رفع الاب الشجرة ديكارت وجهه و نظر نحو روبين بجدية، ” ما وجدناه ذلك اليوم كان سر الحياة الأبدية.”

“..سر الماذا؟” تمتم كلاً من روبين و بيلي بدهشة، الحياة الابدية؟ من يجرؤ على التفكير في شئ كهذا؟

نظرياً يمكن لمن هو في قمة نطاق حكيم ان يعيشوا لـ 4 الاف عام تقريباً، لكن في كامل تاريخ يورا لم يكن معروف شخص وصل لهذا العمر، حتى العجوز غو و الذي يعتبر من اكبر الاركان سناً في جيش روبين، خبير في قمة نطاق حكيم و يكاد يضع قدم في نطاق امبراطور، بالكاد تخطى عمر الألفي عام!

4 الاف سنة. هذ الفترة الزمنية تكافئ 40~50 جيل من اي عائلة فانية، يكافئ قيام و سقوط ممالك، ظهور و اختفاء اجناس!

عند نقطة ما معظم الحكماء بدأوا بالتداعي و كره كل شئ، بعضهم بدأ بشرب الخمور و عدم الاهتمام بأجسادهم حتى ماتوا بالأمراض، بعضهم جن جنونه و بدأ بإفتعال الحروب و الفظائع حتى قُتل، بعضهم ذهب ليصطاد الوحوش المختبئة في اعماق الجبال من اجل الشعور بالإثارة و كلهم اُكلوا، و بعضهم قرر اعتزال الحياة مثل العجوز غو و قام بتولية إبنه و اكتفى بالنصح من الجانب، بعضهم حتى اختصر الطريق و انتحر مباشرةً!

بالطبع هنالك بالتأكيد الكثير من الحكماء ايضاً الذين ماتوا من كِبر العمر في مكانٍ ما يحوالوا الوصول لسر يطيل حياتهم اكثر، لكن حتى هؤلاء لم يسمع عنهم احد شئ و كأنهم اكتفوا

ليس و كأنهم لا يحبون الحياة، بل لأن الوقوف على القمة لفترة طويلة فعلاً ممل.

ربما العيش لتلك الفترات الطويلة لا بأس به بالنسبة للمخلوقات الترينت فهم في النهاية ما يزال يملكوا طبيعتهم كنباتات، يمكنهم النوم لبضع الاف سنة في المرة بلا مشاكل… لكن بالنسبة للبشر، ما الذي قد تفعله بالقوة و السُلطة بدون هدف صريح؟ تضاجع المزيد من الفتيات؟ تذهب لمزادات و تصرف نقودك على الخمور الجيدة؟ المُتع الدنيوية دائماً لها حدود، و النفس البشرية بطبيعتها تكره التكرار…

لو اُخبر اولائك الحكماء انهم لو تشبثوا بالحياة سيأتي شخص يدعى روبين و يأخذهم لغزو عوالم اخرى لتمسكوا بالحياة بأيديهم و اسنانهم، كما يفعل الان العجوز غو، لكن بدون هدف، ما فائدة الحياة؟ لذا فالتفكير في موضوع الحياة الابدية لم يخطر ابداً على بال سكان كوكب يورا…

موضوع شيق لتضييع الوقت نعم، لكنه لم يكن ابداً الهدف الأسمى لهم، حتى ظهر روبين و بدأ الحروب الكوكبية على الاقل…

ثم اكمل بيلي، “هل قلت للتو الحياة الابدية؟ حياة.. و ابدية؟ هل هذا ما قلته؟”

هز الاب الشجرة رأسه عندما رأى ردة الفعل تلك لكن لم يبدو خائب الامل ولا قليلاً و كأنه كان يتوقع ذلك، لكنه اكمل على اي حال بتنهيدة طويلة و صوت يملأه الحسرة، “…هيه~ قبل بدأ حقبة تدريب الطاقة نحن الترينت العتيق كنا نعرف بوجود روح العالم– اقصد روح الكوكب بالفعل و كلنا كان بإمكاننا الشعور بها في باطن الكوكب بعد اتمام عملية العودة للارض، بعد ما اكتشف ذلك الانسان تدريب الطاقة و بدأت اعداد متدربي الطاقة من البشر و الترينت تزداد بدأت تحدث تغيرات حولنا حيث شعرنا ان مستويات الطاقة في الجو ترتفع و القوانين تصبح اكثر وضوحاً لمن يريد اكتشافها، اشياء كهذه.”

اومئ روبين بإستمرار، هذا النوع من المعلومات عن بداية حقبة التدريب كان دائماً غائباً عنه، اما حالة الاب الشجرة فهو لم يلتفت إليها، كان واضح انه لا يريد افشاء السر الذي حارب من اجله طوال حياته، لكن من يهتم لمشاعره؟!

ثم اكمل تجسيد الاب الشجرة ديكارت و هو في نفس الحالة، ” لكن ذات يوم، تحديداً في اليوم الذي اخترق فيه اول بشري و تمكن من إستعمال الدرجة الثانية من احد القوانين -ما تلقبونه انتم بنطاق قديس- شعرنا بروح الكوكب نفسها تتغير بشكل جذري، في نفس اللحظة حاول كل الترينت العتيق استشعارها كما كنا نفعل دائماً لنعرف ما يجري لها لكن هذه المرة وجدنا انفسنا في مجال مختلف و رأينا لأول مرة روح الكوكب، في تلك اللحظة كانت تخوض تطور من نوعٍ ما، لقد كانت في خضم اكتساب هيئة روحية و وعي!”

