*باام*
“صوت خطوات الأقدام يقترب بسرعة…” أخذ جابا شهيقًا عميقًا ثم أخرجه، وركّز على الاتجاه الذي يأتي منه الصوت.
معظم أرجاء كوكب جرينلاند مغطاة بأشجار شديدة الارتفاع، لذا الرؤية بعيدة المدى في معظم الأوقات تكاد تكون منعدمة، لهذا تعوّد الجنود المشاركون في الحرب على استخدام بقية حواسهم بكفاءة أكبر خلال السنوات الأربع الماضية..
باام باام
أصوات طيور فزِعة
“فلتتخذ كل السرايا أماكنهم! فليستعد الرماة!!”
الضباط بجوار جابا كلهم جُنّوا وبدأوا بالتحرك في جميع الجهات كالنحل.
الساعتان الماضيتان مرّتا كأنهما عامان على صدور الجميع، لكنهما أيضًا مرّتا كدقيقتين على الأشخاص المسؤولين عن تنفيذ الخطة الجديدة، ببساطة لم يكن هناك وقت كافٍ لوضع خطة محكمة لمواجهة العدو القادم بثقة!
باااااااام
صوت تساقط جذوع أشجار
“استعدوا، إنه على وشك الظهور!!!!”
الضباط و الجنود في كل مكان في الساحة نظروا باتجاه الشمال غرب بتعابير وجه قبيحة، ما حدث للفيلق العاشر لم يعد سرًا لأحد، مع أنه تم التشديد على الجنود ألا يستخدموا خواتم الصوت إلا في حالات محددة، إلا أن بعض جنود الفيلق العاشر لم يُمسكوا أنفسهم عن التواصل مع أقربائهم لترك وصاياهم، بهذه الطريقة عرفت كل الفيالق ما يجري معهم الآن!
بوووووووووم
“اااااه!!!”
أعين الجميع قد خُطفت و الأنفاس حُبست!!
لكنها تحوّلت لنظرة حيرة في لحظة…
الكائن الضخم الذي ظهر كان عاريًا، لونه شديد البياض، له شعر أخضر و عينان بيضاوان مليئتان بالعروق الخضراء… بنظرة واحدة عرف الجميع ما يرونه، لقد كان برعم فارغ العين!
الفارق بينه و بين البراعم العادية أن هذا طوله حوالي 25 مترًا، له قرنان متشعبان كقرون الغزال يمتدان بضع أمتار للأعلى، كما أن جسده مليء بالشقوق كتلك الموجودة في أرض يابسة منذ زمن، فيما عدا ذلك لا يوجد شيء مختلف حياله!
في الحقيقة، هو كان محاطًا حاليًا ببراعم عادية الحجم من كل الجهات مستعدون للهجوم، هو فقط ظهر كأنه والدهم أو أخاهم الأكبر…
لا يوجد شيء مخيف حيال ذلك العملاق، من يستطيع صنع البراعم يستطيع بالتأكيد صنع واحد أكبر
كل الجنود فكّروا في نفس الوقت تقريبًا، وقفتهم استراحت بشكل كبير و أخذوا ينظرون لبعضهم من جانب أعينهم، بعضهم حتى بدأ يفكّر في كم النقاط التي سيحصل عليها لو قتل برعمًا بذلك الحجم!
“أوه لا…” الوحيد الذي اشتدت ملامحه القبيحة عندما رأى ذلك الكائن لم يكن سوى جابا، “ابدأوا خطة الدوامة فورًا!!”
“راااااااااااااااااااااااااااوررر!!”
البرعم العملاق أطلق صيحة هائلة باتجاه السماء و اندفع راكضًا نحو الفيلق السادس، و جاء يركض خلفه عدد لا يُحصى من البراعم العادية.
لم يستعمل سلاحًا، لم يستعمل قانونًا سماويًا، لا شيء… مجرد اندفاع جسدي بحت.
“يبدو أن الوحش الذي دمّر الفيلق العاشر لم يأتِ بعد يا رفاق، و هذه مجرد طلائع، تعالوا معي لنقتل ذلك الوغد!!!”
تقدّم الضابط المسؤول عن السرية الخامسة و الستين، حكيم متوسط المستوى من قارة اللهب، و أمر بقية الحكماء في سريته بالانضمام له.
عندما رأى جابا ما يحاولون فعله صاح بكل قوته، “لااا! ابدأوا خطة الدوامة! لا تقفوا أمامه، إنه–!!”
لكنه لم يتمكن من إكمال الجملة.
بففففـــتـــ
“ااااااااااااااااااه!!!”
البرعم العملاق لم يتوقف لوهلة في وجه عشرة حكماء، بل لم ينظر باتجاههم حتى… ثلاثة منهم سُحقوا تحت قدمه بشكل عارض و هو يركض، و بعضهم طاروا بعيدًا بتلويحة من يده كأنه يبعد بعوضًا، حياتهم أو مماتهم لم يعد معروفًا.
ثم تابع البرعم الضخم ركضهَ مباشرةً فوق رؤوس أفراد السرية الخامسة و الستين، فاختفت خلال ثلاث ثوانٍ، قُتل منهم من قُتل و البقية فرّوا في جميع الاتجاهات.
“الدوامة! ابدأوا الدوامة!!!”
تماسك جابا نفسه و صرخ مجددًا.
