قبل خمسون عام– منطقة الوحوش الخارجية داخل مملكة الشمس السوداء.
هذه المنطقة تشتهر بأنها غير مكتشفة بواسطة البشر و إنها موطن لعدد لا يحصى من الوحوش التي تتراوح مستواياتها من 1 إلي 10، تلك الوحوش تستغل المساحة الكبيرة في منطقة الوحوش الخارجية للإختباء تارة و اصطياد بعضها البعض و اصطياد بعض البشر تارة أخرى.
أعداد من يدخلوا هذه المنطقة من البشر الباحثين عن صيد سهل أو طريق سريع لمملكة أخرى ليس بالقليل، لكن أعداد من يخرجوا منها على قيد الحياة لا تصل حتى للربع، فقط الصيادين المتمرسين أو المتدربين عالي المستوى يمكنهم التجوال هنا بحرية فهى في النهاية منطقة ممنوعة على البشر أقل من نطاق فارس الإقتراب منها حتى.
و مع ذلك… هنالك شخصان يمرحان في تلك المنطقة منذ وقت طويل جداً و كأنها حديقتهم الخلفية.
“هاا.. هاا.. هااا تباً!!” سحب الفتى جثة وحش أكبر من جسده بعدة مرات و ألقاها أمام مدخل كهف، ذلك الكهف كان في منتصف جبل، أي أنها كان مرتفع عن بقية الغابة بقدر ليس بالقليل، و مع ذلك المراهق تمكن من سحب تلك الجثة الضخمة بنجاح للأعلى.
نظر الفتى للأعلى و أخذ يلهث بصعوبة لبعض لحظات حتى استراح قليلاً، ثم وجه نظره نحو عجوز أبيض الشعر كان يجلس على طرف الجرف المواجه للكهف، “أبي، لقد اصطدت خنزير بري ثلاثي القرون من أجل غداء اليوم كما طلبت.”
بمجرد نظرة على ظهر ذلك العجوز النحيف المثني قد يعتقد أي شخص أن أي نسمة رياح كافية لتسقطه من فوق الجرف، لكن من يشعر بالهالة التي تكاد ملموسة حوله فسيكون أول فكرة له أن يركع أمامه فوراً…
“جيد جيد احسنت..” رد العجوز بغير إهتمام.
“فووو~” نفخ الفتى ليعيد النشاط لجسده، ثم دخل بسرعة لجلب سكِين صغيرة حادة و بدأ يسلخ الخنزير البري ثلاثي القرون، ” أبي، كيف تريده؟ مشوي أم مسلوق؟”
“جيد جيد احسنت..” رد العجوز مجدداً..
انزل الفتى السكين و هز رأسه مبتسماً عندما فهم شيئاً ثم صاح، ” أبي لا اصدق أنك دخلت في حالة الشرود الذهن تلك في وقت كهذا، نحن نقترب من الغروب و الوحوش على وشك بدأ الصيد، لو لمح أحدهم عظامك العجوزة جالسة بهذه الشكل فسينقض عليك، على الاقل كان عليك دخول الكهف اولاً!”
“جيد جيد احسنت..”
“اخخ علي البدأ في المطالبة بأجر…” تنهد الفتى ثم ترك السكين جانباً وذهب لجوار العجوز ثم ربت على كتفه، ” هيا يا ابي، دعني اساعدك على الدخول لتكمل ما تفعله في الداخل، انت تتأمل هنا منذ أكثر من مئة عام، بضع دقائق إضافية لن تحدث فارق.”
“..جيد جيد.. احسنت..”
