533 -من إنسان لإنسان

“إذاً..؟” بعد عدة ثوانٍ روبين اشار بيديه كأنه يطلب شئ

“إذاً ماذا؟”

“إذاً هل تنوي اعطائي التقنيتين الجديدتين ام لا؟” سأل روبين بحواجب مرفوعة و ابتسامة كبيرة

“اوه!” فزع جابا من مكان و قام لجلب لوحين معدنيين فارغين، ثم ادخل حسه الروحي فيهم لبضع دقائق قبل ان يمررهما لمُعلمه، ” هذا اللوح يحتوي على التقنية التي إستخدمتها للتحكم في الطاقة داخل دمي على المستوي الجزيئي و اجبارها على تدمير الجزيئات المتغيرة، أسميتها تقنية تحكم الطاقة الفائق. اما هذا اللوح فيحتوي على التقنية التي إستعملتها لحبس الطاقة الفائضة داخل جسدي، اعتقد ان اسم تقنية حبس الطاقة اسم مناسب؟”

اخذ روبين اللوحين و ادخل حسه الروحي فيهما و اغلق عينه لبضع دقائق، ” همم، يمكن القول انهما عمل متقن على اقل تقدير، خاصة تقنية تحكم الطاقة الفائق فعلاً ممتازة من حيث المبدأ، حتى لو وضعنا موضوع تدمير الجزيئات المتغيرة على الجانب حالياً، هذه التقنية يمكن إستعمالها لأغراض لا حصر لها، لكن للأسف هى ليست كاملة؟ مذكور انك إستخدمت العصارة من جزع شجرة تدعى غسق الارض من اجل ان تدخل في حالة تسمح لك بالشعور بحركة الطاقة في جسدك بشكل افضل؟ حتى تقنية حبس الطاقة انت استعملت غبار معدن معين من اجل سد مسام جسدك و استخدمت زهور الزيبق الصفراء من اجل اعطاء مرونة لشرايينك حتى لا تنفجر بشكل فوري.”

” لو لم افعل هذا لطال الانتظار حتى اصل لنفس النتيجة و ربما ما كنت لأصل لها، مثلاً انا حاولت كثيراً و بشتى الطرق السيطرة على طاقتي على المستوى الجزيئي لكن بلا فائدة، عندها سألت في الارجاء و علمت ان هنالك شجرة في كوكب جرينلاند يستخدم المحليين لحائها قبيل محاولتهم للإختراق للنطاق الاعلى لأنها تعطيهم شعور بالنشوة يجعلهم قادرين على الشعور بكل شئ يحدث في اجسادهم بشكل افضل، و ها هو ذا..” اومئ جابا ثم قام بإخراج قارورة تحتوي على عصارة لحاء شجرة غسق الارض من خاتمه، ” ثانياً يا مُعلمي لا اقصد تصحيحك، لكن لماذا تقول انها غير مكتملة؟ حسب تعريفي فإكتمال التقنية يكون عند إستعمالها للغرض الذي صممت لأجله لنجاح، ما المشكلة إن إستعنا بعنصر خارجي؟ ما الفارق الذي تمثله طالما النتيجة واحدة؟ المهم هو الغاية و ليس الوسيلة.”

اسند روبين رأسه على قبضته اليمنى و نظر نحو جابا للحظات قبل ان يتنهد و يومئ، ” معك حق، ربما افقي كان ضيق جداً في هذا الشأن، المهم الغاية و ليس الوسيلة، يا لها من جملة جيدة، ربما فعلاً علي تغيير نظرتي نحو بقية ابحاثي ايضاً… معرفتي بالمواد و النباتات سطحية جداً و تفكيري مٌنصب على الانماط فقط، لو إستخدمت هذه الموارد الطبيعية ستتوسع دائرة ابتكاراتي بشكل كبير، ربما التقنيات التي تستغرقني عشر سنوات سأحتاج لها 3 سنوات فقط.”

قهقه جابا بفخر و نظرته نحو معلمه إزدادت احتراماً بشكل واضح، ليس من السهل ان يعترف الشخص بخطئه، خاصة امام تلميذه!

“إذاً بعدما سمعت كل شئ و عرفت الوضع الحالي، هل تظن ان نظريتي عن اصل كل الكائنات الذكية و بناء الكوكب المحبوبين هو الجنس البشري كما اخبرتك؟” ضغط جابا مجدداً، سماع المدح اصبح ادماناً بالنسبة له!!

صمت روبين لبضع ثوان قبل ان يفتح فمه اخيراً، “… هذا سؤال لا يمكن تقريره بنعم او لا في جلسة كهذه بل يحتاج لبحث طويل. نظريتك مبنية على ان البشر هم اصل الكائنات الذكية لأنهم لا يملكون الجزيئات المتغيرة، و انك طبعاً تحولت لبشري عندما أزلنا منك تلك الجزيئات المتغيرة، لكن هذا لا يعني ان البشر هم اصل الكائنات الذكية بل يعني فقط اننا اقرب لنموذج اولي بدون اضافات!!