سوووووش
الخوف و الترقب هذه المرة لم يكونا عائقًا أمام بقية الفيلق السادس المخضرم في بدء خطة الدوامة.
وقف البرعم العملاق مكانه ينظر حوله على ما يراه لوهلة، الغضب الشديد بات ظاهرًا على وجهه…
خطة الدوامة كانت عبارة عن تقسيم الجيش إلى كتائب من ألف فرد، و توكيل منطقة واسعة لكل كتيبة لا يجب أن يخرج أعضاء الكتيبة منها أبدًا… ثم تقسيم تلك الكتائب إلى وحدات من عشرة أفراد، كل وحِدة من عشرة أفراد عليهم أن يشكّلوا حلقة، مُعطين ظهورهم لبعضهم و أسلحتهم و دروعهم نحو الخارج، ثم يقوموا بالركض بشكل عشوائي في المنطقة المخصصة لكتيبتهم.
جابا أمر خصيصًا بقطع كل الأشجار و تمهيد الأرض في المنطقة التي اختارها حتى أصبحت تبدو كـ سهل مستوٍ واسع جدًا، و ذلك السهل الواسع الآن ممتلئ بحلقات بشرية تتحرك في الأرجاء بدون توقف!
جيش البراعم الذي جاء مع البرعم الضخم اقتحموا السهل، و بسرعة ملأوا الفراغات بين حلقات الجنود، لكنهم سرعان ما تطايرت الدماء الخضراء و الرؤوس البيضاء في كل مكان، فحلقات الجنود المتحركة كانت تتحرك كالمنشار، تقتل أي شيء يعترض طريقها!
الآن ساحة المعركة من وجهة نظر البرعم العملاق عبارة عن نمل منتشر في كل مكان يتحرك بعشوائية مدمّرة، لذلك فخطة اندفاعه و إجبارهم على التشتت لم يعد لها وجود… و في نفس الوقت، ذلك النمل العشوائي يقتل جيش البراعم أسرع بكثير من لو كانت معركة بتشكيلة عادية!!
في تلك اللحظة، رفع البرعم العملاق كلتا ذراعيه لمستوى كتفيه.
كراااانـــش
عدد ضخم من الجذور بدأ يخرج من الأرض بعشوائية و يهاجم الحلقات البشرية بشراسة، خلال بضع ثوانٍ، ارتفعت حصيلة الموتى بين صفوف جنود الفيلق السادس بشكل ملحوظ، لكن بنظرة واحدة في وجه البرعم العملاق، يمكن معرفة أن الهجوم لم يكن بنفس التأثير الذي توقّعه البرعم العملاق… سرعة تحرك الحلقات و قوة الجنود الفردية و خبرتهم الهائلة مكنتهم من تجنب معظم الهجمات و حيّدت هجمات الجذور.
“رااااور!!”
الغضب ازداد في أعين البرعم العملاق، فرفع إحدى يديه للسماء و ظهرت سحابة بسرعة، ثم بدأت تمطر صواعق!
كل صاعقة هبطت حصدت حياة شخص عشوائي بغضّ النظر عن مدى قوته، خلال بضع ثوانٍ مات عشرات الجنود البشر، كان منهم عدة حكماء تحولوا لما يشبه الفحم… لكن الحلقات التي فقدت جنودًا كانت تنكمش أكثر على نفسها فحسب و تتابع كما كانت و كأن شيئًا لم يحدث… لا استراتيجية الدوامة هُزمت، و لا الأضرار كانت كبيرة بالنسبة لحجم جيش البشر، و المتابعة على نفس المنوال ستمكنه من إبادة جيش البشر عند نقطةٍ ما، لكن جيش البراعم سيكون قد تدمر قبل ذلك، عندما سيتمكن الفيلق السادس من الهرب بلا مشاكل.
البرعم العملاق فارغ العين أخذ ينظر حوله بغضب للحظات، ثقة الجنود البشر في الخطة التي أُؤتمروا بها و متابعتها بغض النظر عن عدّاد الموتى الذي يتراكم بينهم ببطء، لم تكن في حسبان البرعم العملاق… بعد عدة جولات أخرى من هجوم الصواعق، توقّف البرعم العملاق للحظة، ثم أطلق صرخة عالية نحو السماء، بعدها رفع كلتا يديه، فبدأت الغيوم تتجمع بشكل أكثر كثافة.
قعقعة
خلال أقل من دقيقة، السهل المشمس تحوّل لليل حالك السواد، و بين كل حين و آخر يُسمع صوت رعد شديد في الغيوم…
“ما الذي يحاول ذلك المختل فعله؟!!”
“أهى قدرة الأب الشجرة الخاصة؟ تلك الغيوم تذكرني بالصواعق التي تضرب الكائنات الطائرة، لكن لا يوجد شخص واحد من رجالنا يطير حاليًا، ما فائدة ذلك؟”
مستشارو جابا المتبقون بدأوا يتشارون بشكل مكثف حول ما يرونه، لكنهم بدون شعور تكلموا و هم يأخذون عدة خطوات للخلف.
“…لا يجب أن ننتظر حتى نعرف.”
بلع جابا ريقه، ثم قفز نحو البرعم العملاق، حاملًا مطرقة الحرب الذهبية بيده اليمنى.
الموضوع التاليالموضوع السابق