*صخب* *صخب*

البراعم صمتوا لبضع ثوان بعد ما انتهى روبين من الحديث ثم انفجروا بصخب هائل، بعضهم يسخر منه و بعضهم ينتحب على ان الاب الشجرة قد يكون مات حقاً، و بعضهم بدأ يحاول تحريك اخوته مجدداً لإكمال المعركة

بدى البراعم انهم على وشك التحرك مجدداً لذا تحرك الملايين من البشر لرفع اسلحتهم مجدداً و الاستعداد للضرب في اي لحظة، لكن امر الهجوم لم يأتي، بل المزيد من كلمات روبين:

لكن روبين تجاهل كل الاصوات حوله و اكمل كأنه لا يسمع شيئاً، ” اسمعوا جيداً، مع انكم مجرد نباتات متحركة ذات روح صناعية إلا انكم ما تزالوا قادرين على التفكير و الشعور بالألم و الحزن، لا اريد ان يكون قرار إبادتكم في يدي، لذا لمرة في حياتكم إستخدموا عقولكم في شئ مفيد…”

ثم اكمل بدون توقف، “سأعطيكم خيارين لا ثالث لهما: الأول هو ان تستسلموا و تتحولوا لخدم لدى امبراطورية البداية الحقيقية، لابد انكم تعرفوا ما هى واجبات الخدم، صحيح؟ الضعفاء منكم سيكون عليهم زراعة الارض و حرثها و جني الثمار و رعي الماشية و ما إلى ذلك، و الاقوياء سيساعدوا في الصناعة و البناء و المشاركة في الحروب. الجانب الجيد انه من يختار هذا سيكون لديه الحق في المطالبة بإمداد دائم من طاقة الحياة من الإمبراطورية، طبعاً ليس علي شرح اهمية طاقة الحياة لكم، انها افضل حتى ما اعطاه لكم الاب الشجرة يوماً، اما بالنسبة للجانب السئ، فلا يوجد ببساطة، ألم تكونوا تقوموا بهذه الاعمال لدى الاب الشجرة على اي حال؟”

ثم تحولت نبرته و ملامحه للحدة فجأة، ” اما الخيار الثاني فهو ببساطة الموت، بدون وجود الاب الشجرة ليمدكم بطاقة الحياة و يزيد اعدادكم بإستمرار فإبادتكم اسهل من اخذ الحلوى من طفل. و لا تعتقدوا انكم بالموت ستفلتون مني، لا لا.. سأجمع جثثكم و أطعمها لوحوشي لأقويهم. اياً يكن قراركم فأنا المستفيد، لذا نصيحتي هو ان تبحثوا عن خلاصكم. سأمهلكم ثلاث ساعات لأخذ القرار، من يريد تغيير ولاءه سيصطحبه جنود الإمبراطورية بعيداً عن الحصار، و من يريد اكمال القتال للنهاية فليبق في مكانه!”

*صمت…*

موجة الصياح و الغضب قبل قليل هدأت كلياً، حتى صوت الابرة لم يعد مسموع في الساحة.

روبين كان محق في شئ، البراعم يملكون روح بشرية في النهاية، الخوف و الرغبة في الحياة محفور عميقاً داخلهم، الان و قد رُسم امامهم طريق للنجاة لم يكن بوسعهم إلا التفكير جدياً..

بعضهم جرب مجدداً استثارة الجميع، و بعضهم عاد للنظر نحو جسد هوفنهايم يصرخ و يبكي و يطلبون منه اعطائهم اشارة انه حي… لكن لا حياة فيمن تنادي.

“تسك~ هذا سيأخذ وقتاً..” تمتم روبين عندما رأى هذا ثم ربت على كتف أليكساندر الواقف بجانبه، ” جهز طرق بين الحصار ليخرج منها من يشاء و جهز اماكن تنقلهم لها، انت تفهم في هذه الامور اكثر مني لذا سأتركها لك، بعدما تنتهي الساعات الثلاث إقض على من تبقى كلياً.”

“حاضر.” اومئ أليكساندر ثم ذهب ليعطي الاوامر يميناً ويساراً

اما روبين فتراجع حتى وجد بقعة جيدة و جلس فيها

عندما اخيراً تملص قيصر من مسؤولياته و جاء ليرى والده، وجده بالفعل دخل في حالة تأمل عميقة…

————————–

داخل نطاق روبين الروحي–

هذه المرة كان يقف تجسيد روبين الفضي الصغير امام شئ دخيل على نطاقه الروحي، كرة صغيرة بيضاء مبعوجة من الاجناب و مغلفة بطاقة روح فضية

هذه ليست اول عنصر دخيل يجد طريقه إلى نطاق روبين الروحي، بل في الحقيقة هو الثالث.. فسابقاً هوفنهايم ارتكب خطأً فادحاً عندما شق طريق غصباً بإستخدام قوته الروحي إلى الداخل و نتج عن ذلك تفجيره مما سهل الحرب و اوصل في النهاية إلى موته

و قبل ذلك ارسل المستبصر شظية من روحه إلى عقل روبين و التي بدورها إستقرت داخل نطاقه الروحي، الشظية حالياً مختبئة داخل النطاق و روبين يمكنه الشعور بها و بإستدعائها في اي وقت، لكنه يدرك انها ليست بالشئ الذي يمكنه العبث به حالياً فتجاهل وجودها كلياً، او على الاقل حتى يحتاج لإستدعاء المستبصر يوماً ما.

