1325 -علمني

اذكر الله//

بعد 167 عامًا من دخول روبين إلى الحزام المتوسط — القطاع 101 المتوسط

دريب دروب
من أطراف أصابعه، انسالت الدماء، قطرةً تلو أخرى، سيلًا بعد سيل… الأرض تشربت بالدماء ثم لفظتها.

“هووو~ هووو~”
بعينين نصف مغمضتين، محمرتين من الدم النازف من رأسه، ومن الشرايين المنفجرة في عينيه، تنفس الشاب بصعوبة، وكأنه يحاول جذب هواء الكوكب كله إلى رئتيه، دون جدوى.

ثم بصعوبة، نظر إلى جانبه، حيث كانت ترقد جثة بالكاد تُعرف، مدمرة بالكامل، الرأس مفتوح وما به ممزوج بالتراب، الجسد محطم كقطعة عجين، والوجه بلا جلد، “هيهي…”

ثم نظر أمامه مجددًا… في تلك الحالة الدموية المثيرة للشفقة، في تلك البقعة التي أصبحت بركة دماء صغيرة، وقد بدأت الطاقة السلبية تتجمع فيها بالفعل وكأنها ساحة حرب عتيقة، في مشهد مأساوي يدفع أي عاقل للهروب دون تردد…

ومع ذلك، لم تمنع عيناه الشاب من الاشتعال غضبًا، ولم تمنع شفته المشقوقة من رسم ابتسامة تقشعر لها الأبدان، “هيهي.. هيهي..”

في اللحظة التالية، هدأت تعابيره فجأة، وسقط شعره الذي كان يطفو بلهبٍ أخضر خافت، ليكشف عن لونه الأبيض، راقدًا بالكامل، مغمورًا بالدماء كجدالٍ من القطن الميت.
لم يكن أحد سوى ريتشارد. “علامَ تضحك بالضبط؟ لقد ضيعنا مخزون طاقة الحياة بالكامل، حتى وحدات الروح التي تجاوزت الخمسين ألفًا قد ذهبت أدراج الرياح…”

“أجل، لكنها كانت معركة رهيبة! هاهاها!” اشتعل اللهب الأخضر مجددًا على رأسه، وتحولت تعابيره إلى تلك القريبة من الشياطين، “القوة، القوة يا شريك، لا تبارك السماء بالضعف!”

“فتجعلنا نقتل عائلة كاملة؟ عشرات الآلاف، بمن فيهم النساء والأطفال؟!” عادت تعابير ريتشارد إلى الهدوء والتعب، “…سحقًا، مرت أكثر من مئتي عام منذ خرجت، فظننت أنك ذهبت بلا رجعة. لماذا عدت مجددًا عند أول إشارة خطر؟ هل تنوي الالتصاق بي إلى الأبد؟!”

“لماذا تتحدث وكأني شيطان تملّك جسدك؟ أنا هو ريتشارد الحقيقي. ألا يمكنني قول المثل عنك؟” ضحك بصوت عالٍ، “ثانيًا، أتَلُومني على حمايتنا؟ ألم يبدأ كل شئ بسبب تعاطفك مع تلك الفتاة التافهة؟ كان عليك ان تقتلها فحسب!! طالما تترك جانبك الرقيق يتدفق، فلا تلمني عندما يظهر جانبك الاخر، انا! على الاقل انا ازيدنا قوة، فقط بصنع طريق من الدم يمكننا اكتساب الخبرة، التساهل مع الأعداء لن يوصلنا إلى أي مكان!”

“حمايتنا؟ أنت قد—”

في تلك اللحظة، جاء صوت أنثوي من بعيد، “مع من تتحدث؟”

“…؟!” وقف ريتشارد بسرعة، شوالااا اشتعل رأسه باللهب مجددًا، وتحولت عيناه المتعبتان إلى نظرة حادة غاضبة، “من هناك؟ اخرجي على الفور!”

“آسفة، آسفة، هل أخفتك؟”

من بين عاصفة الغبار التي لم تهدأ بعد، ظهر ظل ضخم وبدأ يقترب.

“…!!” عقد ريتشارد حاجبيه بقوة، إذ لم يتبقَّ له تقريبًا سوى قوته الجسدية للدفاع عن نفسه.

لكن من حسن الحظ، بدأ الظل الضخم بالتضاؤل مع كل خطوة، حتى ظهرت صاحبته في النهاية، “مرحبًا!”

أمام القادمة الجديدة، زادت حيرة ريتشارد، وتعابيره تحولت من الحذر إلى الدهشة.

كانت فتاة بشرية، أقصر منه بثلاثين سنتيمترًا على الأقل، جسدها هزيل، لكنها لا تبدو كمن يتضور جوعًا، بل تملك من الوزن ما يكفي ليمنح وجنتيها شيئًا من الحمرة.
كانت ترتدي فستانًا واسعًا وقصيرًا قليلًا، يظهر ذراعيها من أعلى الكتف، وشعرها الأسود الطويل مربوط كذيل فرس. لم يكن على جسدها شيء يلفت الانتباه سوى قلادة مضيئة تتلألأ على رقبتها النحيفة.

وجهها بسيط، ذو عينين كبيرتين وشفاه صغيرة. لم يكن فيه تعبير مثير، بل العكس، حمرة الوجنتين وقِصر القامة جعلاها تبدو لطيفة، أقرب إلى طفلة منها إلى شابة، رغم أن عمرها الجسدي يشي بخلاف ذلك.

