1369 -توديع زارون

اذكر الله//

بعد ساعة — أحد المطاعم الفاخرة في كوكب زارون
كلنِك كلنِك
قطع روبين شريحة لحم أخرى بالسكين، ثم قرّبها إلى فمه ببطء، وبدأ يمضغ مغمض العينين:
“هممم، مذهل… فقط، مذهل.”
بعد دقيقة كاملة من المضغ، ابتلع روبين لقمته ثم فتح عينيه، يبحث عن خياره التالي.
“همم… أنت!”
فوقف وأخذ بضع خطوات، ثم بدأ يقطع ويأكل شريحة أخرى بتلذذ شديد.

“…..”
في بقية أركان المطعم، كان الجميع ينظرون نحوه بذهول، فاتحين أفواههم وأعينهم. حتى طاقم العمل خرجوا من المطعم يراقبونه من بعيد.

فروبين لم يطلب عينات من الأطباق… بل طلب كلّ أطباق المطعم!
بل أخبرهم: إن كانت هذه وجبة بط، فليُحضَر بطة كاملة، وإن كانت تلك وجبة فخذ وحش، فليُحضَر الفخذ كاملاً.

مما تسبب في نهاية المطاف إلى مائدة طويلة عريضة، غريبة المنظر.
روبين حجز نصف المطعم الضخم تقريباً لوحده، ووضعت أكثر من نصف الطاولات مقاربةً لتحمل كل شيء.

أما بقية الضيوف، فاكتفوا بالمشاهدة من بعيد، وهم يتأملون هذا الشره الذي لم يروا طعاماً من قبل.

لكن، لسببٍ ما، عندما يعودون اليوم، سيبدأ بعضهم بالسؤال عن أصل الحياة، وبعضهم سيحقق اختراقات في عمله وتدريبه…

“مذهل.”
أخذ روبين ملعقة من شوربة عظام عظاءة الجليد، ثم بدأ يفحصها بعين دقيقة:
“أنماط، كل شيء عبارة عن أنماط…
ما آكله أنماط، اللعاب في فمي ومستشعرات الحس أنماط، أنا نفسي تشكيلة من الأنماط!

الحقيقة ما هي إلا طريقة لرؤية تلك الأنماط،
الأنماط التي تشكلت داخل غلاف الزمكان الشاسع،
حتى الفضاء نفسه عبارة عن أنماط…

ما هو كل شيء حقاً؟
ما هي تلك الأنماط؟
أوه، هذه رائحتها جيدة.”

ثم أخذ قضمة من حبّة فاكهة حمراء بحجم قبضة اليد،
“أممم، هذا لطيف!”

“………”
أرسل الضيوف نظرات طويلة لأنفسهم، فقد كان يتمتم بهذه الكلمات الغريبة منذ بدأ طعامه.

(هل طعامك مذهل لهذه الدرجة؟)
صوت نِيري ردّ في عقله.

“المذهل حقاً هو أن كل هذا الطعام خرج من تربة واحدة، وسُقي بماءٍ واحد،
ومع ذلك، لكلٍّ طعمه، ولكلٍّ فائدته.”
تكلّم روبين بصوت مسموع، ثم أشار نحو ذكر البط العملاق وفخذ خروف الرياح:
“المذهل حقاً أن هذه وتلك يأكلان نفس العشب، يشربان نفس المياه ويعيشان في نفس الموقع،
ومع ذلك، لا يمكنك أن تجدي بينهما أي اتفاق سوى هذا، كل شيء آخر مختلف.
لكن… ما الذي يجعل كلّ شيء مختلفاً حقاً؟”

ثم أخذ قضمة من طبق آخر، وتعابيره المرِحة امتزجت بجديّة:
“لطالما أحببت زيارات المطاعم بعد أي خلوة كبيرة، أو قبل أي حركة كبيرة سأقوم بها.
أحب أن أطلب أشهى وأكثر المأكولات تنوعاً،
دائماً لأذكّر نفسي بشيء…
بعد كل إنجازاتي، أنا صغير.
وقبل كل طموحاتي، أنا عاجز… عاجز عن فهم ما الذي آكله.”

