في مكان ما في اعماق الحزام الكوكبي المتوسط—

داخل حجرة مظلمة لا يدخلها سوى مصدر ضوء واحد قادم من بعيد، بضع كتب متناثرة في الارجاء، و كأس نحيف و طويل يحتوي على شراب اشد حُمرة من الدم، فتحت فتاة شابه جفنيها، “…إنننـ” بياض عيناها كان ناصع كالحليب اما البؤبؤ فكان قرمزي لامع كأنقى انواع الجواهر… لكنها فوراً ما اغلقت عيناها مجدداً، وضعت قدم فوق الاخرى و بدأت تفرك جبهتها بلطف.

الفتاة كانت ترتدي فستان اسود يغطي جسدها بالكامل ما عدا المنطقة ما بين الرقبة و الصدر، حتى كفها الرقيق كان مغطى بقفاز… رفعت الفتاة يدها فأخذت الكأس و قربته من وجهها لتأخذ رشفه.

وجهها… وصف هذا الوجه لم يكن سهلاً على الاطلاق، كيف يمكن للمرء ان يصف الجمال نفسه؟

بشرتها ناعمة كالحرير و بيضاء ناصعة كالثلج، مجرد جلوسها هناك كان كمصدر ثاني للضوء داخل الغرفة المظلمة، و مع ذلك لونها الابيض لم يعطيها طابع الشحوب بل كانت تنبض بالحياة كيفما نظرت

شعرها مع انه كان مربوط بدبوس احمر كالخنجر بشكل عشوائي إلا انه كان ما يزال يبدو كينبوع من الفضة الخالصة لا يمكن تعكيره، اسفل ذلك الشعر الفضي جبهة صغيرة يتخلها حاجبان مثاليان و كأنهما مرسومان بالقلم، من تحتهما عينان حمراوات ساحرتان تحميهما رموش طويلة معكوفة، على الجانبين اذنان صغيرتان يتدلى منهما اقراط مصنوعة من الجواهر الحمراء، وفي منتصف وجهها يتوسطه انف دقيق و كأنه حِلية في حد ذاته، و من تحت ذلك الانف شفتان لم يكن معروف إن كانا هما اشد حُمرة ام الشراب الذي يتدفق بينهما.

فتاة بشرية في بداية العشرينات من عمرها؟ كلا، هذا الجمال لم يكن لبشر، و هذه الهيبة و الهالة القوية التي تحيط بها بمجرد جلوسها وحيدة تخطى حدود البشر.

“هيلين!! اخيراً فتحتي عينك، لماذا غاب وعيك كل هذه المدة؟” طفلة صغيرة تشكلت من خيوط البساط سألت بلطف، واضح انها كانت روح كوكب

“…كنت اسمع حكاية عجيبة! حول رجل لا يمكنني تحديد ان كان قوي او ضعيف، محظوظ او منحوس، حكيم او احمق…” إبتسمت الفتاة ذات الرداء الاسود، هيلين، و اخذت رشفة اخرى من شرابها، “لكن لا يهم الان، بطلها في عداد الموتى.”

“حكاية؟ ” الطفلة امالت رأسها للجانب، ثم وضعت يدها على فمها الصغيرة و شهقت، “…مستوى طاقتك!! هنالك بعض الاضرار في روحك ايضاً… هل قضيتي كل هذا الوقت في كوكب يافع؟!”

“يمكنني علاج كل الاضرار و استعيد مستوي طاقتي خلال بضع اسابيع في حجرة الزمن، لا تبالغي كثيراً.” إبتسمت الفتاة ذات الرداء الاسود و اراحت رأسها على الكرسي

“اوه، تنوين التسلل لحجرة الزمن مجدداً؟ اتمنى ان تكوني مستعدة لسماع هذا الخبر إذاً…” ضحك روح الكوكب الصغيرة بعفوية

“ماذا؟” ردت الفتاة ذات الرداء الاسود بهدوء و هى ما تزال مغلقةً عيناها، ماذا يمكن لروح الكوكب ان تقول؟ مثلاً هنالك تقرير انها فقدت احدى التجارات او فقدت السيطرة على احد الكواكب؟ ما هذا مقارنةً بما يوجد في نيهاري؟ لا شئ يمكنه ان يعكر صفو تركيزها الان.

إبتسمت روح الكوكب بخبث، “والدك ارسل دعوة لك و لكل اشقائك، سيقام إجتماع عائلي خلال الاسبوع القادم.”

“ماذا؟!”وقفت الفتاة ذات الرداء الاسود بسرعة كأن صاعقة ضربتها، “إستدعي قادة الجيش!!”