“همم؟” عقد الفتى حاجبيه، منذ فتح عينه على الدنيا و هو يرى والده شارد الذهن معظم الوقت، لكنه دائماً ما ينظر نحوه و ينهره عندما يقاطع تركيزه، هذه كانت المرة الاولى التي يتم تجاهله فيها لهذه الدرجة
تبع الفتى نظر والده حتى وجد ذبابة… مجرد ذبابة عادية كالموجودة في كل المنازل، ربما الشيء الوحيد الذي يمكن ملاحظته في هذه الذبابة إنها تمشي ببطئ على الأرض و لا يمكنها الطيران، و بملاحظة حركتها الضعيفة كان واضح إنها قريبة من الموت…
“…ذبابة؟” ملامح الفتى تحولت من فضول إلى ذهول ثم إلى شفقة مخلوطة ببعض الخوف، “هيه~ لما لا تسمع كلامي و ترفع مستواك فحسب، هل وصل بك الحال لمراقبة الحشرات الآن؟ يبدو أن الزمن بدأ يترك تأثيره على عقلك بعد ما فعله بجسدك يا أبي.”
“الزمن… صحيح، لقد عشت لأكثر من 140 عام الآن، طبيعي أن أكون عجوز…” اخيراً نطق العجوز بشئ مختلف هذه المرة و رفع إصبعه ليشير نحو الذبابة، ” تلك الحشرة أيضاً عجوز و على وشك الموت من الشيخوخة، مع أنها وُلدت قبل 7 أيام فقط… ما المختلف بيننا؟ لماذا أنا يمكنني العيش كل هذه السنين بينما لا يصمد الذباب إلا بضع أيام؟”
“حسناً، أعتقد أنه–” فرح الفتى لأن والده بدى و كأنه إستفاق و إعتدل في جلسته قليلاً ليجيب عن سؤاله، لكنه سرعان ما لمح عين والده الغير مُركزة، هو يعرف هذه العين جيداً.. اباه ما يزال شارد الذهن، هذا السؤال لم يكن موجه له!
“…أي شخص عاقل سيقول أن الحشرة تركيبها الجسدي بسيط بينما نحن البشر لدينا أجهزة داخلية أقوى و أكثر تعقيداً… هنالك ايضاً معدن الكربون الضعيف الذي يمكنه ان يتحول إلى ألماس، لماذا؟ أي شخص لديه معرفة قليلة ايضاً سيقول أن السبب هو وضعه تحت ضغط و حرارة، إلخ… لكن ماذا لو..”
هنا توقف روبين لبضع ثوانٍ و هو ينظر للحشرة بعيناه الغير مُركزتان، ” …ماذا لو اخرجنا عامل الزمن من الحكاية؟ لو استخدمنا نفس المثال عن مقارنة الحشرة و الإنسان، لكن وضع شرط ان الزمن يتوقف على الاثنين، أكانت الحشرة ستموت قبل الانسان؟ بالطبع لا، لكن لماذا؟ فهى ما تزال نفس الجسد الضعيف… و بالتطبيق على مثال الكربون، لو وضعناه تحت نفس الضغط و الحرارة لكن توقف عليه الوقت، هل سيتحول إلى ألماس؟ بالطبع أيضاً لا، هذا مثل دفن الكربون للحظة و اخراجه مجدداً بسرعة، لن يحدث شيء، بل يجب أن يدفن لملايين السنين…”
رفع الفتى حاجبيه و أخذ يحول نظراته ما بين والده العجوز و الحشرة التي كانت قد إنقلبت على ظهرها و بدأت تلفظ أنفاسها الاخيرة، *هل فهم أبي كل هذا من الحشرة؟!* مع أنه لم يستوعب شيء من كلام والده إلا انه يبدو عميق جداً.
“…لو إستخدمنا هذا المقياس على كل شيء حيث أننا نلغي تأثير الزمن عليه فسنجد أن الأنهار لن تتحرك و الجبال لن تتشكل و و الشمس لن تشرق، بل الكون كله ما كان ليكون… إن كان حتى مصير الكون خاضع لتأثير الزمن، إذاً الزمن ليس مجرد مفهوم إخترعه البشر لقياس عدد ساعات عملهم النهاري، الزمن عبارة عن قانون سماوي، بل مسار كامل!”
