مرت ست أعوام إضافية بسرعة..

الأن بعمر الثلاثون ما يزال يبدو كمان كان في صِغره، ما عدا تلك اللحية الكثيفة و الندبة الصغيرة فوق حاجبه .. لكن مظاهر الطفولة إختفت من عينيه..

إبتسامته المصطنعة ايضاً لم يعد لها وجود حيث تبدلت بوجه غير مبالٍ لا تتغير تعبيراته إلا نادراً، جسده أصبح نحيفاً و يعلوه التراب و اثار دماء من أعلاه لأسفله لكنه لم يفعل شئ لينفضه عن نفسه بينما كان جالس على طاولة في مقهى.

اجل.. مقهى!

مع انه معتاد على الوحدة منذ مولده، إلا انه كان ما يزال يرى الناس و يتفاعل مع الاخرين ..

لكن عندما جرب الوحدة الحقيقية لأكثر من عقد من الزمان أثر عليه بشكل كبير، قبل ثلاث سنوات لم يتحمل دورة حياته اكثر و بدأ يخرج ليتجول قليلاً في القرى المجاورة بعد كل بضع شهور من التأمل، إلا انه لم يقلق ان يتعرف عليه احد.. فبملابسه المهترئة و لحيته الكثيفة لا يبدو مختلفاً عن أي صياد .

فبدأ يشتغل على سلخ الوحوش التي يصطادها و يبيع جلودها و احشائها في القرى مقابل المال، ثم يشتري الملح ليضيف طعماً لللحم الذي أصبح طعمه مثيراً للغثيان مؤخراً ..و يجلس في المقاهي ليستمع للأصوات البشرية التي إشتاق لها، و اليوم كان احد تلك الأيام..

بينما كان جالساً كعادته في حاله ، جاء رجل عجوز و جلس في الناحية المقابلة منه “ها انت ذا ظهرت مجدداً ايها الصياد الشبح! لقد تأخرت علينا هذه المرة هاها هل محصولك كان جيد؟” كان هذا صاحب المحل الذي يشتري جلود و احشاء الوحوش التي يجلبها ذلك روبين كل بضع شهور..

بعد بضع زيارات تعرف عليه و اصبح ينتظره بصبر، كل مرة يظهر يجلب معه كمية كبيرة من جلود و احشاء الوحوش التي مستواها اعلى من الثامن، هذه الوحوش يندر رؤيتها و يندر اكثر إيجاد صيادين بالقوة الكافية لقتلها.

=” إنن، لقد تركت البضائع لدى الصبي في متجرك و اخذت حقوقي بالفعل” قالها روبين بصوت متقطع و كأنه لم يستعمل حلقِه للكلام من قبل

-” هاي.. انت لا تنوي المغادرة مجدداً بسرعة صحيح؟ أتنوي الصيد طوال حياتك أم ماذا؟ على الاقل استرح هنا بضع أيام”

=” ..كلا، لقد قررت إتمام شئ و علي إتمامه مهما كان الثمن..” تنهد روبين بينما ينظر لكوب القهوة في يده

-” و ما المشكلة إن أتممته غداً او بعد غد؟ انت تصطاد منذ سنين و لم أرك ترتاح ابداً، يجب ان تخفف الضغط عن جسدك ولا سيؤثر عليك التوتر و ستتوقف عن امدادي البضائع! .. انظر، انت احد اهم مورديني، ما رأيك ان تكون ضيفي اليوم؟ دعني اهتم بك ليوم واحد فقط بعدها افعل ما تريده!” ضحك العجوز بصوت عالٍ

تذكر روبين انه بعد شرب القهوة سيكون عليه العودة مجدداً للجلوس على مؤخرته لبضع شهور ولا يقوم إلا عند الصيد و تجربه الحقائق التي اكتشفها من القوانين.. هو لم يرد هذا! فرفع رأسه و قال بصوت خافت “..حسناً، لكن يوم واحد فقط!”

-“هاهاها هذا ما احب سماعه، هيا بنا! يا صاحب المقهى، مشروب هذا الرجل على حسابي!” امسك العجوز بيد روبين و سحبه وراءه مما جعل القوة تنسكب..

