“…طوال الوقت كنت تعرف ان والدك هو من زارك ذلك اليوم؟” تحت ضغط ريتشارد الهائل تنهد ثيو و اكتفى بتلك الكلمات
والده بالتبني شرح له كل ما حدث ذلك اليوم و اخبره ان لا يذكر لريتشارد انه والده عندما يلقاه، لذا جاء ثيو بعدة اكاذيب في حال سأل ريتشارد عن هوية الشخص الذي جاء لزيارته قبل بضع سنوات، لكن يبدو انه لن يكون هنالك حاجة لهم..
كتف ريتشارد يديه و نظر للجانب، مع ان اللهب الاخضر ما يزال مشتعل عليه إلا انه بدى اهدئ بقليل، ” بالطبع اعرفه، منذ وُلدت و انا اسمع موصفاته منكم و رأيت العديد من اللوحات و التماثيل المصنوعة على شرفه، أجميعكم تعتقدوني غبي لدرجة اني لن اعرفه؟ حتى إن لم ارى او اسمع شئ عنه في الماضي، كنت لأعرف ذلك الوجه المستفز من اول نظرة!”
“لماذا لم تواجهه و تخبره كيف تشعر إتجاهه؟ ألم يكن هذا ليكون افضل من البقاء غاضباً منه هكذا؟”
أدار ريتشارد وجهه ليواجه ثيو مجدداً و اطلق ضحكة ساخرة، “اوه، انا من علي ان اعاتبه الان؟ إن كان هو نفسه جبان و لم يرد تحمل المسؤولية، كان يعرف من انا منذ رأني لكنه لم يرد ان ينظر في وجهي و يقول لي انا اسف يا بني على ما تعرضت له بسببي، بل ظل يتظاهر انه شخص غريب حتى غادر و اختفى مجدداً كما عهدته! ماذا كان علي ان افعل حينها؟ اقفز في حضنه و اطلب منه ان يعترف بي؟ تباً له، من يحتاجه!؟”
ثيو نظر للأرض و لم يرد، فهو لم يعرف ماذا يقول… والده بالتبني حكى له عن لقاءه مع ريتشارد و فعلاً اخبره ان لم يجرؤ على ان يعلن هويته امام ابنه لأنه كان يشعر بالخذي في تلك اللحظة، في ذلك اليوم رأى ثيو في عين والده بالتبني حزن و إنكسار شديدين لم يراهما ابداً من قبل
لربما ظن والده بالتبني وقتها ان الصمت سيعطيه بعض الوقت للتفكير في طريقة لتعويض ريتشارد قبل ان يخبره عن هويته، لكنه لم يكن يعرف ان الشخص الذي يجلس امامه يعرف من هو بالفعل، كان ينتظر ان يعترف به والده ليعاتبه و ربما يصرخ في وجهه قليلاً… لكنه تركه و غادر كشخص غريب، مما عمق شعور ريتشارد بالخذلان و الوحدة اكثر.
“مهلاً، هالتك؟!” ثيو الذي كان غارق في افكاره يحاول الإتيان بأي فكرة قد تحل ما في قلب ريتشارد إتجاهه والده، فجأة شعر و كأن ثعبان قرصه و سأل بسرعة
“ما بها هالتي؟”سأل ريتشارد بإبتسامة كبيرة، كان وضح انه فخور جداً
“انت.. انت حكيم؟ لا، ليس مجرد حكيم… انت في المستوى 33؟” صدمة ثيو جعلته ينسى وقاره كالأخر الكبير و اخذ يتقدم حتى اصبح يجلس على طرف كرسيه، ” لكن هذا غير منطقي، والدي بالتبني أمرني ان اجلب لك لوح تقنية الدرجة الثالثة من تقنية تدريب نار الحياة هذا يعني انه لم يمررها لك من قبل، كيف وصلت لهذا المستوى؟!”
