مرت دقائق.. ربما ساعات؟

لم يشعر كلاً من روبين ولا بيلي بمرور الوقت، و كأن الزمن توقف بالكامل حولهما

بالنسبة لروبين فهذه كانت فرصته الوحيدة لإراحة مكنون صدره، اول مرة يجد فرصة للتحدث عن شعوره منذ ذلك اليوم الأسود

بعد مواجهته للمستبصر إستسلم روبين و قبل بالأمر الواقع أن كل ما حصل كان ضرر جانبي يجب نسيانه، لكنه لم تخطى ذلك ابداً. و حتى لو تخطاه، كيف يتخطى ريتشارد الذي ما يزال حي؟ ربما لو مات مع والدته لكان التخطي سيكون اسهل بكثير، لكن الان؟ القول ان الموضوع معقد سيكون تقليل من القضية.

ريتشارد يمثل كل شئ يكرهه روبين، و في نفس الوقت يمثل كل شئ يحبه.

اما بيلي فقضى معظم وقته مصدوماً او غاضباً او حزيناً، لو يعرف ما إن كان عليه ان يقوم ليبرح روبين ضرباً او يواسيه، لكنه كل مرة كان يمسك لسانه و يكتفي بالإستماع، فهو يعرف جيداً ان الكلمات الان لن تغير الماضي فما حدث قد حدث، و ايضاً… لو كان مكانه هل كان سيأخذ قرارات مختلفة؟ صعب القول…

بعد فترة غير معلومة سند روبين رأسه للخلف على كرسيه، اغلق عيناه و وجه وجهه نحو السقف، “…شكراً على وجودك اليوم يا بيلي، اعتقد اني كنت بحاجة لهذا.” صوت روبين كان خشن و غير ثابت، و حتى خديه كان عليهما خطوط بيضاء الناتجة من الدموع اليابسة، مظهره كان يرثى له حقاً في هذه اللحظة

“صديقي، اعتقد جدياً انك تحتاج للراحة قليلاً، لن تسقط السماء لو فرغت عقلك لبعض الوقت.” تردد بيلي قليلاً ثم تكلم، لم يجد شئ اخر ليقوله في موقف كهذا

“هاها راحة؟ هل تحسب اني انهرت او شئ كهذا؟ اسف لتخييب ظنك، اعتقد اني كنت اشعر بالاختناق قليلاً عندما فكرت في لقاء ريتشارد، لكن شيئاً لم يتغير.” فتح روبين عينه و قهقه بشكل ساخر ثم رفع يديه فمسح عيناه الحمراوين و اخرج قارورة مياه من خاتمه الفضائي فشربها على دفعة واحدة والقاها جانباً، قبل ان يفتح ذراعيه مبتسماً، “أرأيت؟ انا في افضل حال هاها لكن اعتقد اني فعلاً كنت عاطفي بزيادة امامك اليوم و كسبت لنفسي السخرية، اعتذر عن هذا.”

“روبين، التجاهل و السخرية لن يحل اي شئ.” عقد بيلي حاجبيه

“الجلوس بدون عمل و انتظار ان تحل المشاكل لوحدها لن ينفع ايضاً.” لوح روبين بغير اهتمام، “ساقوي جيشي و اسحق مشاكلي، ألن يكون هذا كافياً؟ سأعود لنيهاري بالتأكيد، و هذه المرة لن تكون كسابقتها.”

“تقوي الجيش؟ هذا قد ينفع في حالة اردت تهريب ريتشارد، لكن كيف سيساعدك جيشك في التخلص من ذلك المستبصر بالضبط؟!”

“…المستبصر، ها… لا اعرف كيف اصفه غير انه شخص غامض جداً، اثناء كلامي معه اخر مرة في الحانة كان كلامه منطقي و موزون، ملئ بالفجوات، لكن يمكن الاخذ به و بدى انه متفهم لموقفي، لكن عندما ذكرت اني لا اريد اكمال المهمة في نيهاري قال انه علي المحاولة للنهاية و الا لن يقبل بهذه النتيجة، برأيك هل يعتبر هذا تشجيع ام تهديد؟ لا اعلم، بصراحة ترددت ان اسأله *و إلا ماذا* لأني اعرف ان الاجابة لن تسرني. ربما يقبل بإنسحابي و يلقيني في مهمة اخطر؟ ماذا لو رفضت مرة اخرى؟ هل ببساطة سيأخذ الحياة التي اعطاها لي؟ ام اسوأ، يعاقبني اولاً بتدمير كوكب يورا في فورة غضب؟ في النهاية انا مجرد نملة عاصية في نظره ولا استبعد عليه شئ، يمكنه ان يتصرف كرجل نبيل كما يحلو له، لكني اعرف جيداً انه لا يمكن لرجل نبيل ان يصل لهذا المستوى من القوة و يسيطر على عدة كواكب من فرط لُطفه!” نظر روبين جانبه و تمتم و هو ينقر على كرسيه، “كل ما املكه الان هو ان اكمل تلك المهمة و أمُل ان يتم جزءه من الوعد و يتركني و شأني بعدها، فلندع القدر يأخذ مجراه.”