(يا للهول، ليس عليك أن تقلب كلّ شيء بنكد!)
إيفرجرين لوّحت بشدة،
(مشقة جني الأرباح انتهت، أنت حرّ لتغامر الآن!)

“لا أعلم بشأن هذا.”
تحرّك روبين ليأخذ قطعة طعام أخرى من آخر الطاولة، لكن تحركاته كانت بطيئة جداً.
“حقائق الكون لن تُكتشف عن طريق القفز والقتال والتدمير، بل عن طريق السكينة…
لا أعرف إن كنت سأجد السكينة فيما تبقّى من طريقي،
ولا أعرف إن كانت السكينة ستوصلني لطريقة أرقى بها نيهاري قبل ٧٠٠ عام…
لا أعلم بشأن هذا.”

(مالكِي، أرى أن تذهب أولاً إلى القطاع ٩٩ وتلتقي بهولاك،
تجبره أن يهدّئ اللعب، بعدها ستعرف ما عليك فعله.
البقاء هنا لن يساعدك،)
تكلّمت نِيري بهدوء،
(كما أن وجود هولاك والحراس الإمبراطوريين هناك سيوفّر لك الحماية التي كانت تنقصك هنا.)

“هاها، لماذا أشعر أن هذه الرحلة لن يأتي من ورائها سوى الصداع؟”
روبين لطَم جبينه، ثم ترك الشوكة والسكين، واضعاً يديه خلف ظهره:
“لكن معك حق… البقاء هنا لن يفيد.”
بعدها نظر حوله مبتسماً:
“وليمة اليوم على حسابي أيها السادة! لا تترددوا، هاها!”
ثم خرج بخطوات ثابتة من المطعم.

“……..”

“البطة لي!”

“اغرب!”

——

“همم~ همم همم~”
روبين ابتسم وهو يقترب أكثر فأكثر من بوابات الفضاء لكوكب زارون، البوابات التي لم يرها منذ ١٧٠ عاماً.

لقد قضى في هذا الكوكب عُمراً كاملاً.
لو تزوّج فور وصوله، وجعل أولاده يتناسلون كلّما بلغ الجيل الجديد ١٨ عاماً،
لأصبح جدّاً للجيل السادس أو السابع بحلول الآن، بل صانع عائلة كاملة!

“همم.. هل ستكون عائلة لديها ألفة لقانون الحقيقة؟”
فكّر روبين لحظة، ثم قهقه وهزّ رأسه، وتابع مسيرته.

حسب ما وجد، لا يوجد شيء اسمه “ألفة” لقانون سيادي.
مختارو الحقيقة؟ الحقيقة تختارهم بناءً على قراراتهم منذ مولدهم، وإمكانياتهم بعد تلقّي عين الحقيقة.
الأمر لا علاقة له بألفة طبيعية.

أُلفته نحو قانون السببية الرئيسي؟ لقد بحث في الأمر،
إنها ليست ألفة بالمعنى الحرفي، بل خيط القدر الذي ترك وراءه شيئاً أشبه بالحساسية المفرطة لأي حدث قد يغيّر قدره مجدداً،
يمكن القول إنها “مرض” حتى.

ماذا عن مستخدمي الزمكان والتوازن وما إلى ذلك؟ لقد لاحقوا القانون واستوعبوه، هذا كل شيء.
لكن… هل يمكنك إيجاد القانون؟
هل يمكنك استيعابه بعد أن تجده؟
حسناً… لم يستطع الكثير فعل ذلك.

لكن هذا طبيعي،
تلك القوانين الثمانية التي خلقت الكون المادي…
أي مخلوق هذا الذي قد يولد بألفة طبيعية نحوها؟
ألا يعني ذلك أنه عِرق يفوق كل شيء داخل الكون؟
هذا سيكون مثيراً للرعشة.
مخلوق كهذا كان ليسمو فوق كل شيء معروف!
مخلوق يمكنه قطع خيوط السببية براحة، أو صنع أبعاد جديدة بتلويحة من يده، بلا حدود؟

…روبين هزّ رأسه.
ظهور شخصٍ واحد كهذا يمكنه أن يقلب موازين الكون.