“من أنتِ؟ ما الذي تفعلينه هنا؟!”
أخذ ريتشارد خطوة للأمام، حاول تأجيج اللهب وتغليظ صوته لإخافتها، لكن صوته خرج طبيعيًا وكأنه يُكلم صاحبه، وحتى نظرته هدأت قليلًا.

“انا؟ انا سيرين.. لا تقلق مني، أنا لست معهم…” اقتربت بخطوتين ببراءة، “لقد رأيت كل شيء، كنت أحد من كانوا في الشارع عندما عالجت تلك الفتاة. هيهي.”

“توقفي، لا تتقدمي أكثر!” لوّح ريتشارد بقوة، لكنه في الحقيقة أخذ خطوة إلى الوراء، “يستحيل أن تكوني رأيتِ كل شيء… يستحيل ألا أشعر بك طوال الوقت!!”

“لعلك كنتَ مشغولًا فقط، لن تهتم لفتاة مثلي.” توقفت الفتاة بناءً على رغبته، ثم مدت كلتا يديها، “دعني أساعدك، حسنًا؟”

“مستحيل! حتى لو كان طائرًا أو دودة، كل شيء كان في مجال حسي الروحي، من أنتِ بالضبط؟!”

ترددت الشعلة الخضراء فوق رأسه بقوة، غريزته كمقاتل تصرخ لتهاجم، لكن هناك شيءٌ ما يمنعه…

عينا الفتاة كانتا كالرصاص، تشعره بأنه يستحيل إيذاؤها.

“هذه هي الحقيقة، كنت أراقب… رأيتك في السوق عندما رق قلبك للفتاة المقطوعة القدمين التي كانت تتسول، وقمت بعلاجها باللهب الأخضر العجيب.

رأيت عندما حاول روح الكوكب إيقافك وسألك عن اللهب الأخضر، لكنك هربت.

تبعتك حين حاول مالك الكوكب مهاجمتك، لكنك دفعته بعيدًا وهربت بتلك البوابة الصغيرة.”

ظهرت ابتسامة نقية على وجهها، ثم اقتربت خطوة أخرى، “رأيتك تحاول بكل قدرتك ألا تشارك في معركة بلا معنى، تعاني فقط لأنك حاولت علاج تلك الفتاة الصغيرة.”

“ابقِي بعيدة…”

أخذ ريتشارد خطوة للخلف، واللهب الأخضر على شعره بدأ يتطاير كأنما هو وسط عاصفة.

“كنت هناك عندما أغلق مالك الكوكب كل البوابات، وحرك جيشه لمحاصرتك… ثم رأيتك تنفجر غضبًا عندما أسر الفتاة المتسولة وقتلها ليستفزك. رأيت تعابيرك تتغير… ثم رأيت مذبحة. رأيتك تمزق رأس مالك الكوكب، رأس كارثة عالم، بيديك العاريتين.”

“لقد استحقوا، ذلك الكلب نال ما يستحق، وكلهم نالوا جزاءهم!” لوّح ريتشارد بعنف وأخذ خطوة أخرى إلى الوراء.

“بأي ذنب استحق الاطفال ما حدث لهم؟ فقط لتجعل عدوك يموت بحصرته ابقيته حي بما يكفي حتى قمت بإبادة كل سكان قصره امام عينه قبل ان تجهز عليه، بأي ذنب قُتلوا؟” عينا الفتاة الكبرتين مُلئتا بعدم الفهم، “ما الذي يدور في رأسك بالضبط؟ هل لديك قلب طيب لتعالج متسولة و تغضب لموتها؟ ام انك شرير يهوي القتل و الدم؟ انت اكثر شخص متناقض رأيته..”

“…أنتِ طفلة! لا تعرفين كيف يسير هذا العالم القذر! هل حياتي أقل شأنًا من تلك العائلة مجتمعة؟! …أنتِ لا تعرفين ما يعني أن تمشي على خيط بين الحياة والموت ليل نهار!”

أخذ ريتشارد بضع خطواتٍ إلى الخلف، ثم ارتطم بشجرة وجلس، انطفأت الشعلة فوق رأسه، وعادت النظرة المتعبة إلى وجهه،
“…لا تعرفين ما الذي فعلته هذه اليد قبل ما رأيتِه اليوم.”

خطوة
تقدمت الفتاة، ثم جلست أمامه على ركبتيها ولمست يده المرتعشة بابتسامة رقيقة،
“إذًا… علّمني.”

================
لدعم هذا العمل مادياً:

باي بال: paypal.me/eslam997

دفع فيزا مباشر موقع كوفي :

اي محفظة كاش مصر: 01020451397

بايير: P1017229514

بينانس أي دي : 39853995

سعر الفصل 5$
سعر الفصل بعد يوم 20 من كل شهر 10$
~~~~

لدعم هذا العمل معنوياً لا تنس التعليق و الدعاء

~~~~~~~

الموقع القديم لمشاهدة الفصول القديمة:

novelxs.com/novel/lord-of-the-truth
~~~~~~

سيرفر ديسكورد لرؤية صور الشخصيات و متابعة مواعيد نزول الفصل:

https://discord.gg/AxDFN6uVTE
======
فصول الشهر 60/33