“تسك~” وضع روبين الوعاء الذي يحتوي دماء عمالقة نيهاري جانباً وركز على الوعاء التالي بعدما اخذ بضع انفاس طويلة، “…اطراف طويلة و سيولة اكبر في توزيع و امتصاص الطاقة الروحية، هذه العينة تعود لجنس النجميين، لهذا إذاً معظمهم إمتهنوا الصناعات التي تعتمد على قوة الروح مثل رسم الطلاسم و الوشوم الإلهية بعدما أخرجت تلك المهن للعلن، حتى يومنا هذا هم ما يزال لديهم افضلية في هذه الصناعات اكثر من البشر مع ان التقنيات التي صنعتها كانت مخصصة للبشر!”

رفع روبين حاجبيه و اخذ ينقر على ذقنه لبضع دقائق، ما رأى حتى الان غير تفكير بشكل كبير عن الاختلافات بين الاجناس، فقط من خلال ما رأى حتى الان و بدون عمل دراسات مطولة يمكنه صنع عدة تقنيات تلائم احد الاجناس الثلاثة و تخرج افضل ما فيه! …لكن المشكلة ان تعبه سيكون موجه لجنس بعينه لن يستفيد منها بقية رعاياه.

مثلاً لو صنع تقنية تستهدف زيادة فاعلية جزء النقش الذي ينقل طاقة الروح عند النجميين يمكنه بسهولة ان يصنع فرقة نخبة من اسياد الطلاسم قادرين على تخطي حدودهم الحالية بمراحل، بل يمكنه ان يقوم بتكريس بعض الوقت لإنشاء تقنيات روح هجومية و يكون لديه فيلق كامل من خبراء الروح، هو نفسه شعر بأهمية قوة الروح في قتاله ضد هوفنهايم… لكن في نفس تلك التقنية قطعاً لن يكون لها تأثير على العمالقة مثلاً، و قد يكون لها تأثير بسيط على الاقزام

بالطبع الحصول على فرقة كاملة من النجميين المتخصصين في الهجمات الروحية يستحق العناء حتى إن لم تستطع بقية الاجناس استخدام تلك التقنيات، لكنها ايضاً حلم بعيد المنال حالياً.. فهو لا يملك سُلطة على جنس النجميين بالكامل، هو بالكاد لديه بضع عشرات رجل نجمي في فرقة اسياد النقوش و هم غابوا عن بيتهم لعشر سنوات تقريباً و يريدون المغادرة بكل وضوح، و لم يعد بإمكانه إستدعاء المزيد منهم بسبب قطع روابطه مع عشيرة اتحاد نيهاري

لكن حتى لو كان له تحكم حقيقي عليهم في الوقت الحالي، هل تقوية جنس كامل عبر استهداف نسل دمه شئ يجب عليه فعله حقاً؟ ماذا سيحدث بعد عدة اجيال عندما يصل النجميين لدرجة عالية من قوة الروح، هل سيتمكن من التحكم بهم ايضاً وقتها؟

عندها فكر روبين في شئ و فتح عيناه على اخرهما… *أهذا ما إستند عليه مختار السماء الاول في صنع اول وشم إلهي لتقوية الجسد؟!*

بالتفكير في الامر، وشم تقوية الجسد الإلهي مطابق لجزء من النمط الذي رآه في دم العمالقة، مع انه لا يحمل النمط كله لأن النمط موجود داخل الدم ضخم بمعنى الكلمة، إلا انه وشم تقوية الجسد يقوم بوضوح بإستهداف و تقوية عدة اجزاء من النمط خاصةً الركن الذي يخزن الطاقة في العضلات

هنالك عدة اركان اخرى في وشم تقوية الجسد مبتكرة فعلاً مثل وجود نقش لسحب الطاقة من المحيط او وجود نقش يجعل الطاقة التي تدخل العضلات تتخزن و تتصلب فيها… لكن بشكل عام اكثر من نصف الوشم بلا محالة جاء نسخ لصق من النمط في الدم!

لا يذكر روبين كم مرة توقف عند هذه النقطة في السابق: لقد ابتكر البشر نظام الطاقة الداخلي في كوكب نيهاري، لماذا غير مختار السماء الاول كل شئ و اخذ مسار مختلف كمسار الوشوم الإلهية التي تفيد جنس العمالقة فقط؟ بل كيف فكر في شئ كوشم تقوية الجسد المكون من عدد كبير من القوانين الجسدية الثانوية و دمجهم اساساً؟ في ذلك الوقت مدح روبين مختار السماء الاول بأنه عبقري بعدما قام بتفكيك شيفرة نقوش وشم تقوية الجسد الالهي و كشف مدى التعقيد فيه، لكن الان…
التاريخ يقول ان مختار السماء الاول كان رجل منعزل يهتم بالابحاث قبل ان يصبح مختار سماء، أكانت ابحاثه قبل اختيار الحقيقة له كانت تتعلق بالدم و الإختلاف بين الاجناس؟!

