~~~~~~
سيرفر ديسكورد لرؤية صور الشخصيات و متابعة مواعيد نزول الفصل:
https://discord.gg/AxDFN6uVTE
======
فصول الشهر 80/ 14
انا بعد كل الفصل والكلام المهم ده: يعني جابا متظلمش لما بنا اعمدته بقانون الجاذبية ولم يكن مختار حقيقة فعلا 🔥🔥
من كام يوم جاء ببالي وشعرت بالاسى عليه ولكن الان يمكنني انا ارتاح 😌😌
شكرا علي الفصل
تبا لك! و لجايا. مع كل الإحترام
الاول
شكرا على الفصل
شكرا علي مجهودك
بلوت تويست متخفي
شكرآ كبير على الفصل ياابا احمد شافاك الله وغفر الله لوالدك
يسلمووو على الفصل
من افخم الفصول علي الاطلاق
حمااااااااااااس
وهنا استوعب روبين أن هذا العجوز قد يكون معلمه فعلا
شكرا علي الفصل
الله يهديك و يغفر لك ويرحم والدك وجميع موتي المسلمين و يشفي جميع مرضى المسلمين و يساعد المستضعفين من المسلمين
شكرا علي الفصل
المستحق ما قاله شي ابن الذين قاله بس خلي انماط لزملاءك يشوفوها. مين هاد الزملاء