تباينت ردود فعل أعضاء الكتيبة الذهبية بين الخوف، و الذهول، و الدهشة، و حتى الغضب، لكنهم تابعوا التقدم بنفس الوتيرة بدون توقف.
“غرااااااااااااا!!!”
“كشراك سووووو!!!”
جدران و أشواك الجليد تمكنت من إيقاف الزحف القادم و دفع الجيش القادم للخلف، من توقف مكانه سُحق من التدافع، و أشواك الجليد، بينما من حاول القفز من فوق جدران الجليد المتحركة قوبل بكرات لهب قادمة من كل مكان تحوله لرماد قبل أن يصل مجدداً للأرض، و حتى أولائك في الخلف لم يسلموا حيث جائتهم أعاصير، و انصال رياح بعيدة المدى.
الجيش الذهبي، ببطئ لكن بثبات، بدأ يتحرك بعيداً عن موقفه السابق بين المرتفعات الثلاث، و الهجمات الانتحارية التي تأتيهم من الاعلى انخفضت بشكل تدريجي حتى توقفت نهائياً، لكن ظهرهم لم يكن محمي ايضاً.. عندما وجدت الكائنات البشرية البيضاء فوق التلال أن وجودهم في الأعلى لم يعد له فائدة بدأوا بالتسلق نزولاً من على المرتفعات، أعدادهم المهولة غطت على لون الجبل الأساسي، و تحول بالكامل لللون الابيض الحليبي!
في غمضة عين وجدت الكتيبة الذهبية أنفسهم محاصرين من الأمام و الخلف.
فقط مستخدمي قانون النبات السماوي الرئيسي قاموا بتعديل الكفة بعض الشيئ بعدما انضموا للمعركة.. فكما أمر روبين قام مستخدمي قانون النبات الرئيسي إنقسموا لنصفين، الأول تخصص لحماية الأرض فحسب… و النصف الثاني يقوم بإبعاد الأشجار جانباً لإفساح الطريق للجيش، و بإستخدام تلك الأشجار و جذورها للفتك بجيش البشر البيض.
فقط بالتعاون بين هجمات الرياح من الأعلى، و جذور الشجر العملاقة من الأسفل إنخفض الضغط على موقع الكتيبة بعض الشيئ.
مرت حوالي نصف ساعة، لكنها بدت كأنها يوم كامل…
حتى الآن لم يُقتل شخص واحد من جانب جيش إمبراطورية البداية الحقيقية، و مع أنها دفعة معنوية كبيرة لهم إلا أنه مع ذلك لم يسترح فرد واحد منهم و لو للحظة واحدة، حتى الحدادين، و رسامي النقوش شاركوا في القاء هجمات خارج التشكيلة أو الدفاع عن السماء مع قوات مستخدمي اللهب.
الجيش الذهبي خرج من حصار المرتفعات الثلاث بنجاح، لكنه وقع في حصار آخر، أنهم الآن يتعرضون للهجوم من كل الجهات، و الرجال البيض الذين كانوا على الجبال نزلوا و هاجموهم من الخلف.
أعداد الرجال البيض في تزايد غريب، كل ثانية يُقتل الف، لكن يظهر ألفان!
يهاجموا بلا خطة معينة، و بلا أي خوف من الموت، و كأنهم لا يعرفون ما هو اساساً، لولا أن الكتيبة الذهبية مكونة بالكامل من قديسين، و حكماء لديهم قدرة عالية على التحكم بمشاعرهم لربما أنهار بعضهم بالفعل تحت هذا الضغط الهائل.
بكل بساطة المنظر العام عبارة عن قطعة ذهبية تسبح في بحر من اللبن!!
لكن مع وجود هجمات النار، و الجليد المتطايرة، و جذور الأشجار التي تنبت في كل مكان، و اتصال الرياح، و الاعاصير التي تظهر، و تختفي لحظياً… المظهر الآن من الأعلى يمكن وصفه بالملحمة على أقل تقدير!
*فروووووم*
في هذه اللحظة إعصار ضخم إقترب بسرعة من الكتيبة الذهبية عاصفاً بالمئات من البشر البيض في طريقه، حتى وصل للقرب من الكتيبة الذهبية فخرج من الإعصار أليكساندر، الذي نادي بعلو صوته. ” معاليك، لقد وجدنا تلة على بُعد عشرة كيلومترات من هنا بإتجاه شمال غرب، لو صعدنا عليها بنجاح ستكون مقر مناسب للجيش، سأقود الطريق إلى هناك.”