” لم يكن لدينا أي عداوة مع روح الكوكب في ذلك الوقت بل بالعكس كنا نشعر بأننا ننتمي لها لذا لم يحاول احد ايذائها اثناء تطورها، بل وجدنا جميعنا ان هذه فرصة لنفهم اكثر عن عالمنا فبقينا لنشاهد ما يجري و اثناء تشكيل الهيئة الروحية لروح الكوكب لاحظنا جميعنا شئ في نفس الوقت، روح الكوكب لم تكن كاملة…”

“…عندما انتهت اخيراً روح الكوكب من اكتساب هيئة و وعي، شعرنا بقوتها الهائلة بشكل اوضح، حتى لو كان بيننا شخص لديه افكار ملتوية اضطر ان يحشرها مكانها و يصمت، ثم تقدمنا جميعاً لنبارك لها و نسألها إن كانت لديها اي نصائح او تعليمات لنا. بالطبع لم يكن لديها امل ان تقول اي شئ مهم، فلو كانت تمتلك ذكريات الكوكب منذ بدأ الخليقة فنحن بالنسبة لها اطفال لا يستحقون وقتها، و إن كانت ما تزال مجرد روح وليدة فهى لا تملك ما تخبرنا به، لكننا فوجئنا بها تقول هذه الكلمات بالحرف..: *لا اشعر اني بخير، من منكم يريد ان يكون مالكي؟*”

“مالك؟!” عقد روبين حاجبيه عند سماع هذه الكلمة، روح الكوكب كانت تطلب مالك لها؟

اومئ تجسيد الاب الشجرة ديكارت، “احد الترينت العتيق لم يعطنا فرصة حتى لنندهش و سأل مسرعاً: *ماذا سأكسب لو اصبحت مالكك؟* روح الكوكب آن ذاك بدت و كأنها تفكر في رد مناسباً، ثم بعدها تكلمت، *لا اعلم ان كان هذا جيد لكم، لكن مالكي سيبقى حياً طالما انا ما ازال حية*”

“حي طالما انا ما ازال حي.. حي طالما انا ما ازال حي..” لم يتمكن روبين من امساك نفسه فوقف و اخذ يغدو و يروح و يداه وراء ظهره، يتمتم تلك الكلمات، ” *انا* هذه، أهى عائدة على وعي الروح ام على الكوكب نفسه؟”

“أهذا يهم؟ لا احد يمكنه تدمير العالم الفسيح و لا احد يمكنه تدمير روح الكوكب ذات القوة الطاغية، إن لم تكن هذه حياة ابدية فماذا تكون؟” أبدى الاب الشجرة ديكارت إبتسامة ذات مغزى، ” في الحالة طلبنا جميعاً معرفة طريقة تملُك روح الكوكب و هى اعطت الطريقة لنا كلنا، طريقة لصقل روح الكوكب الناقصة بإستخدام روح المبدئية و تجعلها كاملة لكن هذا سيجعلها عائلاً عليك ايضاً، و بدأنا جميعاً عملية الصقل في نفس الوقت!”

ثم اضاف بعدما زالت الابتسامة من على وجهه، ” في البداية كان مجرد سباق بسيط لتجربة الطريقة و نرى من بوسعه صقل روح الكوكب اسرع و ينتزعها لنفسه، سرعان ما عرفنا ان عملية الصقل يمكن ان تتم من قِبل العديد من الاشخاص في الوقت ذاته، و انها ستأخذ وقت طويل جداً، لكن هذا لم يضعف عزيمة احد، ففي اللحظة التي بدأنا فيها نشعر بألفتنا نحن القوانين تزداد، و الاهم… شعرنا بأعمارنا و هى تطول فعلياً.”

هنا توقف روبين عن المشي ذهاباً و اياباً و نظر نحو الاب الشجرة، “هكذا إذاً… الترينت العتيق كلهم ضحوا بالتحرك و التواصل و العائلة و كل شئ في سبيل اطالة حياتهم، لو كل اولائك الوحوش المتشبثة بالحياة وجدوا لعبة يمكنها منح حياة أبدية فـ…”

هنا الاب الشجرة قاطع روبين، ” فستبدأ حرب لا مثيل لها، هذه صحيح. عندما عرفنا الفوائد و عرفنا ان عملية الصقل ستأخذ وقت طويل جداً قد يصل لعشرات او مئات الاف السنين، سحب بضع مخلوقات الترينت العتيقين ارواحهم من المجال و فكروا في الواضح ألا و هو تقليل عداد المنافسين. فما هى الفائدة لو قضينا نصقل روح الكوكب لعشرة آلاف سنة لنجد في النهاية ان كل واحد فينا حصل على نسبة صقل 2%؟ هل في النهاية سنطلب من الاخرين بشكل مهذب ان يتراجعوا و هم سيوافقوا؟ الجميع كان يعرف ان الحرب كانت ستبدأ لا محالة، كانت مسئلة متى و اين و كيف فقط…”

رفع روبين حاجبيه قليلاً، ” دعني اخمن، قررتم ايضاً إبادة بقية جنس الترينت حتى لا تنكشف سر الحياة الأبدية و يظهر المزيد من المنافسين، لكن لماذا البشر و بقية المخلوقات الذكية و حتى الوحوش؟”

من Zeus

-+=