قارة السلف… القنبلة الموقوتة.
روبين يعلم علم اليقين ان معظمهم يكرهون حتى ذكر اسمه، ربما يحترمه بعضهم، ربما البعض الاخر بدأ ينسى و ينخرط في النظام الجديد، لكن أغلبيتهم ما يزالوا يكنون له البغضاء في اعماق قلوبهم، و رفضهم للتجنيد الان اكبر دليل…
لكن ماذا يعمل؟ لقد اعطائهم التصريح للتدرب حتى المستوى 30 بدون تدخل منه، و وزع عليهم افضل تقنيات التدريب و الموارد، كما انه اوصى بجعل حياتهم اسهل مما كانت عليه قبل حكمه و توفير الطرق و الاسواق و سبل الراحة لهم حتى يجعلهم ينسوا مع الوقت، لكن ماذا إن كانت هذه الطريقة لا تنجح؟ ألا يعني هذا انه يقوم الان يتجهيز جيش مُعادي داخل كوكبه الام؟ حتى إن لم يكن بينهم حكيم فهم ما يزالوا كثيرين جداً!
ماذا يفعل الان؟ هل يعيد سحب كل التقنيات و يمنع التدريب في قارة السلف و ربما يقتل كل الاقوياء مجدداً؟ هذه سيرجعه إلى الصفر مجدداً، بل تحت الصفر! لن يكون هنالك رجعة له لو نفذ هذه السياسة مرة اخرى، هذه المرة سيكون عليه التفكير مالياً في اطعام المليار و نصف نسمة بالكامل للعفاريت…
أي ان الان امامه طريقان.. يُبقى الوضع على ما هو عليه و يدعو ان تسير الامور بشكل جيد، او انه يرتكب مجزرة بشعة لن يعود بعدها إلى سابق عهده ابداً
الخيارين احلاهما مر، و كيفما فكر فيما يحصل هناك شعور سئ مألوف يضرب قلبه…
“معاليك، هل يمكنني طرح الفكرة… معاليك..؟”
“اه!” صوت انثوي قطع حبل افكار روبين، نظر روبين نحو المرأة الواقفة امامه للحظة، ثم اخرج بضع اشياء من خاتمه
الجميع رفعوا حواجبهم مندهشين عندما رأوا ما اخرج، قلم و حبر و لفيفة و الختم… في وسط الاجتماع قرر الامبراطور كتابة مرسوم امبراطوري!
هذه المرة امسك روبين بالقلم بنفسه و بدأ يغمزه في الحبر و يكتب… تفاصيل الرسالة ببساطة هو امر مباشر لقائد سيوف الظل بأن يخفف القيود على الانضمام و ان يُقصر فترة التدريب و يكبر حجم القوات بسرعة و يزيد نشرهم لتعويض سيوف الظل الذين ذهبوا مع ثيو إلى كوكب نيهاري، و يخبره بأن يركز معظم قواته في قارة السلف و يراقب كل التحركات هناك بشكل مكثف!
ثم قام روبين بلف اللفيفة ثم ختمها و مررها لبيلي، “بعد الاجتماع اذهب لكوكب يورا و سلم هذه بيدك للشخص المسؤول عن سيوف الظل في غياب ثيو، و اخبره ان يجهز لي تقارير بين كل حين و اخر.”
استلم بيلي المرسوم بكلتا يديه، “…أهنالك خطبُ ما؟” كان واضح على روبين انه يفكر في شئ خطير للحظة.
” لا لا، محض تكنهات…” لوح روبين بحاجبين معقودين، ثم هز رأسه و عاد لينظر نحو المرأة الواقفة مبتسماً، ” الجينرالة كاسيا، صحيح؟ حسناً انا معك الان يمكنك البدأ.”