ظل بيلي صامتاً للحظات ثم سأل، “..ماذا ستفعل بشأن نيهاري إذاً؟ انت تتكلم عن ذلك الكوكب و عن عمالقة نيهاري بكراهية مطلقة و مع ذلك تقوي جيشك حتى تنفذ مهمتك و تنقذهم من الغزو القادم، كيف ستفعل هذا بالضبط؟ العمل من اجل شئ لا تحبه سيجعلك مكتئب اكثر، بل القيام بعملك بتكاسل قد يجعل الوضع اسوأ بكثير من مجرد وقوفك جانباً و المشاهدة.”

قهقه روبين عندما سمع هذا، ” هاها كلامك صحيح، لكن من قال شئ عن انقاذهم؟”

” ما-؟! روبين، أتنوي خرق وعدك لذلك الشخص المستبصر؟ لا تقل لي انك تنوي مساعدة ذلك الغزو و تدمير كوكب نيهاري حتى تفرغ عن غضبك!!” وقف بيلي و صاح غاضباً، لقد سمع من تجار عائلة بورتون عن كوكب نيهاري، انه كوكب ضخم للغاية يحتوي على عشرات الاجناس الذكية و ان تعدادهم الاجمالي يصل لأكثر من مئة مليار نسمة، لو كان روبين ينوي معاقبة الجميع من اجل انتقام شخصي فـ…

“هيهي اهدأ، انا لم اقل اني سأخلف وعدي للمستبصر، و لم اقل اني سأرفع سيفي على احد من الابرياء من بين سكان نيهاري ايضاً، هم سيقوموا بالمهمة بأنفسهم.” إبتسامة روبين تحولت لشكل غريب

“…روبين، ما الذي تنوي فعله بالضبط؟ اخبرني لعلنا نجد سبيل افضل معاً.” لوح بيلي يده اليسرى بهلع، لقد رأى هذه الابتسامة مرة من قبل، عندما بدأ روبين بقيادة العفاريت في كوكب يورا…

لوح روبين بغير اهتمام، “هذه تفاصيل ليس عليك ان تعرفها، لكن إن كان هذا سيساعدك لتنام بشكل افضل فإعلم اني لا انوي تدنيس يدي بدماء من ليس لهم ذنب في الموضوع، لقد حددت طريقي بالفعل عندما رفضت إبادة قارة اللهب ذلك اليوم، لن اعود و اتحول لوحش مجدداً في نيهاري.. ليس بشكل مباشر على الاقل.”

“ليس بشكل مباشر؟ روبين–”

” ما الذي جلبك إلى المقر؟ انت لست هنا بسبب ثيو،” قطع روبين كلمات بيلي بسرعة و بصوت صارم، ” انت صحيح تحب حشر انفك في اموري كثيراً لكنك لست عديم الفائدة كلياً حتى تترك الفيلق الخامس على الجبهة و تأتي لوحدك بدون سبب.”

“…. انا فعلاً هنا من اجل شئ اخر،” عالماً ان روبين قرر تغيير الموضوع بشكل كلي، إستسلم بيلي و سايره ايضاً، ” الاب الشجرة ديكارت تواصل معي مؤخراً عبر احد تجسيداته، اخبرني انه يحاول الوصول لك طوال العامين الماضيين لكن تجسيداته تُدمر فور اقترابها من الخيمة التي تمكث فيها، لذا طلب مني هدنة حتى تخرج من عزلتك و يتمكن من لقائك، عندما سمعت انك استيقظت جئت لأرى ما الذي تنوي فعله.”

” كان بإمكانك التواصل معي بخاتم الصوت بدل تركك جيشك و المجئ بنفسك…”

“لا تكن عديم الرحمة، اولاً انت تعرف ان جودة الصوت في خواتم الصوت تقل كلمات بعدت المسافة فيصبح الصوت اضعف و مشوش، كيف استخدمها في وضع مهم كهذا؟ ثانياً الحرب متوقفة على جبهة ديكارت منذ شهرين تقريباً، كلما تقدمنا هو يتراجع، أتدري كم هذا ممل؟ انه ممل اكثر من البقاء في يورا لإدارة الطُرق و الاسواق! ثالثاً عندما سمعت بوجود ثيو وجدت اني سأضرب عصفورين بحجر، أتعلم كم مر منذ سمعت اخبار عن ريتشارد؟” رفع بيلي كتفيه

ظل روبين صامتاً قليلاً امام تلك الكلمات، “…الاب الشجرة ديكارت يريد لقائي، ها.. مثير لإهتمام. يصدف اني كنت انوي لقائه ايضاً، فإن لم يتعظ من هوفنهايم قد يكون هو هدفنا التالي.”

“إذاً؟ متى تنوي لقائه؟ يمكنني العودة و ترتيب موعد و مكان محايد.”

“… الجيش سيأخذ بعض الوقت لتنظيف ارض الاب الشجرة هوفنهايم من البراعم و البحث عن الكنوز التي يملكها، مع انه مجرد شجرة إلا انه ما يزال طاغية حكم مساحة تقارب القارة و لفترة طويلة جداً، لابد ان له بضع خزائن مخبئة هنا وهناك، الشباب لن يرجعوا بدونها.” نقر روبين على فخذه بضع مرات ثم وقف، ” حسناً إذاً، الجلوس و الانتظار هنا لن يفيد، تعال نذهب لديكارت.”

“الان؟!” ذُهل بيلي

“اجل الان!”

من Zeus

-+=