فوق صخرة ضخمة في المنطقة الجنوبية لدائرة سيطرة هوفنهايم–
“جينرال، ما الذي.. قاله المقر؟” تقدم حكيم عالي المستوى خطوة وتكلّم بصوت متردد.
“هل هنالك ناجون؟!”
“جينرال؟!”
كان يوجد على الأقل ثلاثون شخصًا آخر فوق تلك الصخرة، محاطين بمئات الآلاف من الجنود من جميع الجهات، ومع ذلك وبخلاف أسئلتهم القصيرة، لو سقطت إبرة لسمعها الجميع…
الأنظار كلها كانت متوجّهة نحو شخص واحد، شخص ضخم يزيد طوله عن ثلاثة أمتار، لونه يميل للون الأزرق الخفيف، يرتدي درعًا ذهبيًا يغطي جسده كله، فقط الخوذة هى التي لم تكن في مكانها، مُظهرة بذلك ملامحه القوية الحادة، و شعره المُضفر الطويل…
البقية أيضًا كانوا يرتدون دروعهم الكاملة، و لم تكن هنالك خيمة واحدة في الأرجاء، بل الغبار كان يسيطر على جهة الجنوب التي جاؤوا منها. الفيلق كله توقّف في منتصف الطريق بعد سماع خبر مفزع بأن الفيلق العاشر قد دُمر، و أن على الجميع التوقف في أماكنهم و انتظار المزيد من الأوامر.
مرّت بضع دقائق على تلك الرسالة، لكنها مرّت و كأنها بضع شهور على الضباط عالي المستوى الذين اختارهم جابا و جمعهم حوله على مدار أربع سنوات، و السبب؟
هذا لأن فيلقهم، الفيلق السادس… كان هو الأقرب حاليًا للفيلق العاشر المنكوب.
لم يتم توزيع مسارات الفيالق حسب أرقامهم، فقد تم اختيار الأرقام حسب مكانة الجينرال في إمبراطورية البداية الحقيقية… مثلًا، الحكماء القاريين الخمسة أخذوا أول خمسة أرقام، ثم جاء تلميذ روبين، ثم أبناؤه بالتبني و هكذا.
أما بعد ذلك، اختار كل جينرال المسار الذي سيأخذه حسب عدّة عوامل، و الحظ أوقع جابا و جنوده في المنطقة الجنوبية بجوار الفيلق العاشر.
“…هل لاحظ أحدكم تغيّر لون السماء قليلاً؟ اللون الأخضر الفاتح المعتاد أصبح أخف درجة، إنه مائل لخليط بين الأخضر و الرمادي قليلاً… الطاقة الطبيعية في الجو أصبحت أخف بشكل ملحوظ أيضًا.” بدا و كأن جابا لا يسمع أي شيء من حوله و هو ينظر نحو الأفق.
“ماذا؟!” كل الضباط حول جابا بدأوا ينظرون حولهم و يجرّبون تفعيل تقنية امتصاص الطاقة المطلقة، سرعان ما جميعهم وجدوا أنه محق.
“أهذا له علاقة بدمار الفيلق العاشر؟! يا للهول…”
“ماذا نفعل الآن؟ ماذا نفعل الآن؟!”
“جينرال، أعطِ الأوامر بالتراجع! علينا الرحيل فورًا!!”
“…هيه~ لا نستطيع.” هزّ جابا رأسه و أبعد عينه عن الأفق أخيرًا و عاد لينظر نحو ضباطه، “المقر أعطى أوامر لبقية الفيالق الأخرى بالانسحاب فورًا، أما نحن فلدينا أوامر مختلفة… سنبقى في أماكننا و نُشدّد دفاعاتنا.”
الصمت عاد للجميع مجددًا، لكن هذه المرّة ليس لأنهم ينتظرون كلمات جينرالهم، بل بسبب الصدمة…
“مـ ماذا؟! كيف نقف و نتصدى لشيء سحق الفيلق العاشر خلال بضع دقائق؟ أهذه مزحة لعينة؟!”
“ماذا يحدث؟ هل يجلس أولئك في المقر على رؤوسهم بدلًا من مؤخراتهم؟ هذه ليست قوة يمكننا الوقوف في طريقها!!”
رفع جابا كلتا يديه ليهدئ الجميع، “الفيلق العاشر لم يتم إباده كما تظنون، التقارير تقول إنه عند بدء المعركة، ظهر كائن ضخم تجاهل هجمات الحكماء و بدأ يركض في أنحاء التشكيلة، قاتلًا من يجده في طريقه حتى دمّر التشكيلة تمامًا خلال بضع دقائق. عندما أيقن الجينرال ريتشارلسون أن قوة الفيلق بلا فائدة، أمر الجميع بالهرب بشكل عشوائي في جميع الاتجاهات، بينما بقي الحكماء في الخلف لكسب الوقت عبر مهاجمته بشكل عشوائي. يُقال إن الجينرال ريتشارلسون نفسه أُصيب بشدة.”