ثيو كاد يُجن، هو نفسه تمكن من الاختراق لنطاق الحكمة بعدما عاد والده لتوحيد كوكب يورا و اعطاه الدرجة الثالثة من قانون الظلام الرئيسي، مر منذ ذلك الوقت حوالي 9 سنوات و ثيو نفسه ما يزال في المستوى 36 فحسب، فكيف لا يُصدم من مستوى ريتشارد؟
اطفئ ريتشارد اللهب على جسده و جلس مكانه على الكرسي الذي يشبه العرش، هذه المرة لم يجلس عليه بخوف بل بدى و كأنه مصمم خصيصاً من اجله و تكلم بثقة كبيرة، ” ما المشكلة إن كنت في المستوى 33؟ كانت لدي اساسات تقنية القانون حتى المستوى 30 ثم اكملت بعدها بفهمي الخاص، هل تعتقد ان ذلك الشخص هو الوحيد القادر على ابتكار طرق للإختراق للمستويات الاعلى؟ ام انه هو من اخترع منظومة تدريب الطاقة الداخلية ولا احد يعرفها غيره؟ عندما وُلد كان هنالك العديد من الحكماء في كوكب يورا بالفعل، لا تعطه اكبر من حجمه.”
” انا لم اقل انه الوحيد القادرعلى صنع تقنيات تدريب! لكن.. لكن اولائك العباقرة و الاسلاف السابقين استغرقوا آلاف السنين حتى يستكشفوا تلك التقنيات، و كلها كانت تقنيات موجودة في الطبيعة يمكن ملاحظتها و التأمل فيها لذا ابتكار تقنيات لها كان مجرد مسئلة وقت، اما انت فكم عمرك؟ و التقنية التي صنعت لها 3 مستويات جديدة بنفسك… انها نار الحياة! انها تقنية قانون ليست متواجد في الطبيعة اساساً! كيف إستطعت صنع تقنية تدريب لها خلال بضع سنوات، خاصةً في ظروفك تلك؟!” ثيو شعر انه على وشك التعرض لإنهيار عصبي
ريتشارد لم يرد على شئ، هو فقط ارجع رأسه للوراء اكثر و اكتفى بالنظر نحو ثيو بإبتسامة فخورة…
ثيو اخيراً هدأ تحت تأثير تلك الإبتسامة الواثقة التي كانت ممزوجة بشئ من الغطرسة على القليل من الجنون، لقد شعر ثيو في هذه اللحظة انه يعرف هذه الإبتسامة جيداً، لقد رأاها على وجه احدهم من قبل، “..هيه~ فعلاً التفاحة لا تسقط بعيداً عن الشجرة… انت تشبه اباك اكثر مما تتخيل.”
إبتسامة ريتشارد تحولت لعبوث و نظر لجانبه بسرعة بـ، ” تشهِ!” و لم يضف كلمة
“يبدو انك لم تكن تمزح عندما كنت تقول انك تود اخراج نفسك بنفسك.” بعد وقت طويل اخيراً ثيو تكلم، ” لا اعلم إن كنت تعرف او لا، لكن هنالك غزو قوي قادم لهذا الكوكب خلال 18 عام قد يدمر كل اشكال الحياة هنا، علينا اخراجك من هنا قبلها و إلا سيبدأ اباطرة و حكماء قبيلة عزيل بإستغلالك بشتى الطرق لعلاج ضحايا الحرب و هذا قد يجعلك هدفاً للغزاة، يجب ان لا نصل لهذه المرحلة، يجب ان تخرج قبل ان يبدأ الغزو و اخشى انك وحدك لن تتمكن من فعلها…”
“اوه، إذاً شائعات الغزو التي تملئ الشوارع كانت صحيحة، لا بأس لقد فكرت في الامر بالفعل… تقول 18 عام؟ لا بأس، فقط راقبني.” عادت الإبتسامة الواثقة على وجه ريتشارد، بدى في هذه اللحظة و كأن متحمس جداً لشئٍ ما، ثم اخيراً عاد لينظر نحو ثيو، ” شكراً على الزيارة يا اخي الثاني، يمكنك الرجوع لإتمام تلك الخطة التي كنت تتكلم عنها، اذهب و اجلب لذلك الشخص المزيد من النفوذ و الموارد و غذي غروره كما يحلوه لكم، لكن اخبره ان ينسى امري فأنا لا احتاجه، و الافضل له ان لا يعمل حسابي مستقبلاً في خططه تلك اياً كانت فأنا لست احد بيادقه.”
