1395 -الشيخ الكوني

اذكر الله//

…السماء والبحر انشقّا نصفين بخيط دقيق من الضوء، كشيفرةٍ حادة ضربت الكوكب فقسمته إلى نصفين متساويين.
وكان روبين واقفًا بين النصفين تمامًا، كأن الشيفرة قطعته هو، لكنه لم يشعر بشيء، عقله مُغيّب كليًا بفعل ما يراه.

اضطراب… اضطراب…
النصف الأيمن انقشعت منه الغيوم كليًا، تبدّدت، والجوّ تحوّل إلى الأحمر الداكن، والهواء أصبح حارقًا، مجرد التعرّض له مؤذٍ. أما البحر، فبدأ يثور، وظهرت فيه عدد من الدوّامات، وبجوارها أعاصير ضربت السماء فوقها.

“أووووههـ…”
الوحوش البحرية العملاقة بدأت تخرج من البحر في هياج، كل وحش يقاتل الآخر بمجرد النظر، في معارك دموية مدمّرة.

“شوالاااا!” “كاتشااا!”
في تلك اللحظة، اشتعلت الدوّامات المائية بنيران سائلة، ثم بدأت الصواعق تنفجر من منتصف الهواء، دون غيوم ولا مطر، ظهرت بشكل كرات حمراء داكنة كحمرة الدم.
كرات الصواعق أخذت تتصادم ببعضها ثم تقفز داخل أعاصير النار السائلة.

“هوووووو!”
روبين رأى الكثير في حياته… الكثير. ومع ذلك، جسده ارتعش لا إراديًا وهو يشاهد أعاصير النار والصواعق تضرب بعضها بجنون.
مهما فعل، لن يتمكن من تخمين قوة ذلك الشيء. لكنه كان يعلم يقينًا، أنه لو أُلقِي بكارثة عالم في أحد تلك الأعاصير فلن يخرج من الناحية الأخرى!

بلوء… بلوء…
ببطء، حَرّك روبين مقلتيه نحو النصف الآخر من الكوكب…
السماء صافية، والجو مشمس، الطيور تتحرك بهدوء وتلعب في الهواء وكأن الكوكب لا يحتضر في النصف الآخر. أما السمك بمختلف أحجامه، فكان يقفز من الماء برفقة الوحوش البحرية في حركات بهلوانية جميلة ثم يعود للسباحة مجددًا.
طرطشات الماء من حركة السمك تسببت في ظهور قوس قزح جميل بدا كسلّم بين الأرض والسماء.

في ناحيةٍ يوجد عالم يحتضر… الجحيم نفسه، الجزء الأيمن من جسده يشتعل حرارة، وأنفه اليسرى لا يمكنها تنفّس الهواء الملوّث.
وفي الناحية الأخرى… عالم يافع، جنة على الأرض، وعلى الرغم من الشدّة القادمة من الجانب المُدمَّر، إلا أنه لا يزال يشعر برغبة في الابتسام والاسترخاء.

“لا… لا لا… هذا المنظر غير ممكن! ما الذي فعلته؟!”
روبين أمسك رأسه وتراجع بضع خطوات، “هل أثّرت على نطاقي الروحي؟ هل تجعلني أهلوس؟ أخرج!!”

“أنا لا ألعب بالروح، ولا أقترب مما لا طاقة لي بقمّته.”
العجوز تمتم بهدوء، ثم أنزل يده مرة أخرى، “كل ما تراه حقيقي مئة بالمئة.”

صـــــــــــــــــــــــــــــــــــمت…

“….”
في هذه اللحظة رأى روبين أغرب شيء مرة أخرى… الكوكب عاد لطبيعته.
لم يحدث الأمر تدريجيًا، لم تضعف الأعاصير، ولم تتوقّف الوحوش عن الهدير.
كل شيء عاد لطبيعته فحسب.

ثم سمع صوتًا في اللحظة التالية:

“بففتـ.. كح كح..”
كان العجوز الأعمى، وقد بصق حفنة من الدم دون سابق إنذار.

“هذا…؟!”
المشهد العجيب أخرج روبين من حالة الهلع، “…هل أنت بخير أيها العجوز؟”

“هيه~”
العجوز الأعمى مسح فمه، “كنت أريد أن أُبهرك بقانون التوازن السيادي، لكن يبدو أني جعلت من نفسي أضحوكة.”

“…هل استخدامه مؤذٍ إلى هذه الدرجة؟”
سأل روبين بصوت خافت.

“ما فعلته الآن لم يكن مؤذيًا، مجرد حركة بسيطة عبر كسر التوازن في الكوكب وتوصيله إلى النقيضين. لم أُصب بأي ضرر كبير لأن النقيضين يُلغيان بعضهما البعض، ولا توجد متطلبات لتضحية خارجية.”
تنهد العجوز، “لكن هذا لا يعني أن استخدام التوازن السيادي ليس مؤذيًا، لا، بل كل القوانين السيادية مؤذية… مؤذية بشدّة.”