عند وصوله للسلالم المؤدية إلى البوابات،
وجد روبين صفاً طويلاً ووقف في نهايته، حتى وصل إلى شخص يجلس بملل أمامه كومة من الأوراق.
تكلّم روبين مبتسماً:
“أريد قطع تذكرة لقطاع آخر… أجل، القطاع ٩٩. هذه إحداثيات الكوكب…
ألف دُرّة؟ حسناً، تفضّل… شكراً!”

فور أخذه خطوة أخرى بعيداً عن قاطع التذاكر، نسي روبين كل كلمة قيلت له أو قالها.
عاد عقله لينشغل.

لقد عقد عزمه منذ زمن أن طريقه نحو الحقيقة سيكون عبر القوانين السيادية،
وهذا تأكّد أكثر عندما اكتشف الدرجة الأولى من قانون الخلق.
شعر أن هذا الطريق يناديه أكثر…

لكن، على أيّهم يركّز؟
السببية؟ أم الدرجة الثانية والثالثة من قانون الخلق؟ أم الدرجة الرابعة من الزمكان؟

من وجهة نظره،
أكثر قانون سيادي آسر ومثير للاهتمام حالياً هو: الهوية.

بززت
البوابة أمام روبين فُتحت وقفز فيها شخص، قبل أن تُغلق مجدداً.
لم يبقَ أمامه سوى شخصين قبل أن يتم نقله.

…الهوية، الهوية…
ربما تكون المفتاح لسبب الاختلاف بين الأنماط.
إن فهم هذا، بالإضافة لقدرة رؤية الأنماط،
سيكون كالنمر الذي نما له جناحان!

بززت
شخص آخر غادر، لم يبقَ سوى واحد.

لكن…
هل ستكون فكرة بدأ قانون سيادي آخر صائبة وهو بالفعل يمتلك الزمكان والخلق؟
ماذا لو–

في هذه اللحظة، سمع روبين شيئاً قطع حبل أفكاره:
“أيها الشاب، عقلك مشتّت للغاية، هذه علامة خطر.”

“همم؟”
عقد روبين حاجبيه قليلاً، وحدّق في الشخص أمامه.
شخص أقصر منه قليلاً، يضع بطّانية مهترئة يغطي بها رأسه.
“هل تكلّمني يا عم؟”

بززت
البوابة فُعلت مرة أخرى.

“أجل، أنت.
لماذا تشتّت نفسك؟
لِمَ لا تسأل معلّمك ليقودك؟”
ردّد الشخص بصوت ضعيف.

ابتسم روبين على حُسن النية:
“للأسف، ليس لدي معلّم.
لكن شكراً على النصيحة، سأحاول التركيز.”

“ليس لديك معلّم؟ هذا مُذري…”
ببطء شديد لفّ ذلك الشخص نفسه، مظهراً ابتسامة قبيحة، تحت عينين فارغتين.
“أنا سأعلّمك.”

“أوه تباً!”
التف روبين بسرعة، ووضع كل قوته في يده، جاهزاً لقطع فضاء كوكب زارون نصفين إن لزم الأمر.
ذلك الشخص… لقد كان العجوز الذي قابله في السوق!

“هيهي.”
بحركة خفيفة، دار العجوز بيده وأمسك روبين من خلف رقبته،
ثم قفزا معاً في البوابة المفعّلة.

بعدها، أُغلقت البوابة في هدوء، أمام اضطراب وصدمة من الجميع.

انتهاء مجلد: ذئب وحيد
غداً إن شاء الله يبدأ مجلد: المُعلّم.

================
لدعم هذا العمل مادياً:

باي بال: paypal.me/eslam997

تحويل فيزا مباشر بنك الراجحي داخل السعودية:
معاذ خلف عواض الثبيتي
SA55 8000 0327 60801624 0281

اي محفظة كاش مصر: 01020451397

بايير: P1017229514

بينانس أي دي : 39853995

سعر الفصل 5$
سعر الفصل بعد يوم 20 من كل شهر 10$
~~~~

لدعم هذا العمل معنوياً لا تنس التعليق و الدعاء

~~~~~~~

الموقع القديم لمشاهدة الفصول القديمة:

novelxs.com/novel/lord-of-the-truth
~~~~~~

سيرفر ديسكورد لرؤية صور الشخصيات و متابعة مواعيد نزول الفصل:

https://discord.gg/AxDFN6uVTE
======
فصول الشهر 83/77