لو كان هذا صحيح فكل شئ اصبح واضح جداً الان، تحت وطئة الحرب المشتعلة بين العشرات من الاجناس المختلفة في نيهاري آن ذاك قرر مختار السماء الاول ان يصنع نظام طاقة يستفيد به العمالقة وحدهم و لا يكرر خطأ جنس البشر الذي صنعوا نظام الطاقة الداخلي الذي يلائم الجميع و في النهاية سُرق منهم و تسرب كل شئ، فقط عندما يصنع نظام مخصص لجنس معين لن تكون هنالك فائدة لبقية الاجناس حتى لو تسرب!

*لحظة…* عقد روبين حاجبيه قليلاً قبل ان يرفعهما للأعلى و تعتليه ملامح الدهشة، *مختار السماء الاول كان يبحث في الاختلاف بين الاجناس، هذا منطقي بما انه يوجد حرب بين اجناس متعددة و هو يرغب بإيجاد نقطة ضعف فيهم، لكن هو قطعاً لم يرى انماط الدم قبل ان يحصل على عين الحقيقة، اقصى شئ يمكنه الوصول له هو رؤية تلك الجزيئات المختلفة… كيف و لماذا اختاره قانون الحقيقة السيادي؟ أليست الحقيقة حكر على إستكشاف القوانين السماوي؟*

شعر روبين ان عقله اصيب بصاعقة صغيرة في هذه اللحظة، منذ بدأ طريقه في ذلك الكهف و هو يعتمد على دراسة القوانين السماوية ليصل لفهم اعلى لحقيقة الكون، و إتتبع نفسه الطريقة مع تلميذه الوحيد جابا و حاول ان يحشر رأسه بعدد هائل من القوانين السماوية، و بالفعل في النهاية حقك اختراقه بفضل تجسيد القوانين و البؤر

لا انتظر… جابا ظل يدرس الدماء لفترة طويلة قبل ان يحظى بفرصة رؤية تجسيدات و بؤر القوانين، هل بحث الدماء هو ما دفعه للأمام أكثر، و كانت التجسيدات و بؤر القوانين هى القشة الاخيرة في المعادلة؟

سحقاً… إتضح ان السعي وراء القوانين السماوية بشكل مباشر ليس الطريقة الوحيدة؟ هل يعقل ان إستكشاف اصول الاجناس هدف سامٍ ايضاً و يوصل لنفس النتيجة؟

حتى هذه اللحظة ظن روبين ان مطاردة القوانين هو الاصل و اي شئ اخر هو مجرد عمل جانبي لملئ وقت فراغه و تقوية جيشه، لكن ربما الطرق الموصلة للحقيقة ليست واحد في النهاية

*الحقيقة… الحقيقة… حقيقة ماذا؟* هز روبين رأسه برفق مع إبتسامة مليئة بسخرية الذات على وجهه

يبدو انه إستخف كثيراً بقانون الحقيقة السيادي، مجدداً.

استمر جابا في المراقبة من الجانب بدون قول كلمة، مع ان روبين لم يقل شيئاً إلا ان تعابير وجهه التي تتغير كل دقيقة قالت بما يكفي لذا لم يرد ان يقطع حبل افكاره بكلمة طائشة

فقط بعد حوالي ربع ساعة اخرى تنهد روبين و انحنى مجدداً ليستكشف اخر وعاء، الوعاء الذي يحتوي الدم البشري…

مع ان نظرته الجديدة لقانون الحقيقة السيادي شغلت رأسه بشكل كبير، إلا ان الفضول الناتج عن معرفة مميزات الجنس البشر و كيف يمكنه إستهداف خواصهم لتقويتهم اكثر قد ربحت في النهاية.

فلو تمكن من اكتشاف تقوية يمكنها تقوية البشر فقط كما فعل مختار السماء الاول مع عمالقة نيهاري فسيكون لديه اخيراً طريق واضح يمشي فيه، قد يتمكن من حل مشكلة فقدان الموهبة التي تواجد العوام في كوكب يورا، فُرصه في الحرب الهائلة القادمة ستزداد اضعافاً

و ايضاً سيأخذ المزيد من الخطوات بإتجاه مساره الثابت و لن يحيد بما انه اتضح ان بحث الدماء ايضاً يزيد فهم الحقيقة!

لكن بعدما ألقى روبين اول نظرة في الوعاء الذي يحتوي الدم البشر، تعبير مزيج من الصدمة و خيبة الامل و الغضب ظهر على وجهه، ثم نظره نحو جابا و صاح، ” ما الذي يعنيه هذا بحق الجحيم؟!”

من Zeus

-+=