“بففـ جمع الجيش و شن حرب عشوائية للتظاهر بأنك مشغولة لن ينفع هذه المرة لقد استهلكتي هذا العذر عدة مرات، ثانياً أنسيتي انك بحاجة لحجرة الزمن؟ فلا مفر هذه المرة هيهي.” وضعت روح الكوكب يدها على فمها و قهقهت

“….” هيلين جلست مكانها بضعف، سندت جبهته على اصابع يدها اليسرى و اطلقت تنهيدة طويلة، “…حسناً سأذهب، لكن اخبرني الرجال ان يجهزوا عدد من العتاد الملحمي لتسليح عدة الاف شخص… هنالك حرب كبيرة على وشك ان تنطلق في الحزام الكوكبي اليافع.”

“اوه، و من اين ستأتي بكل هذا؟ …هيلين، هل علي تذكيرك انك مفلسة؟” كتفت روح الكوكب يدها على صدرها و رفعت حاجب واحد

عضت هيلين على شفتها الحمراء للحظة، “سنستعير اسلحة الجيش الثالث اذاً، اخبريهم ان يسلموا كل شئ خلال اسبوع.”

اخذت روح الكوكب خطوتين للأمام، “أتريدين من رجالك ان يتابعوا القتال ضد مملكة كوكبية اخرى و هم عراة؟!”

“لن تكون اول مرة، حتى انا كنت اقاتل بدون قطعة سلاح ملحمي واحدة في وقتٍ ما.” لوحت هيلين بغير اهتمام

“…حسناً لن اجادك اكثر، سأرسل الاوامر.” اومئت روح الكوكب بتفهَم،

مرت بضع الاف سنة لكنها ما تزال تذكر ذلك الجيش من المعدمين الذين جاؤوا و شقوا طريقاً من الدم حتى تمكنت سيدتهم من الانتصار على عدد ضخم من المنافسين و صقل روح الكوكب لنفسها، بل و لِم عليها ان تذهب بعيداً؟ حتى هذا اليوم ان كُسر درع او سيف من احد الجنود لن يجد بديل.

بعد صمت قصير تابعت هيلين، “فقط اخبري سايريل انه إن انتصرنا في معركة الحزام اليافع و حصلنا على ذلك الكوكب سنودع حياة الفقر للأبد، تضحية الجيش الثالث لن تذهب سدىً، عليهم ان يسترجلوا و يتحملوا قليلاً!”

في العادة ما كنت لتقول مبررات لاحد قادتها عن اعطاء امر كهذا، فكما قالت جنودها معتادين على القتال بما هو متاح، لكن الجينرال سايريل الان في معركة ضد عائلة كبيرة على احقية استيطان احد كواكب الحزام المتوسط، المعركة بالفعل طاحنة و هو يطلب تعزيزات كل بضع شهور، عندما تصله الاوامر الجديدة سيحتاج بضع كلمات للتهدئة على الاقل.

“انتي ستذهبي للتجمع العائلي على اي حال، يمكنك ان تطلبي المساعدة من أبـ—” كلمات روح الكوكب علقت في حلقها بعدما لاحظ نظرة باردة من العينان الحمراوين امامها، “حسناً حسناً، ياللهول! احفظي نظرتك لنفسك، انا ذاهبة!”

بعدما اختفت روح الكوكب عاد الهدوء للحجرة الصغيرة مجدداً، و عادت هيلين لتريح ظهرها على مقعدها و تنظر نحو القمر الدموي من خلال نافذتها الكبيرة…، “مختار حقيقة من اعلى درجة، كوكب بمستوى بذرة مجرة، شخص يسمي نفسه المستبصر يقول انه غريمي و يمكنه التنبؤ بالمستقبل، من اين ظهر كل هذا فجأة؟ …هنالك شئ غريب يحدث، شئ لا يمكنني وضع يدي عليه.”

بضعة ايام مرت و هى جالسة مكانه تراقب قمر الدم الأبدي الذي يتوسط السماء، تحاول تجميع قطع الاحجية التي وجدت نفسها احد اطرافها بدون ان تدري… في النهاية تنهدت، ثم اخرجت قناع اسود مزين بالريش الاسود و و تتدلى منه جوهرة حمراء من الجانب الايسر فأخفت به وجهها كاملاً ما عدى شفتاها… ثم اختفت.

========

ت/ز: يوجد صورة لهيلين في سيرفر ديسكرود

https://discord.gg/AxDFN6uVTE

من Zeus

-+=