“حاضر، معاليك. انا اقترح بإختصار شديد توطين جيشنا هنا، كنت سأقول ان نصنع قبيلة خاصة بنا لكن بما ان معاليك قلت انك لا تريد نظام القبائل، لما لا نصنع مملكة كاملة على هذه الارض؟ احجار الطاقة التي اقترح الاخ قيصر و الاخ غو على إستخدامهم في استبدال الجنود او اعطائهم اجازة بين كل حين و اخر، لما لا تستخدمهم في استقدام عائلات الجنود إلى هنا و نجعلهم يستقروا هنا إلى الابد؟ الارض صالحة و كثيرة و غير مملوكة، كما ان مستوى الطاقة الطبيعية في الجو يرتفع ببطئ حتى انه تخطى ذلك في كوكب يورا بالفعل، فلما لا نستقر هنا؟”
بدأت كاسيا تنظر في وجوه الحاضرين، ” إستقدام عائلات الجنود و اعطائهم اراضي و منافع خاصة هنا لن يدفع الجنود فقط إلى الشعور بالإنتماء إلى كوكب جرينلاند، بل سيقضي على مشكلة الاجازات، سيجعل الجنود يقاتلوا من اجل حماية عائلاتهم بدلاً من القتال من اجل المكاسب فقط، و سيكون لدينا مصدر جديد للجنود و هو ابناء جنودنا الحاليين!”
كلمات الجينرالة كاسيا ليفان جعلت الجميع ينظرون لبعضهم لبضع ثوان قبل ان يبدوا جميعاً بالكلام في نفس الوقت تقريباً:
“انا اتفق مع مدام كاسيا.”
“انا ايضاً ارى انه أسلم حل.”
“هذه حماقة، الجنود و عائلاتهم ليسوا ماشية ليتم نقلهم كما نشاء و نزوجهم لناخذ اطفالهم للجيش، لا اعتقد انهم سيوافقوا.”
“انا موافق لكن ماذا عن الجنود الذين لا يمتلكوا عائلة؟”
“يمكننا ان نرسهم في اجازة حتى يتزوجوا و نجلبهم مجدداً!”
“ليس كل الجنود سيقبلوا بهذا.”
“لا مشكلة، من يرفض سنرجعه إلى يورا و نجيب مكانه شبان جدد و هذه المرة نجيب عائلاتهم كلها، لدينا جيش احتياطي هناك ينتظر فرصة.”
“لو كل جندي عنده عائلة من 3 افراد فقط في كوكب يورا هذا يعني اننا سنحتاج لترحيل 9 مليون شخص على الاقل، هل يمكنكم تخيل ما كمية الاحجار التي سنصرفها؟”
“انا لا اؤيد هذا، المصروفات ستكون عالية جدا، ثانياً ماذا سيحدث بعد قدوم كل هؤلاء المدنيين لمنطقة حرب كهذا؟ هل سنترك الجنود يبقون من عائلاتهم و يحرثون الارض و يبنون المدن، أم سيتخلون عنهم فور مجيئهم و نوقفهم على الحدود؟ فكروا في شئ اخر!”
————–
ظل النقاش مفتوح لأكثر من نصف ساعة، كل شخص بكلمة، بعض الحضور يطرح و البعض الاخر الحلول بدون قرار او اتفاق يلوح في الافق… لكن أليست هكذا كل اجتماعات الشورى؟ لا يمكن للبشر ان يتفقوا على شئ واحد ابداً، و لهذا ايضاً لا يوجد نظام حاكم في اي كوكب يكون رأسه مجلس من الشخصيات المتساوية، دائماً هنالك شخص واحد يأخذ القرار عندما يختلف الجميع، لذا الغرض من هذه الاجتماعات هو تقديم الخيارات و في النهاية يقوم ذلك شخص الواحد بإختيار ما يراه مناسباً.
لكن لم يكن الجميع مهتم بالإنخراط في هذه المشدة، بعضهم كان مُركز على تعابير وجه صاحب القرار.. الامبراطور شارد الذهن.
