” عمالقة نيهاري كانوا دائماً… بشر؟” تمتم جابا بصوت منخفض و اراح ظهره للوراء بوجه مصدوم و غرق في التفكير، بدى و كأنه لم يسمع كلمة من التي قالها روبين بعد ذلك السطر
مع ان استنتاج روبين لم يكن بعيد جداً عن الخاص به، ففي النهاية استنتاج روبين يقول ايضاً ان البشر هم أصل بعض المخلوقات الذكية على الاقل، لكن شتان ما بين ما كان يريده الوصول له و ما وصل له روبين
جابا فعلاً كان يريد البحث في دم البشر *الأصلي* حتى يستكشف المزيد من خبايا الكون، بل و هو فعلاً وصل لنفس نظرية روبين ان هنالك شئ اخر هو المسؤول الفعلي عن تحديد المواصفات الحقيقية لكل نوع و خلال العامين اللذان تلى معركته مع سيد الحرب قضاهما يحاول استكشاف المزيد داخل دم البشر *الاصلي و الفريد*
لكن اتضح انه كان يمكنه البحث في دماءه ايضاً قبل معركة سيد الحرب، بما انه ايضاً انسان؟ هل حقاً كل ما قام به كان التجرد من المزايا التي اعطتها له الجزيئات المتغيرة الخاصة بعمالقة نيهاري؟ أليس هذا اشبه برجل يخلع دروعه و اسلحته و يدخل ساحة المعركة عاري لأن الجسد البشري هو الاصل؟ أكانت كل ابحاثه للا شئ حقاً؟!
…اما روبين فلم يقاطعه و تركه يواجه الحقيقة، لقد امضى سنوات و هو يسعى خلف شئ لكنه وُجه بحقيقة مختلفة، حتى لو كانت مختلفة قليلاً فقط فهى ما تزال غيرت كل احلامه، ثم عاد للنظر نحو الوعاء الذي يحتوي دم العفاريت بصمت…
الجزيئات المتغيرة في دماء العفاريت لا تُشكل اي نمط هى فقط مسؤولة عن تفكيك و إلتهام دماء الكائنات الذكية، مع انه لم يرى الحمض النووي الخاص بالعفاريت إلا ان عدم وجود انماط في دمائهم تعطي العفاريت ميزاتهم او شكلهم الغريب المختلف عن البشر يعني بطريقة او بأخرى ان هذا هو الشكل الاصلي لفصيلهم… انهم جنس حقيقي منفصل و مختلف كامل الاختلاف عن البشر و اشباه البشر، لكن مع ذلك و لسببٍ ما يبدو انهم خلقوا ليكونوا العدو الطبيعي للبشرية
ليس و كأن روبين لا يتفهم ان العفاريت عليهم ان يأكلوا، فالأغنياء من بين البشر و اشباه البشر يصرفون اموال طائلة لأكل لحوم الوحوش عالية المستوى، هنالك حتى اشباه بشر يأكلون اقربائهم كما يفعل العمالقة، سبب كبير لهذا هو أنها تزود أُلفتهم للطاقة الطبيعية و تساعدهم على انشاء أساسات الطاقة الصلبة بشكل اسرع.
ربما بالأمس فقط ما كان روبين يقدر على الاجابة عن سبب اعطاء لحوم الوحوش عالية المستوى هذه الفوائد للبشر، لكن الاجابة متاحة له الان، لقد رأى بعينه كل تلك الطاقة الدقيقة المتواجد في دماء الوحوش و بالتأكيد هنالك المزيد و المزيد في لحومها عظامها، ماذا ستكون وسيلة افضل للحصول على الطاقة من اكلها مباشرةً؟ خاصةً هذا النوع من الطاقة الذي تفتت و صُقل و اصبح سهل الامتصاص، لا عجب ان اكل اللحوم عالية المستوى تعطي هذا النوع من الفوائد!
لكن.. العفاريت لا تهتم للطاقة في الجسد، بل هى حرفياً تنقيها و تطردها، انهم يلهثون خلف الدماء نفسها!!
كل خطوة يخطوها في موضوع بحث الدم هذا تجعل قلبه ينقبض اكثر من ناحية العفاريت
“هيه~ مُعلمي، ارجوك اخبرني اني لم اضيع السنوات الماضية في البحث عبثاً.” فرك جابا المنطقة بين عينيه و تكلم بروح معنوية منخفضة
ابعد روبين عينه عن وعاء دم العفاريت و رفع حاجبيه نحو جابا، ” هل انت احمق؟ لقد اكتشفت طريق للبحث لا يقل اهمية عن البحث في القوانين السماوية، لو تمكنت من التحكم في حركة و شكل تلك الجزيئات المتغيرة بطريقةٍ ما فلن يكون هنالك مرض تعجز عن هزمه او جنس تعجز عن تدميره، هذه الجزيئات تريك بوضوح قوة و نقاط ضعف كل الاجناس. لا يمكنني حتى البدأ في حصر عدد التطبيقات التي يمكننا استخدام هذه المعرفة فيها!”
“اجل… يمكننا ان نصنع اجناس جديدة و نبدأ عصر الهندسة الوراثية!”” عاد الحماسة لوجه جابا
*باا* لطم روبين على جبهته عندما سمع هذا
“..هل قلت شئ خاطئ؟”
تنهد روبين، ” تصنع اجناس جديدة؟ هل ستلعب دور العالم المجنون الان ام تظن نفسك اصبحت إله؟ اخرج هذه الفكرة من رأسك تماماً، وظيفتنا كباحثين هى ايجاد الحقائق و الإستفادة منها لصالح سلام البشرية – و لبعض المصالح الشخصية طبعاً – لكن قطعاً لا يمكننا العبث في ما لا نفقه فيه. ألم تتوقف لحظة لتسأل نفسك ما هى هذه الجزيئات اساساً و لماذا شكلت هذه الانماط شديدة الدقة؟ أهذا شئ يمكن ان يأتي من العدم او بمحض صدفة؟ هل ظننت ان تلك الجزيئات صنعت نفسها ذات يوم و عملوا اجتماع مغلق قرروا فيه انهم سيقوموا بهذه الوظيفة؟!”