*بزززتتـ*
“هولي شت!!” شعر الفتى أن قلبه سيقفز من صدره عندما لمح وهج أخضر في عينا اباه، لكنه سرعان ما هز رأسه و إستعاد توازنه عندما اختفى الوهج سريعاً
“…كلا، هنالك شيء ناقص القوانين السماوية كلها لها تأثير واضح أو غير واضح على الحياة في الكون، لكن حسب فهمي لها فهى ليست في نفس المستوى، مثلاً لو قسمنا القوانين السماوية لمستويات فهنالك قوانين ثانوية تؤثر على محيطنا، لكن إن غابت سيظل الكون يجري و الحياة تنتعش مثل القوانين الثانوية لبعض المعادن النادرة أو مثل القانون المسؤول عن حاسة اللمس و السمع، هنالك أيضاً القوانين الرئيسية لبعض المسارات التي لو غابت ستتغير معالم الكون و ربما تنتهي الحياة، لكن الكون سيظل باقٍ، مثل قوانين العناصر النار و المياه، الجاذبية و غيرها الكثير”.
” ثم نأتي لما اعُرفه بالقوانين الجوهرية و التي يمكن وصفها بأحجار البناء الأساسية للكون و لو غابت سيغيب كل شيء مثل قانون الفضاء. و هنالك القوانين السيادية التي يمكن القول إنها أركان كل شيء و لديها سُلطة على بقية القوانين، وأنا لدي شعور أن قانون الحقيقة الذي تبحث عنه هو أحد هؤلاء…لو رجعنا لموضوعنا، انا موقن أن قانون الزمن الرئيسي عبارة عن قانون جوهري، لا أظنه قوي بما يكفي ليكون قانون سيادي…”
“…هممم لا يمكنني دعوة هذا بمفتاح للقانون بعد، أشعر أن هنالك حلقة مفقودة.” تكلم العجوز بذهن شارد و هو يراقب الذبابة الميتة أمامه و قد حملتها الرياح بعيداً، أخيراً اغلق عينيه ببطئ، ” الزمن… أنه يؤثر على كل شيء في الوجود، لكن لا يمكنني التفكير في شيء واحد يمكنه التأثير على الزمن… القوانين السماوية كلها مترابطة، يستحيل أن يكون الزمن منفصل عنهم بالكامل، يجب أن أجد تلك الحلقة المفقودة التي تربط الزمن ببقية القوانين ما إن اردت المُضي قدماً… شيء يؤثر على مسار الزمن.. شيء يؤثر على مسار الزمن… ااه!!”
في تلك اللحظة شعر العجوز بأنفاس شخص على رقبته أخيراً فصرخ كفتاة صغيرة، ثم مد يده و لطم الفتى بجانبه على قفاه،” اهذا أنت أيها الوغد العاق! ماذا تفعل؟ أتريد التسبب لي في أزمة قلبية؟ أهذا جزائي على تربيتك أيها الوغد اللقيط؟!”
فتح الفتى عيناه بعض الشيء و تكلم ممتعضاً و هو يقوم، “تسك~ ضاعت الهيبة، هيا قُم لقد أحضرت الطعام.”
“همم؟ اوه، خنزير بري ثلاثي القرون؟ ألهذا كنت تريد قتلي خوفاً؟ حتى تأكله لوحدك؟ بعينك!!” صرخ العجوز مازحاً و ألقى عصاه الصغيرة نحو الفتى، ثم إبتسم و قام و بدأ يبحث عن معدات الطهي ليساعده…
الفتى قهقه بعدما تمكن من تفادي العصا بسهولة، ثم عاد ليُمسك سكينه الحادة مجدداً ليكمل سلخ الخنزير البري ثلاثي القرون.
لكن هذه المرة الفتى كان ابطئ بكثير، و عيناه شاردتان تماماً، يفكر فيما كان يقوله والده العجوز…
==============
الوقت الحاضر– كوكب جرين لاند
“الفضاء… الشئ الوحيد الذي يؤثر على الزمن هو الفضاء!!”
*أووووووووووممممن.*
الموضوع التاليالموضوع السابق
شكرا على الفصل
هاي لما تشوف ذكرياتك قبل الDeath
مبدع
شكرا