“أبي.. هل انت بخير؟ يمكننا اكمال الاجتماع غداً…” زارا، التي كانت تجلس بجوار قيصر، مدت يده لتربت على يد اباها بالتبني
“همم؟ اها لا شئ، كل شئ بخير، انا استمع.” إبتسم روبين في المقابل و ربت على يد زارا بيده الاخرى، ثم عاد ليُركز هذه المرة على النقاش الدائر حوله
بعدها بقليل وبعدما فهم ما يتناقشون فيه، رفع يده قليلاً حتى سكت الجميع، ثم فتح هو فمه اخيراً، ” لقد وعدت احدهم سأجعل كوكب جرينلاند احد المقرات الدائمة لإمبراطورية البداية الحقيقية و اني سأُمركز جيش دائم هنا، لذا اقتراح الجينرالة كاسيا مقبول بالنسبة لي.”
ثم اكمل قبل ان يرد عليه احد، “بما اننا نتحدث في هذا الشأن الان فدعوني اخبركم بشئ سيكون سياسة دائمة للإمبراطورية، و هى اننا لسنا هنا للتدمير و الانسحاب، بل للبقاء و الاستغلال و التطوير… هذه ستكون اخر مرة نرسل فيها الملايين من الجنود لكوكب اخر بهذا الشكل، كما ترون بأنفسكم، أي حل من الحلول التي قدمتموها الان ستقضي على الاقل على نصف مخزوننا احجار الطاقة بشكل فوري، ما فائدة كل ما نفعله اذاً؟ نحن لسنا هنا لنلعب، انا اُقدر اننا كلنا عديمو الخبرة في هذا الشأن و انها اول تجربة لنا، لكن اعلموا ان هذا النوع من الاصراف لن يتكرر.”
ثم ادار وجهه نحو كاسيا، ” بما انك من اقترحتي الحل فسأعينك مسؤولة عن تنفيذه، يمكنك استغلال ما تشائين من احجار الطاقة لجمع عائلات الجنود و إنهاء النقل في اسرع وقت ممكن، لكن أعلمي جميع الجنود ان هذه اخر مرة سيستخدموا فيها موارد الإمبراطورية بدون مقابل، فيما بعد يمكنهم استخدام البوابة لكن عليهم جلب احجار الطاقة اللازمة بأنفسهم، سواءً عبر التعدين او عبر مبادلة نقاطهم بأحجار طاقة، جدي مع بقية الجينرالات حلول فيما بعد.”
“حاضر!” الفرحة ظهرت بوضوح على وجه الجينرالة كاسيا، جزء لأن اقتراحها قد قُبل، و الجزء الاخر انها اخيراً اخذت فرصة للظهور على ساحة الكبار!
ثم نظر نحو إليزابيث، “سأترك توزيع الاراضي على الجنود بين يديك، اختاري مكان جيد وسط دائرة هيمنة هوفنهايم و ابدئي منه، لا تدعي الاراضي متلاصقة ولا متباعدة، وزعيها بشكل متعقل بنية بناء مستعمرة أبدية لنا هنا، و ربما بناء نظام ملكي كامل عليها، و بما انه ستبدأ مستعمرة كاملة فقومي ايضاً بتنظيم جهاز شرطة و كامل المرافق التي تدعم المجتمعات العمرانية، يمكنك ايضاً طلب مساعدة ما تشائين من الجينرلات و الضباط هنا لمساعدتك في تنظيم الجنود و بناء المستعمرات.”
وقفت إليزابيث و اعطت انحناءة بسيطة، ثم فتحت فمها و اسمعت الجميع الموسيقي، “كل شئ سيتم طبقاً لإرادة معاليك~” إبتسامة كبيرة ظهرت وجهها و هى تجلس، اوامر معاليه الان نقلها من مجرد جينرالة إلى دور إداري بحت و اعطاها قوة حقيقية في الامبراطورية لأول مرة
ثم نظر نحو فيكتوريا ثم قيصر، ” كلاكما قوما بفصل الجنود الذين لا يملكون عائلة ولا يريدون العودة ليورا و قوما بتشكيل فيلقين اثنين كل واحد منكما على رأس فيلق ثم تمركزوا في الشرق و الغرب، سأترك لكما ايضاً اختيار مساعديكم من بين الجينرالات و الضباط هنا… انتما ستكونا القوة الضاربة للإمبراطورية الفترة القادمة.”
الموضوع التاليالموضوع السابق