“انت تقول..؟” رفع جابا حاجبيه قليلاً
“أقول ان لا تعبث في ما لا تفهمه حتى نعرف ما يجري حولنا.” لوح روبين و اغلق الموضوع
حك جابا رأسه قليلاً هو فعلاً ظن ان تلك الجزيئات مجرد تحورات و انتهى الامر، و مع انه لم يقل هذا بصوت عالٍ إلى انه ما يزال متمسك برأيه، “…هل يمكنني على الاقل ان ارجع بضع اشخاص لأصلهم كما حدث معي؟ اريد ان ارى التغيرات الحاصلة كمراقب لأخذ فكرة افضل عن المجال.”
قهقه روبين بصوت منخفض، ” مع اني لم اجربه إلا انه يمكنني تخيل مقدار الالم الذي مررت به اثناء تفجير كل تلك الجزيئات في جسدك و اجبارك لتلك الطاقة الهائلة على البقاء داخل جسدك لأكثر من نصف ساعة حتى إكتملت العملية، اخبرني.. كم شخص يمكنه تكرار ما فعلت؟”
“هذا…” لم يجد جابا من يقوله، لقد تماسك طيلة هذه الفترة اولاً لأنه لديه جسد شخص في قمة نطاق تنين، ثانياً بسبب قوة ارادته القوية للنجاح، ثالثاً بسبب مسؤوليته اتجاه الفيلق السادس و خوفه ان موته سيسحبهم معه
لو فعل فعلاً الانفجار الناتج كان سيكون كافٍ لمسح المنطقة بمن فيها…
كم شخص يمكنه تكرار تلك العملية؟ هنالك بالتأكيد بضع اشخاص، لكن من منهم سيرضى على اختبار شئ كهذا، و لماذا سيوافق اساساً على التحول لبشري؟ و بالفرض انه اسر شخص و اجبره على القيام بتلك التجربة فوعيه سينهار بسبب الالم و فقدان الهدف و سيحدث انفجار هائل!
ببساطة، ما حدث لجابا غير قابل للتكرار مجدداً.
بعد القليل من التفكير نفخ جابا، “… إذاً اسمح لي ان اكمل البحث في مجال الدم، اريد الوصول تحسين التقنيتين للوصول لنتيجة افضل تجعل التحول اكثر سهولة.”
” لك ذلك، لكن لا تقتصر في بحثك على تحسين التقنيتين فقط، لا ترتكب نفس خطئي و تُحد من افاقك بيدك، حسناً؟” اومئ روبين مبتسماً، ” بالمرة اريد منك خدمة.”
“تم التنفيذ!!” صاح جابا
ضحك روبين، ” هلا سمعتها اولاً؟ اريدك ان تختار فريق مكون من بضع باحثين وكيميائيين و اي شخص شهير نسبياً في اي نوع من فروع العلم و اجعلهم يساعدوك في ابحاثك عن الدم، لكن لدي طلبات اخرى عليكم القيام بها ايضاً، اولاً عليكم بتجميع كتب عن النباتات و الموارد في الكواكب الاربعة و ترشيح طرق مناسبة لإستعمالها، ثانياً تطوير فرع صنع الحبوب و العقاقير، ثالثاً اريد منكم ايضاً ان تجدوا طريقة مناسبة لإستخدام جثث البراعم التي جمعناها بدلاً من مجرد تحويلها لطعام للدراكو.”
شعر روبين بالسعادة و هو يقول تلك الكلمات، ان يكون لديه تلميذ يمثله و فريق يبحثون معاً عن اسرار الكون، هذا كان حلم يتحول لحقيقة!
مؤخراً كلما فكر في بحث عليه القيام به يشعر بالثقل، ليس لأنه يكره بالأبحاث، بالعكس لقد كان هذا هو هدف حياته، بل لأن هنالك اشياء كثيرة عليه القيام بها بسرعة و هو يقوم بكل شئ بمفرده
لكن ظهور جابا الان اخيراً هذا خفف الحمل الثقيل…
“همم، اصعب عنصر في هذه المهمة سيكون جمع الفريق المناسب، اما المهمات الثلاث فهم يكملون بعضهم البعض بطريقةٍ ما.” فرق جابا ذقنه لبضع ثوانٍ، ” اعطني 6 اشهر و سيكون الفريق جاهز! لكن.. ماذا عن قيادتي للفيلق السادس؟”
“سنجد لهم جينرال جديد.”
“….موافق.” مع ان جابا شعر ببعض الندم من الافتراق عن القوات التي جمعها و دربها لسنوات إلا انه في النهاية هذا لم يكن حلمه و هدفه النهائي، لو اراد القتال و قيادة الجنود لما تبع روبين من البداية
“جيد!” ضرب روبين على فخذه ثم وقف و توجه نحو باب الخيمة، ” هيا بنا، لقد حبست نفسك هنا طويلاً بما يكفي.”
“إلى اين سنذهب؟” وقف جابا بسرعة و اسرع وراء معلمه
إبتسامة كبيرة ظهرت على وجه روبين، ” لنلقي التحية على هوفنهايم بالطبع، لقد طالت الحرب بما يكفي.”
تعليق زيوسي/ اعتذر عن عدم النشر بالأمس بسبب مشكلة في الموقع، ترقبوا فصل ثاني اليوم بإذن الله
الموضوع التاليالموضوع السابق