و كأن الوقت توقف، و كأن كل اصوات العالم اختفت…

صرخات و نحيب العمالقة اختفى، احتفالات العفاريت الجنونية صمتت…

لم يكن في عين ريتشارد غير روبين، و لم يكن في عين روبين غير ريتشارد.

هذا اول لقاء بينهما منذ ذلك اليوم الاسود الذي عرف فيه روبين ما جرى، اليوم الاسود الذي غير تاريخ عدة كواكب.

بحساب بسيط وجد روبين انه مر اكثر من اربعون عام منذ اول لقاء بينهما، حدث فيهم الكثير، الكثير جداً لدرجة ان روبين لا يذكر.

كل ما يذكره انه قتل عشرات ملايين الأنفس من اجل جمع القوة الكافية لإنقاذ ابنه، من اجل هذا اليوم.

و قد جاء اليوم.. و عُقد لسانه.

نظر روبين للأسفل ثم لجانبيه، بعدها استجمع ما يقدر عليه من شجاعة و فتح فمه، “انا—”

“لا داعي!” ريتشارد رفع يده، ” لا داعي… لا يوجد شئ يقال.”

“بل يوجد الكثير،” رد روبين بسرعة، ثم عاد ليقبض كفيه، “انا فقط.. لا اعرف من اين ابدأ.”

“لا تبدأ إذاً. ماذا ستقول مثلاً؟ افضل شئ يمكن ان تقوله هو *اسف* و لو اني اشك انك ستقولها، و حتى لو قلتها ماذا سأفعل بالأسف؟” ضحك ريتشارد ساخراً، ” انس الامر، الكلام لن يرجع من تركونا.”

“انا اسف.” نظر روبين في عينا ابنه مباشرةً، “اسف على شبابك الذي ضاع بأسوأ صورة، و اسف على ما حدث لأمك. اعرف ان اسفي لن يرجع لك شئ، لكني لا املك سواه فلا تأخذ هذا الحق مني.”

“….” نظر ريتشارد للجانب، عيناه كانت تلمعان بالدموع

“لعلي لو كنت موجود اثناء تلك المحنة لتغيرت النتيجة، لربما تمكنت من ايجاد طريقة لإيقاف حرب امبراطورية اللهب او ربما اخذتكم و هربنا… او ربما بقي كل شئ على حاله و تكررت نفس الاحداث.” صمت روبين قليلاً، “فقط ارجوك تأكد اني لم اختر أياً من هذا، الظروف كانت اقوى مني، ، ما كنت لأضحي بك و بأمك من اجل اي شئ.”

“…اعرف.” رد ريتشارد بكلمة واحدة

“…ماذا تنوي ان تفعل الان؟” بعد صمت طويل فكر روبين في شئ و تكلم متحمساً، ” هنالك معركة على وشك ان تحدث على نيهاري، سأقلب حياة كل ساكني ذلك المكان رأساً على عقب، هل تريد ان ترافقني؟”

“…كلا، لقد خارت قواي، لقد اكتفيت من كل شئ، اريد ان ارتاح قليلاً…” خفض ريتشارد رأسه

قبل اجتيازه بوابة الفضاء كان ما يزال ينتفض حيوية و يفكر في خطط مستقبلية و كيف سيبيد العمالقة و كيف سيتابع انتقامه و كيف و كيف و كيف.. لكن بعدما رأى والده يتعامل مع المساجين شئ في داخله تغير، شعر انه… يمكنه ترك هذا العبئ الثقيل على عاتق شخص؟

عندما عبرت هذه الفكرة على رأس ريتشارد شعر بجسده يسترخي تلقائياً، لو كان ما يزال يحمل بيون لربما وقت من يده… تعب الخمسون عاماً على ظهر نيهاري حل عليه في هذه اللحظة

النظرة في عيني ريتشارد جعلت قلب روبين ينتفض بشدة و يستريح في نفس الوقت… نفس هذه النظر النظرة إعترت وجه روبين من قبل، كان هذا عندما رأى جابا في الاكاديمية بعدما تم اختطافه على يد منظمة سلمندر النار و تعذيبه لعدة شهور .
هذه نظرة شخص ذاق الويلات، ثم اطمئن.

“هذا.. جيد ايضاً.” ارغم روبين نفسه على الابتسام، “لما لا ترتاح في المدينة الامبراطورية؟ المكان آمن و هادئ هناك، كما ان كل الناجون من عائلة بورتون و عائلة برادلي موجودون هناك.”

فكرة ريتشارد قليلاً ثم اعلن بحزم، ” اريد ان اذهب لمدينة يورا اولاً.”

