“ايفرجين، اريد ان اسألك شئ، ربما يكون لا علاقة له بصقلك لكنه يراودني منذ زمن…” اخذ روبين بضع خطوات ليُقابل الفتاة الغزال اثناء عودتها من الجولة حول الكرة الخضراء، “قلتي قبل قليل شئ عن التلاعب في الأجنة في فترة ما قبل حقبة تدريب الطاقة، هل ارواح الكوكب هم المسؤولين عن الجزيئات المتغيرة الموجودة في الدم؟”
“الجزيئات المتغيرة؟ هممم…” اكملت ايفرجرين مشيها لكن هذه المرة بدت و كأنه تفكر في شئ
“اقصد هذه.” رفع روبين يديه و قام بتشكيل قوته الروحية لتأخذ شكل الجزيئات المتغيرة الموجودة في دماء العمالقة، حتى انه قام بتقليد تحركاتها
“اووه، هذه تدعى بالجزيئات المتغيرة؟ اعتقد انه اسم مناسب..” ثم توقفت ايفرجرين لتنظر في عينا روبين، ” ألا تعتقد انك بخيل يا عم؟ تريد مني معلومات جوهرية كهذا بلا مقابل؟”
إبتسم روبين بشكل لعوب، ” يمكنك اعتبار نقاشنا الصغير طريقة للتقارب و ابداء حسن النية، لن يضرك شئ اخباري، صحيح؟ إلا لو كان من ضمن تلك الاشياء المحرم التكلم عنها…”
“هيهي، الاحظ انك تحب التصرف بتذاكي يا عم، لكني سأسايرك… لا، الكلام في هذا الموضوع ليس محرم، بل هى معلومات شائعة في الحزام الكوكبي المتوسط.” عادت ايفرجرين لتبدأ جولة اخرى حول الكرة الخضراء، ” اجل، ارواح الكوكب هى المسؤولة عن زرع الجزيئات المتغيرة، او بمعنى ادق، ظهور متحورين عن الاجناس الاصل.”
“لماذا قد تفعلون شئ كهذا؟!” صاح روبين فجأة و اخذ خطوة للأمام، اخيراً طرف الخيط ظهر امامه
” ولما لا؟ احياناً تكون هنالك وحوش قوية جداً و خطرة على استئناف الحياة فيتحتم علينا التخلص منها و استخراج جيل جديد من نسلها اكثر تعقلاً، مثلما نفعل في العادة مع تلك الديناصورات المزعجة. و احياناً يكون لدينا جنس وحوش يكون منتج لللحوم او جيد لتخصيب التربة فنقوم بإخراج متحورين منه لخدمة الكوكب و خدمة الحياة علينا بشكل افضل، ألا يفعل البشر مثل؟ تقومون بتهجين الدجاج و المواشي و الكلاب بطرق انتقائية لتزيدوا من فاعلية خصلة معينة فيها و تختاروا الفرع الاصلح منهم، ما نفعله نحن ارواح الكواكب شئ مشابه.”
هز روبين رأسه و اخذ يلوح بعصبية، “تعرفين ان هذا ليس ما اسأل عنه.. لماذا تخرجون متحورين من البشر و تنتجون المزيد من الكائنات الذكية مثل الترينت؟ ألا يكفي كائن ذكي واحد في كل كوكب؟ يستحيل انكم لا تدركون ما الذي يُحدثه هذا!”
رفع ايفرجرين كلتا يديها و ضحكت، “هيهي لكنك ستتلقى الاجابة ذاتها. ثانياً ما الذي يحدثه ذلك؟ أتقصد الحروب؟ ما دخلنا بهذا؟ انتم من تكرهون اي شئ لا يشبهكم، و الحروب تقوم بإختياركم و نتائجها الفظيعة تكون مترتبة على قبح اعمالكم، لماذا تلقي اللوم علينا؟”
“…..” لسان روبين انعقد عند سماع ذلك الشرح، لم يملك ما يقول فظل صامتاً
لكن ايفرجرين اكملت، ” نحن بالفعل نزرع الجزيئات المتغيرة مصحوبة بأنماط معينة في الأجنة داخل رحم امهات الجنس البشري حتى ننشئ سلالة جديدة، لكن من قال انه على تلك السلالة ان تنعزل و تكبر كجنس جديد و تبدأ حروب مع البشر؟ هذا ما يجنيه البشر على انفسهم كل مرة. عندما يبدأ الطفل يكبر و يبدو عليه انه مختلف عن اقرانه يتم نبذه و حتى طرده، فيتم عزل الطفل و يتزاوج مع بشري لكن متحوره هو من يورث لأطفاله، فيكون لديك عائلة من السلالة الجديدة، ثم قرية، ثم قبيلة من المتحورين *القبيحين* الذين يعاملهم البشر بقسوة، و بعد بضع اجيال تنسى السلالة الجديدة انهم اصلاً من البشر و تبدأ الصراعات على الاراضي التي تصل فيما بعد لحروب الأبادة.”