بعد المشي لبعض الوقت دخل كلاهما مبني ضخم مُزين و على بابه تقف بضع فتيات بملابس خليعة يحيون كل الداخلين بإبتسامه، عندما رأى هذا فتح روبين عينيه على مصراعهما *تباً، ذلك العجوز يخطط لجلبي لحانة!* فكر للحظة في الرجوع لكنه في النهاية قرر عكس ذلك و تقدم معه، مجرد يوم واحد، ماذا يمكن ان يحدث؟

سلَم نفسه بالكامل للعجوز ليختار ما سيفعله لليلة بما انها كانت اول مرة يدخل حانة في حياته.. و كانت هذه افضل ليلة في عمر روبين ! الرقص و الغناء و الخمر و الضحك جعلوه ينسى الهَم الذي كان يحمله على ظهره. في نهاية السهرة إقترح عليه العجوز إحدى الفتيات لقضاء الليلة معها “هذه الفتاة هى الأغلى في الحانة و لم يخترها الكثيرون من قبل، اليوم سأكرمك بالكامل بما انك ضيفي!” ضحك العجوز بصوت عالٍ مشاوراً على إحدى الفتيات

* اعتقد ان معرفة هذا الشعور لن يضر.. فأنا بعمر الثلاثون بعد كل شئ، أقراني فعلوها من عمر الـ 12 * فكر روبين قليلاً ثم وافق و ذهب مع الفتاة لغرفة في جانب المبني وسط ضحكات العجوز.
———————–
مرت خمس سنوات إضافية.. قضى فيهم روبين اكثر من نصفهم في القرية المجاورة، بعد تلك -الليلة الواحدة- عاد روبين للقرية بعد شهرين فقط من التأمل.. في المرة التالية عاد بعد شهر.. ثم كل اسبوعين..

مشترياته الرئيسية تبدلت من الملح و الأساسيات الحياتية إلى الخمر و بعض الوقت مع نساء الحانة الذي أصبح احد الزبائن المهمين لديهم… و حتى لا ينفروا منه قام بتهذيب لحيته و شراء ملابس جديدة و وضع بعض العطور

تطور وضعه حتى اصبح مقيم تقريباً في القرية و يخرج لإصطياد الوحوش كله فترة فقط لجمع ما يكفيه من المال لإكمال نمط حياته البزغ

في احد الايام المعتادة في الحانة مع مستضيفته ريتا بينما كان يضحك و يشرب الخمور، قالت و هى مستلقية على صدره العاري ” هيهي سيدي روب، كل هذه الوسامة و الوقار.. هل انت حقاً مجرد صياد؟ لما لا تخبر هذه العبدة الصغيرة عن هوية سيدي الحقيقية؟”

=” هاهاها لديك عين جيدة، انا اكون- …. اكون….. اكون….؟”

بدأت ملامح روبين يتغير مع كل مرة يقوله حتى تحولت لشكل بشع، دفع ريتا بعيداً عنه و قفز من الشباك مسرعاً نحو كهفه
…………

“اااااااااااااااااااااااه~…”

بعدما وصل لمدخل الكهف نظر للداخل لوهلة ثم نظر للسماء صرخ بعِلو صوته، ثم ركع واضعاً يديه فوق رأسه..

” ما الذي افعله.. ما الذي افعله بحق الجحيم؟! لو أردت كل هذه التفاهات لبقيت كما انا في عائلة بورتون، كنت سأحصل على اجمل النساء و ألذ الخمور في العالم، إذاً ما الذي جاء بك إلى هنا يا روبين؟! ألهذه الدرجة لا املك سيطرة على نفسي ؟!”

صرخ روبين بينما كان يضرب الأرض أسفله حتى دمت قبضتاه

“الخمس سنوات الاخيرة لم استطع سوى كشف بضع حقائق عن قانون ثانوي واحد.. قانون ثانوي واحد! 21 عام مرت على قراري و ما زلت لا اعرف أي مسار سأسلك، لكني تركت طموحي لألعب في صدر ريتا ؟! بماذا نفعني كل الهراء؟ تباً لي .. تباً لي..!”

بينما إرتفع صوته كانت الوحوش في المنطقة ترتعد خوفاً، لقد شعروا بغضبه.. شبح الموت ذلك الذي يصطادهم بين كل حين و اخر أصبح كابوس بالنسبة لهم، و كونه غاضباً لم تكن علامة جيدة ابداً!

“…. لحظة.. حقائق؟” هدئ روبين للحظة بينما إعتدل من وضع الركوع و جلس في وضعية التأمل بسرعة، يده الدامية لم تزعجه بينما يستغرق في تفكيره..

من Zeus

-+=