“….”
تذكّر روبين كلام المستبصر عن تمنّع “سيفار” من القيام بحركات شخصية إلا نادرًا، لأن العبث بخيوط القدر يعود عليه بالثقل والضرر.

تابع العجوز:
“…لسنين طوال، في معارك ومصائب وكوارث، تحتم عليّ استخدام الدرجات العُليا من قانون التوازن السيادي أكثر من مرة. في كل مرة كنت أُضحي بشيء مقابل تنفيذ شيء… فهذا هو معنى التوازن.
في بعض الأحيان، كنت أُضحي بجزءٍ من نفسي…”

“لهذا، حتى وأنا صاقلٌ لأكثر من كوكب، حالتي الجسدية تسوء، ونطاقي الروحي ينهار، ولهذا تراني في هذا الحال الرثّ. أنا أتحرّك ببطء نحو موتي المحتوم.
قضيت الربع الأخير من عمري أبحث عن وريث…”
وأشار إلى جسده المتآكل الذي تظهر عظامه من تحت جلده، ثم التفت نحو روبين،
“لكن لو عاد بي الزمن، سأفعل كل شيء مرة أخرى، سأُضحّي بكل شيء مرة أخرى… أنا فخور بكل ما قمت به!”

روبين بلع ريقه بعد سماع تلك الكلمات الكبيرة، “…قلت إنك تستعمل الدرجة السادسة من قانون التوازن؟”

حاول العجوز أن يقف باعتدال، “أجل. أنا زولان، واحد من الثلاثة الذين وصلوا للدرجة السادسة من قانون سيادي… أنا الشهير بـ الشيخ الكوني، أحد أسباب استقرار هذا النظام الكوني!”

“…لم أسمع بك يومًا.”
روبين رد بأكثر شكل مباشر ممكن.

“أهذا كل ما لديك لتقوله؟! …على أي حال، لا مشكلة.”
التفت العجوز نحو الأرض،
“أعمالي لا يعرف بها سوى قلّة من الكبار، والشهرة لا تعنيني. يكفيني أني أعلم ما فعلته.”

“عندما كنت في ذلك الفندق، أصبت بالاكتئاب أكثر من مرة من مجرّد التفكير أن إنسانًا يتلقّى كل الشكر والثناء على بضع طلاسم ومصفوفات. فكرة أن شخصًا آخر يتلقّى الشكر على شيء فعلته أنا… كانت تقتلني ببطء، حتى لو كان الشخص الآخر غير حقيقي!”
ثم أشار روبين نحوه ببطء، مستغربًا،
“أما أنت… تقول إنك تحافظ على النظام الكوني؟ أنك في خضمّ الموت من أجله… ولا أحد يعرفك؟!
بعدما تموت، وتحترق جثتك أو تُوارى تحت التراب، ما الذي ستستفيده من كل تلك الأعمال الصالحة التي قتلت نفسك من أجلها؟!
على الأقل، أنا أُعزّي نفسي بأن اسمي ومجدي سيحيا للأبد من بعدي!”

“الجميع سيموتون. لا يهم إن صقلتَ كل كواكب الكون، الكل سيموت أو يُقتل لا محالة، إنها مسألة وقت.
لكن المجد… المجد هو الإجابة.
المجد هو الشيء الذي يجب أن نطمح له، لا الخلود.”
ثم هز رأسه:
“تموت من أجل أن يحيا الآخرون ولا تتلقّى الشكر؟ أهذا هو الطريق الذي اخترته لنفسك؟
لا لا، هذا كابوس… طريق خاطئ بلا هدف ولا قيمة شخصية.
بئس ذلك الطريق… لا أريده!”

================
لدعم هذا العمل مادياً:

باي بال: paypal.me/eslam997

تحويل فيزا مباشر بنك الراجحي داخل السعودية:
معاذ خلف عواض الثبيتي
SA55 8000 0327 60801624 0281

اي محفظة كاش مصر: 01020451397

بايير: P1017229514

بينانس أي دي : 39853995

سعر الفصل الطبيعي 5$
سعر الفصل بعد يوم 20 من كل شهر 10$
سعر الفصل بعد الوصول لـ 70 فصل شهرياً 10$
~~~~

لدعم هذا العمل معنوياً لا تنس التعليق و الدعاء

~~~~~~~

الموقع القديم لمشاهدة الفصول القديمة:

novelxs.com/novel/lord-of-the-truth
~~~~~~

سيرفر ديسكورد لرؤية صور الشخصيات و متابعة مواعيد نزول الفصل:

https://discord.gg/AxDFN6uVTE
======
فصول الشهر 88/20
لقد فعلها Leman مجدداً!!