توقفت ايفرجرين و نظرت للخلف نحو روبين، ” هنا في جرينلاند، انا لم يكن لدي دخل في صنع مخلوقات الترينت لأن الكوكب خُلق بهذه الخاصية، لكن انا فعلاً حاولت صنع متحورين عن البشر خمس مرات، أتدري ماذا حدث؟ ثلاثة أجنة قُتلوا فور ولادتهم، اثنان منهم اُضطهدوا حتى هربوا و بدأوا عائلاتهم الخاصة بمعزل عن الناس و اصبحوا *جنسين* اخرين، و مع ذلك القبائل البشرية كانت تتناسى مشاكلهم مع الترينت و يقتلوا اي شخص من تلك العائلتين بمجرد رؤيته، لذا لعلك دائماً تسمع عن *الكائنات الذكية الاخرى في جرينلاند* لكنك لم ترى اياً منهم حتى الان.”
خفض روبين رأسه، بالطبع هو يعرف مدى قبح الطبيعة البشرية عندما يأتي الامر للتعامل مع اشخاص مختلفون عنهم..”…لماذا تقومي بإخراج متحورين من البشر على اي حال؟ يمكنني تفهم ان تفعلي هذا بالوحوش و الحيوانات، لكن لماذا البشر؟ هذه السلوكيات الي تتحدثين عنها فعلاً سيئة لكن لا مفر منها، و حقيقة انها توجد في كل الكواكب توحي انها طبيعة البشر ولا مفر منها… لماذا إذا تصنعون المتحولين إن كنتم تعرفون النتيجة؟ و لماذا لا تتدخلون لإنهاء الحروب و انتم لديكم القدرة على التحكم في كل شئ داخل الكوكب؟”
رفعت ايفرجرين اصبعها السبابة و اشارت للأعلى، “لإنتاج النسخة الاقوى بالطبع! تلك السلالات الجديدة ليسوا اجناس كاملة مختلفة بل ما يزالوا بشر، ما المشكلة إن عبثنا فيهم ليخرجوا افضل ما فيهم؟ نضع لأحدهم القدرة على التنفس تحت الماء و اخر نعطيه اجنحة، ما المشكلة؟ حتى الحروب التي تتحدث عنها، ألن تقوي الفائز؟ الحروب المستمرة هى السر وراء التطور، فهذا يبحث عن طريقة للقتل و ذلك يبحث عن طريقة للإختراق لمستوى اعلى للإنتقام لأسرته، مستحيل ان تنظر لحرب من بدايتها لنهايتها و لا تجد ابتكار واحد جديد!”
عادت ايفرجرين لتضع يدها الصغيرتين وراء ظهرها، “انظر مثلاً لجنس الترينت الخاص بكوكبي، بعد ان كانوا كسالى يظنون ان زرع اقدامهم في الارض و التشمس هو تطورهم الاعظم اصبحوا اساتذة في الحروب طويلة الامد و حروب سيطرة الاراضي، كما انهم تمكنوا من امتلاك عدة قوانين سماوية و تقنيات روح عالية المستوى! و البشر، ألم يصبحوا خبراء في الحروب الدفاعية و تمكنوا من السيطرة على الوحوش المحلية و وصلوا لحتى قمة لطريقة استخدام الدرجة الثالثة من القوانين؟ بعضهم حتى بدأ يستكشف الدرجة الرابعة! أكان سيحدث كل هذا بدون حرب تدفعهم لإمتلاك المزيد من القوة؟ دعك من كوكبي حالياً إن كنت ما زلت ترى اني السبب، انظر لتاريخ الكوكب الذي جئت منه و تاريخ الكواكب التي قلت انك تمتلكها، أليست كل الإبتكارات و التطورات العظيمة مرتبطة بالحرب؟ هذه اجابة سؤالك، مع اننا لم نبدأ تلك الحروب، لا يوجد سبب يجعلنا نوقفها ايضاً.”
“ألهذا بدأتي الحرب الترينت العتيق الكبرى، و وقفتي تشاهدي من الجانب ابادة البشر بينما تعطيهم تلك الكوارث الواهنة التي افادتهم بدلاً من الاضرار بهم؟ أهكذا تنظر لنا ارواح الكواكب!؟” اصر روبين على اسنانه
“هاها انا بدأت الحرب؟ قلت كلمتين لكن حرب ابادة ظهرت، أتعتقد ان الحال كان سيتغير لو كان من سمع المعلومة هم البشر و ليس الترينت؟ انت لستم اذكياء جداً بالنسبة لـ كائنات ذكية، كانت لدي فرصة لأسرع تطوير نفسي و اجني مالِك فانتهزتها، هذا كل شئ.” ضحكت ايفرجرين بصوت عالٍ و عادت للتمشي حول الكرة الخضراء
“…ما هو اصل البشر على اي حال و لماذا يظهروا في كل الكواكب؟ و لماذا تحاول كل ارواح الكواكب تقوية سكانهم على اي حال؟ انتي لستي حمقاء، لو اردتي مالِك كان بإمكانك التواصل مع ترينت عتيق واحد و تطلبي منه ان يصقلك في السر، انتي اردتي رؤية حرب بينهم!”
“هشششـ…” وضعت ايفرجرين اصبعها على فمها ثم غمزت لروبين، قبل ان تعود للتبختر حول الكرة مجدداً بسعادة
معلومة زيوسية جانبية: التقدم التكنوليجي الحاصل حالياً في العالم هو بسبب ابتكار الكمبيوتر في الحرب العالمية الثانية، و كان إبتكاره بغرض اعتراض و فك تشفير رسائل الألمان.
الموضوع التاليالموضوع السابق