*طرق* *طرق*
“إحم، اجتماعك مع ثيو طال كثيراً فقلت ادخل لأرى ما إن كنتما تحتاجان عصير او شئ كهذا…” فتح بيلي باب القاعة الضخم و ادخل رأسه ينظر في الارجاء حتى اخيراً وقعت عينه على ظهر روبين، ” اهاا كنت اعرف اني سأجدك وحيداً، ثيو اللقيط تعود على كونه اخرس تقريباً و عليك ان تخرج الكلمات منه بحبل، هو لن يتكلم معك طوال هذه المدة.”
“……….”
عندما لم يجد بيلي اي رد فعل من روبين، دخل القاعة و اغلق باب القاعة من خلفه مهدئاً بذلك الضوضاء العالية القادمة من الخارج و كأنها خلية نحل، ثم اخذ بضع خطوات بإتجاه روبين حتى اخيراً تمكن من رؤية ملامحه، روبين كان ما يزال واضعاً كوعيه على ركبتيه و يسند رأسه على راحتا يديه
عقد بيلي حاجبيه على هذا المنظر و امال رأسه للأسفل حتى يرى وجه روبين، إن كان هنالك شئ واحد يمكن وصف ملامح روبين الان به فهو *قلة الحيلة*
“بحق الجحيم؟! انت غزوت كوكب للتو و كسبت حربك الأولى، ما الذي قد يضعك في هذه الحالة؟ هل انت بخير؟!” مد بيلي بسرعة يداه و ربت على ظهر روبين بهلع
بيلي كان برفقة روبين لفترة طويلة و رأى الكثير من المشاعر على وجهه، فروبين في النهاية مجرد إنسان يخطئ و يتعلم من اخطاءه، لكنه لم ير ابداً ملامح كتلك التي على وجهه الان… ما الذي قد يشعره بقلة الحيلة و الضعف لهذه الدرجة؟ حتى عندما علم بموت زوجته عاد برفقة العفاريت لينتقم مليئاً بالغضب الذي احرق كوكب يورا كله!!
“…انا بخير يا بيلي.” اكتفى روبين بالرد بهذه الكلمات
“كلا انت لست بخير! ما الذي قاله لك هذا الوغد الصغير ثيو؟” صاح بيلي ثم بدى و كأنه تذكر شئ “…أهناك شئ حدث لريتشارد؟!”
” كلا، هو بخير.. افضل من افضل توقعاتي حتى، هو ما يزال محتفظ بإرادته و شخصيته، انه يشعرني بالفخر انه جاء من صُلب شخص مثلي.” هز روبين رأسه وهو ما يزال مستنداً اياها على كفيه
عندما سمع بيلي هذا عقد حاجبيه اكثر و جلس مكان ثيو، “…إسمع، ربما افترقنا لأكثر من مئة و سبعون عام لو حسبنا الوقت الذي قضيته في كوكب نيهاري، ربما مكانتك سبقتني بأميال، ربما حتى على ان اعاملك كإمبراطور و اخافك الأن، قد اعارضك احيانا لكن هذا لأني لا اريدك ان تسلك طريق ستندم عليه، اريد فقط اعطائك المزيد من الخيارات و انت تعلم اني لن اتحرك ضدك ابداً مهما كان قرارك. روبين انت ما تزال صديقي الحقيقي الوحيد و اعرف جيداً اني صديقك الوحيد في هذا العالم بما انك فاشل في عقد الصداقات.. روبين اخبرني، ما الذي يشغلك؟”
“…بيلي، هل اخبرتك يوماً كيف ماتت ميلا؟” اخيرا روبين قال شيئاً
عندما سمع هذا عقد بيلي حاجبيه و اجاب سريعاً، “هذه هى حال الحرب يا صديقي، مهما انتصرت لابد ان تخسر شيئاً، ميلا كانت إمرأة جيدة، صانت إسمك و وقفت مع عائلتك للنهاية، و واضح انها قامت بحماية إبنك، خسارة امرأة مثلها لهو مدعاة للحزن لكنها ما تزال امرأة، من منا لم يخسر شخص من عائلته؟ لقد مرت سنوات طويلة على موتها بالفعل فإجمع شتات نفسك.”
بدى روبين و كأنه لم يسمع شيئاً، ” لن اخبرك القصة الطويلة بما انها تحرقني كرجل، سأخبرك النهاية فحسب، عمالقة نيهاري قاموا بطبخها و أكلها.”
*با-دوم*
“…لماذا تخبرني بهذا؟” تكلم بيلي ببطئ، ليس من السهل ان يبوح رجل بشئ كهذا
” لأن ريتشارد كان هناك ذلك اليوم، لقد رأى كل شئ.”