أخذ جابا نفسًا عميقًا ثم أكمل ببطء، “هرب الجنود في كل الاتجاهات جعل العملاق يخسر هدفه و توقّف عن مهاجمتهم بنفسه، لكن الفيلق وجد نفسه في قتال آخر ضد جيش البراعم، و تلك المعركة الفوضوية ضد البراعم ما تزال مستمرة حتى الآن.”
“معركة فوضوية؟ الرجال في الفيلق العاشر يقاتلون ضد تلك الكائنات اللعينة الآن في كل مكان بدون خطة أو قائد؟!”
صُدم جميع الضباط من سماع تلك الكلمات… الجنود البشر مهما كانوا أقوياء، فهم ما يزالون بشرًا في النهاية، يحتاجون للطعام و الراحة و الدعم و التنسيق و هكذا. هذا هو المفتاح الرئيسي للفوز، بل للبقاء على قيد الحياة!
معركة فوضوية ضد الملايين من البراعم تعني إبادة مؤكدة للفيلق العاشر إن لم تحدث معجزة…
“الفيلق العاشر سقط في مصيدة كهذه و يُقتلون كالنعاج بينما نتكلّم، و المقر أعطى أوامر للجميع بالتراجع؟ بينما نحن نبقى في أماكننا؟ ماذا يحدث بالضبط؟”
“أجل، علينا أن نذهب لدعم الفيلق العاشر!”
“اخرس! نذهب و نموت معهم؟!”
“…إنهم إخواننا.”
“….سحقًا!”
“صمتًا!” صاح جابا فجأة، فأسكت الجميع، ثم تابع بدون أن ينتظر رد أحد، “…جنود الفيلق العاشر أخبروا المقر أنهم رأوا ذلك العملاق قادمًا باتجاهنا و معه عدد كبير من البراعم، لهذا علينا البقاء و الاستعداد. لو حاولنا الهرب الآن، سيعرف الأب الشجرة مكاننا و سيتم مهاجمتنا من الخلف. إن حدث و هاجمنا ذلك الشيء بدون استعداد، فسنُقتل، و لو حاولنا التفرّق، سنقع في مصيدة الحرب الفوضوية و يتم اصطياد جنودنا أيضًا…”
ثم أكمل و هو ينظر نحو الـ 370 ألف جندي المسؤول عنهم، “و لا داعي للقلق بشأن الفيلق العاشر، بعد مغادرة ذلك الكائن الضخم و أخذ نصف القوات معه، أصبح الضغط عليهم أقل بشكل كبير. بينما نتحدث الآن، الفيلق الثاني بقيادة الجينرالة إليزابيث ترينت في طريقهم لدعمهم الآن، فور وصول الفيلق الثاني لموقع المعركة، سيقومون بإنقاذ ما يمكنهم إنقاذه… عليكم أن تقلقوا بشأن أنفسكم فقط الآن، ذلك العملاق سيكون هنا خلال ساعتين. من لديه اقتراح بشأن الاستعداد فليقله، و من لا اقتراح له فليصمت.”
بضع ضباط أخذوا خطوة للخلف بدون وعي، الخوف بادٍ في أعينهم…
اقتراح… اقتراح ضد ماذا؟ لو ظلّوا في أماكنهم سيشقهم العملاق، و لو هربوا بشكل عشوائي سيقعون في فخ ليس أقل خطرًا.
“..اهدأوا جميعًا، أنا هنا!” صاح جابا مجددًا عندما رأى المعنويات ترتطم بالأرض، ثم أخرج مطرقة ذهبية ضخمة من خاتمه الفراغي، “أقسم لكم أني سأموت أولًا قبل أن أسمح لذلك الشيء بأن يتجاوزني! ثانيًا… معاليه قادم باتجاهنا الآن.”
جميع الضباط فتحوا أعينهم قليلًا عند سماع ذلك، و بعضهم لهث مبتسمًا! …لكنهم سرعان ما نظروا للأرض مجددًا و هزوا رؤوسهم… أيفترض أن تطمئنهم كلمات الجينرال بطريقةٍ ما؟
جابا قد يكون قويًا، لكن ما يزال مجرد حكيم، و معاليه ليس حكيمًا حتى!!
الموضوع التاليالموضوع السابق