اما هذه الكرة الصغيرة، روح هوفنهايم المبدئية، فلها وضع خاص حيث انها اول غرض يجلبه روبين لنطاقه الروحي برضاه!

لكن ماذا يفعل بها…

لم يستغرق روبين الكثير حتى يرفع يده و يضعها على الكرة، ثم يقوم بتفعيل تقنية بحث الروح.

مع ان هوفنهايم اعطى الامر بالتدمير الذاتي و قتل نفسه إلا انه منع من التدمير كلياً، قد تكون روحه تضررت و وعيه قد فنى، إلا انه قد يجد بعض الذكريات العالقة!

و بالفعل بدأ البحث يجني بعض الثمار…

الدمار في الروح كان عشوائي جداً، روبين بسهولة وجد ذكريات جديدة و ذكريات تعود لـ 500 الف عام مضت، لكن كلهم غير كاملين كأنه يقرأ كتاب ملئ بالثقوب

لكن حتى قراءة كتاب ملئ بالثقوب سيعطي بعض المعلومات هنا و هناك… مثلاً روبين اخيراً فهم ما هو *العودة للأرض* التي ذكرها هوفنهايم اكثر من مرة في اخر لقاء معه

مخلوقات الترينت بطبيعتهم فعلاً مجرد نباتات تكتسب الوعي و يتتحول أفرعهم إلى رأس و اذرع بينهما تتحول الجذور إلى اقدام. لكن في النهاية حتى النباتات لها عُمر و فترة حياة محددة، لذا فالترينت الطبيعي مع انه يعيش لبضع اضعاف فترة حياة البشر العادية إلا انه يموت في النهاية، لم يذكر في التاريخ ان مخلوق ترينت عادي قد عاش لأكثر من 10 الاف عام غير مخلوقات الترينت العتيقة و الذين أسموا انفسهم لاحقاً الاباء الاشجار، او ما كانوا يعرفون بالترينت العتيق، هذا لغز ظل يعبث في عقول البشر على ظهر جرينلاند لفترة طويلة جداً لكن بلا جواب

إذاً ما هى قصة الترينت العتيق؟ انه مخلوقات ترينت عادية جنوا الوعي و عاشوا حياة ترينت عادية لكنهم في النهاية إكتشفوا طريقة يمكنهم بها مجدداً وضع جذورهم في الارض و التحول لشجرة مجدداً، لماذا؟ مع انهم يفقدون كل سبل الحركة و التواصل مع الاخرين يكون فقط من خلال وسيط إلا ان بهذه الطريقة يمكنهم الهرب من دورة حياة الترينت القصيرة و في نفس الوقت يحتفظوا بأرواحهم الذكية.

بقية مخلوقات الترينت كانت تنظر للترينت الذي يعود للأرض على انهم سلف و يجب تبجيلهم و اتتباع حكمتهم، لكن في النهاية كان هذا كل ما يجنيه الترينت العتيق، نظرة احترام و بعض العمر المديد عديم الهدف لذا لم يختر كل مخلوقات الترينت هذا الطريق… بالطبع العمر الطويل و الوعي اعطى الترينت العتيق فرصة للتأمل في الكون و التوحد مع العالم لدرجة معينة، إلا ان هذا كان كل شئ.

لهذا كان يسمع مخلوقات الترينت اوامر الترينت العتيق و يبجلونهم و يأخذون حكمتهم، لكن قليل جداً من كان يفكر في ان يصبح مثلاً، فما فائدة الحكمة و الارتباط بالعالم إن لم تكن تستطيع التحرك حتى؟ و هذا السبب وراء ان طوال تاريخ كوكب جرينلاند وصل عدد الترينت العتيقة إلى خمسون فقط قبل قيام الحرب

البشر و بقية المخلوقات الذكية كانوا يعرفوا بوجود مخلوقات الترينت العتيقة تلك، لكن لأنهم لم يروا احدهم من قبل او سمعوا بأن احدهم تحرك ليهاجم قبيلة بشرية او شئ كهذا، نسوا امرهم و لم يعتبروهم تهديداً

او كان هذا حتى اكتشفوا تدريب الطاقة على الاقل.

من Zeus

-+=