“ريتشارد رآهم و هم يـ-…؟!” فتح بيلي عيناه على اخرهما و امسك مقبض كرسيه، تقنياً هو من ربى ريتشارد و يعرف جيداً مدى تعلقه بأمه، ان يرى طفل في العاشر شئ كهذا…
“…عندما قابلته في نيهاري كان بيني و بينه خطوة لكن لم اجرؤ ان اخبره اني والده… منذ وقعت عيني عليه و انا اعرف مر بعذاب لا يتحمله بشر، لقد إستخدم تقنية نار الحياة لعلاج جسده مراراً و تكراراً حتى شعرت ان جسده بالكامل تبدل اكثر من مرة…” أمال روبين جسده للأمام اكثر و اخذت الدموع تسقط على الأرض، “ذاك اليوم وبعدما سمعت منه ما يكفي وقفت و هربت كالجبان، تركته في جحيمه بمفرده… خلِت اني سأهرب مؤقتاً حتى اجد شئ لأقوله له، لكني عرفت من ثيو الان ان ريتشارد كان يعرف من انا *شم شم* لا يمكنني حتى تخيل مدى احباطه اتجاههي..”
اخذ روبين بضع انفاس عميقة ثم اكمل، “.. لكن ماذا علي ان اقول له؟ انا اباك الذي تسبب في حرب دمرت مدينتك، انا اباك الذي تسبب في مقتل أمك لأني لم اكن متواجد لحمايتها؟ انا أباك الذي تركك تُعذب لإحدى عشر عاماً و لم اعلم حتى انك حي؟ انا اباك الذي سيتركك تتعذب اكثر لأني لا اجرؤ على القيام بأي حركة الان؟ ماذا كان علي ان اقول له يا بيلي؟ ماذا كان علي ان اقول.. انا خائف من مواجهته…”
بيلي إعتدل في جلسته و بدأ عيناه تفيض بالدموع ايضاً، كيف يواسي روبين؟ بل من يواسيه هو و هو من ربى ريتشارد على يده منذ كان رضيعاً!؟
مرر بيلي يده على عينينه فمسح الدموع منها و أرغم إبتسامة على الظهور على وجهه، ” لا تفعل هذا بنفسك، انت كنت في مهمة و لم تكن تستطيع العودة، لا احد يمكنه لومك على ما حدث.”
“…. غير صحيح، بعد ثلاث سنوات من غيابي تمكنت من وضع اسس العشيرة و كان لدي حماية جابا و موارد هائلة، كان لدي الموارد و المكان و الرجال الكافيين لعمل بوابة فضاء لكني لم اختر فعل ذلك.” تمتم روبين بصوت منخفض
“ماذا؟! انت… انت!!” صاح بيلي، لو عاد روبين و لو بضع دقائق في ذلك الوقت لكان كل شئ اختلف!!
“…لقد مررت ببعض المواقف السيئة هناك منذ وصولي جعلتني اكره ذلك الكوكب، خفت اني لو رجعت و رأيتكم ستموت عزيمتي و أخلف وعدي… هيهي.. يا لي من وغد ضعيف.. ما مررت به هناك لم يكن شيئاً مقارنةً بما حصل لإبني.. يا لي من وغد ضعيف…”
“……” صمت بيلي لم يعرف ماذا يقول،
اراد بيلي ان يصرخ و يقول شئ، لكن ماذا يقول؟ هل يعتابه؟ يخبره كم ان قراره ذاك كان سئ؟ ليس و كأن روبين لا يعرف ما ترتب عليها هذا القرار، بل اسوأ، واضح ان قرار عدم رجوعه حتى اكمال المهمة ما يزال يؤرقه حتى اليوم و يحرق قلبه ندماً، أي كلمة في غير محلها قد تضر بروبين اكثر و اكثر..
” لماذا انت ساكت؟ سُبني! قم و اضربني!! أي امبراطور انا، انا مجرد فاشل جبان لا اعرف حتى كيف انظر في وجه إبني… زوجتي قُتلت بطريقة بشعة، إبني الوحيد تعرض لتعذيب نفسي و جسدي ما كنت أرضاه لأسوأ أعدائي، عائلتي التي كنت احاول تقويتها تدمرت بسببي.. و كل هذا من اجل مُهمة… و يا لها من مهمة هيهي هاااهاهاها” نظر روبين للأعلى و اخذ يضحك بشكل هستيري، ثم فتح عينيه الحمراوين ببطئ و ترك الدموع تنزل على وجنتيه، ” كل هذا كان من اجل مُهمة في كوكب لا اعرفه تشمل حرباً بين شخصين لا اعرفهم. و أتعرف الأسوأ؟ اني ما زلت اكمل تلك المهمة رغماً عن ارادتي و اقتل اعداد لا تحصى من المخلوقات من اجلها هاهاها.. هيهي.. اي امبراطور انا؟ *شم شم* انا مجرد مهرج، مجرد دمية لا تملك قرار نفسها! يا ليتني مُت في ذلك الكهف… يا ليتني مُت.”
بيلي لم يتكلم مجدداً، لم يحاول مواساة روبين و لم يعتب عليه، بل جلس مكانه ينظر لصديقه و يستمع له، بين كل حين و اخر كان يسأل سؤال صغير و يترك روبين يتكلم بإستطالة و يريح ما في صدره
لم يكن يدري ماذا يقول ليخفف عنه، و لم يكن عليه ان يقول شيئاً ايضاً… مجرد وجوده ذلك اليوم اعطى روبين فرصة ليبوح بما في صدره اخيراً
مجرد وجوده منع روبين من السقوط في الهاوية التي كانت تجذبه كل يوم للأسفل ببطئ.
الموضوع التاليالموضوع السابق