أومئ روبين، ثم رفع صوته. ” لقد سمعتموه، إتبعوا ذلك الإعصار!”
*ضاام ضاام ضاام*
بعد سماع الأوامر قامت فيكتوريا بتحريك القوات التي تتحكم بها لتتبع الإعصار الضخم الذي أنشأه أليكساندر، و بقية الحكماء الآخرين معه، لكن المشهد الملحمي نفسه لم يتغير كثيراً.
كل فرد كان يركز على دوره، كل رجل و إمرأة في الجيش يركزون على الوصول للتلة من اجل النجاة بأرواحهم.
ما عدا روبين… بدى شارد الذهن كلياً و ينظر نحو السماء بحواجب معقودة.
” أبي، ما الخطب؟ الى أين تنظر؟ أنت تقلق الجميع.. هل يمكنني المساعدة بشيئ؟” تكلمت زارا بصوت قلق، و هي تشد كُم عباءة روبين.
يمكن لأي أحد أن يقلق، أو يشعر الخوف، او التوتر، لكن ليس روبين!
أنه شخصية المحورية في قلوب الجميع، لو وجدوه يقف تائه، و شارد الذهن في وسطهم فماذا ستحل بمعنوياتهم؟
خفض روبين رأسه بإبتسامه، و مسح على رأسه زارا. ” لا داعي للقلق يا عزيزتي، فقط أبقي مستعدة و انتظري بجانبي حتى أحتاج مساعدة، حسناً؟”
“إنن.” اومئت زارا، ما تزال حواجبها معقودة بعض الشيئ، و شاهدت والدها عاد لينظر نحو السماء مجدداً..
روبين بلا شك بدى قلق جداً.. و هو بالفعل كان قلق!
المستبصر أخبره أن هذا الكوكب يحتوي على خبراء بمستوى الحكمة، أين هم؟ بل أين الخبراء بمستوى قديس حتى؟ كل من هاجموا الآن كان اقواهم يوازي المستوى 20، أي فارس عالي المستوى.
يستحيل أنه يوجد هذا العدد من مقاتلي أساس الطاقة، و الفرسان، و لا يوجد قديس واحد.. ثانياً من يُحركهم، و يعطيهم الأوامر؟
سقوط تلك الكائنات من أعلى الجبل بهذا الشكل الانتحاري كان بلا شك من أجل إبعاد جيش روبين عن تلك النقطة، و دفعهم لمكان آخر أكثر خطورة، هذا كان واضح جداً، لكن لا مفر منه.. لو ظل مكانه كانت قواته ستُرهق عاجلا أم اجلاً.
لكن أذلك المكان الأكثر خطوة الذي تحاول تلك الكائنات دفعهم له، هو العراء او الهواء؟ هل أرادوا مهاجمتهم في مكان مفتوح كما يحدث الآن أم إرادوهم أن يطيروا حتى يصطادوهم بطريقةٍ ما؟
هل الفخ المعد لهم كان إنتظار تلك الكائنات خلف الأشجار فحسب؟ فعلاً لو كان جيش روبين دخل الغابة، و تعرض لهجوم بهذا الحجم لكان تعرض لخسائر هائلة.. لكن أين هم القديسين، و الحكماء؟ أما يزال هنالك فخ آخر؟
بالتفكير في الامر، التصرف السليم ضد تلك الهجمات الانتحارية كان طيران الكتيبة للأعلى للإشتباك معهم، و ليست التقدم ارضاً، أهذا هو الفخ الحقيقي؟ الطيران..!؟
لو أعطى الاوامر للكتيبة الذهبية بالطيران الأن هل سيظهر أولائك الخبراء؟ أي حيلة سيستخدموها ضدهم؟ أهذا هو سلاحهم المخفي؟ هل ستكون لديه القدرة على صدهم حينها؟
هو لم يكن خائف على أليكساندر، والحكماء معه أثناء طيرانهم أمام الكتيبة، فلو كان هنالك فعلاً فخ، أو سلاح من هذا النوع فلن يستخدموه على حفنة خبراء فقط و يخاطروا بإفتضاح أمرهم.
الأسئلة أخذت تتسارع في رأس روبين بلا توقف، لكنه في النهاية قرر البقاء على الأرض و إكمال الزحف نحو تلك التلة كما هو.
وجه روبين بدأ يلتوي من الاضطراب و الغضب.. ما خطب هذا الكوكب بحق الجحيم؟!
الموضوع التاليالموضوع السابق