“…المدينة تغيرت عن اخر مرة رأيتها.” إبتلع روبين ريقه عندما يذكر منظر مدينة يورا، او يمكن القول ايضاً *مقبرة يورا الجماعية*

بيلي سابقاً اطلق امر بجمع جثث الخونة و جثث جنود امبراطورية اللهب و حرقها خارج المدينة، و كان قد تم دفن سكان المدينة الاصليين كلهم، لذا ما يعد هنالك جثث في الشوارع كما السابق، لكنها ما تزال غير قبلة للدخول بالنسبة لأي انسان عاقل

فالمدينة كانت بالفعل مدرجة بالدماء قبل وصول روبين مع العفاريت ذلك اليوم، لكن بعد تلك المذبحة لم تعد هنالك نقطة تراب في المدينة لم تختلط بالدم و لم يعد هنالك مبنى قائم، هالة سفك الدم و الغضب و الانتقام و الكئابة و كل المشاعر السلبية تراكمت هناك على مدى سنين.

مع انها تحت حراسة مشددة ليل نهار و تعتبر مزار سياحي لسكان كوكب يورا و جرينلاند و حتى كوكب دم اليتيم لأنها النقطة التي غيرت مسار تاريخهم، إلا ان هذا لا يغير حقيقة انها اصبحت خرابة محاطة بسور.

“اعرف، لقد اخبرني الاخ الثالث بما فعلته، لكني اريد القاء نظرة على اي حال.” اومئ ريتشارد مرتين

“لا بأس، سأتي معك!” تقدم روبين خطوتين

“لا!” رفع ريتشارد يديه، “تابع انت اشغالك، اريد ان اكون بمفردي.”

“….” تسمر روبين في مكانه مجدداً ثم ابتسم بخيبة امل، *لم يجد في قلبه ان يسامحني بالكامل إذاً…*

“لا بأس والدك العجوز سيبق هنا، لكن لا يمكنني تركك تذهب وحيداً لمدينة يورا، ذهنك لن يحتمل ذلك.” هز روبين رأسه بعدها نظر نحو قيصر الواقف بجواره، “اسف سأتعبك قليلاً، اصطحبه لمدينة يورا بنفسك و لأي مكان يريد زيارته، بعدها خذه للعاصمة الامبراطورية و عرف الجميع عليه.”

“عُلم!” ضحك قيصر و ربت على ريتشارد مرتين، ” هيا ايها الاخ الصغير، ام سترفض مرافقتي ايضاً؟”

ريتشارد لم يجد سبباُ للرفض مجدداً، لكنه تذكر شيئاً و بسرعة اشار نحو الخيمة الصغيرة بجواره “لكن ماذا عن الاخ الثالث؟”
“هاه؟ انت تقف امام مخترع تقنية نار الحياة يا ولد، طالما ذلك المتهور متعلق بالحياة سيتمكن والدك من ارجاعه غصباً عنه هاها هيا بنا!” لم يخل هذا العذر على قيصر، فلَف ذراعه حول رقبه ريتشارد ضاحكاً، ثم سحبه من يده و قفز بإتجاه الجنوب

وقف روبين مكانه ينظر لذلك الاتجاه لوقت غير معلوم… الاحتفالات من حوله تسري و صرخت الالم تدوي و الكل يلعب و يجري، و هو واقفه مكانه يهذي~

*أهذه كانت افضل طريقة يسري بها اللقاء؟ احمق! ماذا عن كل ذلك الكلام الذي حضرت لها؟!* ضرب روبين بقدمه في الارض بضع مرات، لقد تخيل هذا اللقاء مرات عديدة، لو قال انه عمل محاكاة لهذه المحادثة كل يوم لما كذب، و مع ذلك كل شئ سار على غير المتوقع

*.. حسنأً لم اكن لأرجو نتيجة افضل من هذه،* ثم تنهد و نظر نحو الخيمة الحجرية، نحو بيون، و بدأ يتقدم نحوه…

================
لدعم هذا العمل مادياً:

باي بال: paypal.me/eslam997

دفع فيزا مباشر موقع كوفي : https://ko-fi.com/teamx15699

اي محفظة كاش مصر: 01020451397

إجمالي دعم هذا الشهر: 110$

~~~~
لدعم هذا العمل معنوياً لا تنس التعليق و الدعاء

~~~~~~~

الموقع القديم لمشاهدة الفصول القديمة: اضغط هنا
~~~~~~

سيرفر ديسكورد لرؤية صور الشخصيات و متابعة مواعيد نزول الفصل:

https://discord.gg/AxDFN6uVTE

من Zeus

-+=