ثم اضاف، “جزيئات الطاقة المنتظمة وحدها لا تصنع اي فارق في الجسد او الطباع بل هى مجرد ممرات للطاقة، انا واثق انه حتى لو دُمرت تلك الجزيئات بالكامل فما سيحدث هو ان الشخص سيعجز عن استخدام طاقته بحرية و سيكون اخراجها من مركز تجمع الطاقة امر صعب فحسب، انظر مثلاً للعفاريت هم لا يملكون تلك الجزيئات المنتظمة و لهذا إستعمالهم لنظام الطاقة الداخلي محدود جداً مقارنةً بباقي الاجناس لكنهم ما يزالوا يمكنهم استعماله. حتى لو افترضنا اسوأ الاحوال، سيتحول الشخص إلى معاق بالكامل من ناحية استخدام الطاقة. لكن بالطبع سيظل الشخص انسان طبيعي، ربما يكون فانٍ، لكنه سيظل انسان… من هنا يمكننا الاستنتاج ان هنالك شئ اخر يحدد ما هو الانسان!

“دعني ازيدك سبب اخر، بالفرض اننا وجدنا طريقة لتدمير الجزيئات المتغيرة لدى الوحوش، مثلاً وحش من فصيل الأسود، أتحسب انه سيتحول لإنسان ايضاً؟ على الاغلب صفاته ستتغير و ربما يتحول من اسد لقطة صغيرة او حتى وحش عظيم، لكن قطعاً لن يتحول لإنسان بل سيبق في فصيلة السنوريات! نفس الكلام ينطبق على الاباء الاشجار، او مخلوقات الترينت، أليسوا مخلوقات ذكية ايضاً؟ إلا انهم مجرد اشجار حصلت على وعي لاحقاً، هل نزع الجزيئات المتغيرة منهم سيحول تلك الاشجار لبشر؟” هز روبين رأسه نافياً

تدخل جابا بسرعة، ” لكن هذا لا ينفي نظريتي صحيح؟ لقد كنت من جنس عمالقة نيهاري طوال حياتي و تحولت لإنسان بمجرد تدمير جزيئاتي المتغيرة، ألا يعني هذا ان الجنس البشري هو اصل عدد من الكائنات الذكية على الاقل؟”

روبين ظل صامتاً لفترة ثم اخيراً فتح فمه مجدداً، “…حسب ما اراه انا هنالك بالتأكيد شئ يختبئ عميقاً داخل جسم الكائن الحي، ذلك الشئ دقيق جداً لدرجة ان حجم الجزيئات المتغيرة يعتبر ضخم كالكواكب بالنسبة له و لا يمكنني رؤيته بقوة عيني الحالية مهما حاولت، فالنطلق على ذلك الشئ لقب الحمض النووي للأن، هذا الحمض هو المسؤول الحقيقي عن تركيبة الفصائل، بينما الجزيئات المتغيرة مجرد دخيل يغير في تلك الصفات سواء للأسوأ او الافضل.

“بإختصار شديد: تدمير الجزيئات المتغيرة يرجع الكائن إلى صورته الحقيقية، الصورة التي يحددها له الحمض النووي، في حالتك فأنت رجعت لصورتك الحقيقية فحسب، إنسان. روبين بعدها هز رأسه بضع مرات،” اعلم انك تريدني ان اقول ان الجنس البشري هو الأصل و هذا يعني اننا الافضل و انك الان لديك خبايا تدرسها او شئ كهذا، لكن للأسف انت لم تتحول للجنس المحبوب من الكوكب او تصبح كيان غامض يجب البحث في امره، انت دائماً كنت انسان لكن تلك الجزيئات المتغيرة عبثت بجسدك و اجساد كل العمالقة و بقية الاجناس واهمةً الجميع انهم اجناس مختلفة عن البشر، اعتذر يا جابا عن تدمير حلمك لكنك لم تغير جنسك، انت فقط دمرت ما كان يعطيك بعض الميزات الإضافية و عدت لتكون بشري عاري.”

ثم ضحك و ضرب جابا المذهول على كتفه، “لكن إبتهج! على الاقل الان نعرف السبب وراء كون البشر موجودين في كل الكواكب و هو اننا ببساطة النسخة العارية التي يتم تحسينها لاحقاً عن اضافة تلك الجزيئات، هذا خيط يستحق الامساك به بما ان هذا النوع من التغيرات يستحيل ان يكون عشوائي، إن سألتني من يقوم بها سأقول ان المتهم الاول هو روح الكوكب او على الاقل روح الكوكب تعرف الفاعل بالتأكيد، السؤال هو لماذا… همم، اوه! كما اننا ايضاً اكتشفنا السبب الذي يجعل البشر يبتكروا نظام الطاقة الداخلي دائماً و هو ان اجسادهم صافية لا يوجد انماط تلعب فيها لهذا هم الاقرب للطاقة الطبيعية و يمكن القول انهم الاصفى ذهناً و ايضاً اسهل هدف يسهل التأثيرعليه من روح الكوكب ما إن اراد منح قدرات خاصة للأطفال في بطون امهاتهم كما حدث في حالتي، فأجساد البشر خالية من أي تعقيدات قوانين و بالتالي يسهل اضافة المزايا لها. أترى؟ تجاربك وضعتنا على طريق جديد يمكننا البحث وراءه فلا داعي للحزن هيهي.”