صمت ثيو قليلاً و بعدها تكلم بصوت منخفض، “…تلك الخطة التي اردت تعريفك عليها تشمل صراع سيغير مصير عوالم، لكن غرضها هو–”
“لكن غرضها هو ماذا؟ ألم يكفه ما حصل لي و لأمي؟ ألم نساهم كفاية في الصراعات عالية المستوى الخاصة بـ بمعاليه؟! فقط اخبره ان يبعدني ان دماغه!!” انفجر ريتشارد مجدداً و وقف، كان واضح ان قدرة تحمله محدودة جداً عندما يأتي الموضوع لوالده
تحت انفجار ريتشارد اكمل ثيو ببطئ، “…سأكمل على اي حال، الغرض النهائي من خطته الكبرى هو اخراجك من هنا بدون مس شعرة من رأسك. هو لا يريد شئ اخر.”
“….”
الغضب على وجه ريتشارد هدأ قليلاً ثم نظر نحو السقف و عيناه ملبدتان بطبقة من الدموع، ظل على هذه الحال لبضع ثوانٍ ثم اخيراً رفع يده السليمة و أنزلها كالسيف على يده الاخرى التي تكن قد اكتمل نموها بعد، فقطعها قطع نظيف حتى الكتف
*شااااا*
“ما الذي تفعله؟!” وقف ثيو بسرعة عند رؤية ذلك المشهد
“سيكون من الغريب ان خرجت من هنا سليم، سأترك هذه الذراع هنا يمكنك دفنها او قم ببيعها حتى، ستجلب بضع درر يمكنها مساعدة ذلك الرجل في ابحاثه و طموحاته التي لا تنتهي…” تكلم ريتشارد بدون مشاعر ثم تقدم نحو الباب الضخم، “اما انا فبعد إذنك سأعود إلى مسكني الان، لدى اشياء لأتمها.”
ظل ثيو واقفاً ينظر نحو ظهر ريتشارد المغادر بهلع لا يعرف ماذا يفعل، لقد عانى الأمرين حتى يحصل على هذه المقابلة لكن كل شئ هُدم!
قبل ان يلمس ريتشارد الباب الضخم مباشرة عاد لينظر للخلف، ” هل يمكنك ان تأمر سفاح الألف وادي ان يأخذ الطريق الطويل اثناء إصطحابي لمحل إقامتي؟ مرت فترة منذ إستنشقت بعض الهواء الطلق…”
“… بالطبع.” وافق ثيو مباشرةً ثم اشار لعاهل الشموس التسعة ان يُنفذ فوراً
بعد مغادرة ريتشارد للقصر انهار ثيو على كرسيه مجدداً و اخذ يفرك المنطقة بين عينيه، عملية انقاذ ريتشارد كانت صعبة و متعبة كما هى، لكن الان إزدادت الصعوبة حتى وصلت للإستحالة.. كيف يمكن انقاذ شخص لا يريد ان يتم إنقاذه؟
—————-
الكثير من العمالقة لاحظوا مشي ريتشارد في الشوارع بإبتسامته الطيبة التي اشتهر بها، لكن لم يجرؤ احد على الاقتراب عندما رأوا سفاح الألف وادي يمشي بجانبه
و مع ذلك، مغادرة طبيب اللهب الاخضر لمحل اقامته و التحرك بحرية بهذه الشكل كان موقف غريب و غير اعتيادي جذب انظار الجميع، خاصةً ان الطبيب بدى كطفل صغير فكان يركض نحو اي شئ يعجبه و يتفقده كأنه لعبة جديدة
خلال رحلته من القصر المؤقت لعاهل الشموس التسعة حتى وصل لمحل اقامته قيل انه لمس و لعب بكل شئ وجده، حتى المباني العادية و محلات السلاح لم تسلم منه… حتى انه حاول الصعود فوق التماثيل العملاقة الـ 27 لأباطرة قبيلة عزيل الموجودة في الساحة الرئيسية، مع ان ذراع المفقودة كانت تمنعه من اكمال التسلق للنهاية، إلا انه ما يزال يمكنه التفاخر انه تمكن من لمس و تسلق كل التماثيل الـ 27 و لو لبعض خطوات، فليس اي احد يمكنه لمس تلك التماثيل!
البضع كان يضحك عليه سخريةً و البعض كان يقهقه و يهز رأسه لأنهم لم يعتقدوا ان طبيب اللهب الاخضر كانت لديه هذه الطبيعة الفضولية، لكن حتى تحت انظار الجميع
لم يشعر احد بتلك الاشياء التي لمسها ريتشارد و هى تهتز لوهلة قبل ان ترجع هامدة مجدداً…
الموضوع التاليالموضوع السابق