رفع روبين حاجباه قليلاً و نظر لبضع ثوان نحو جابا، قبل ان يترك حجر القمر الكاشف على الطاولة و يركز نظره على وعاء عشوائي بعيناه الذهبيتان

مع انه لم لم يستخدم عيناه من قبل من اجل غرض كالتكبير و رؤية الجزئيات الصغيرة كثيراً في الماضي لأنه لم يحتاج لفعل شئ كهذا، إلا انه كان لديه ثقة مطلقة ان عيناه قادرتين على الوصول لدرجة التركيز المطلوبة، إن كانت عينه قادرة على رؤية النقوش التي لا يقدر عموم الكائنات الحية على رؤيتها، هل ستكون هنالك مشكلة لو جعلت بصره اقوى؟

هو تمكن من زيادة قوة بصره عدة مرات سابقاً في ساحات المعارك، لكن تأثير هذه القدرة كان محدود جداً، فقط ليرى ما يحدث في احد اجنحة الجيش بشكل افضل فحسب. اما عن إستخدامها في الإستكشاف عن بعد فهذا مستحيل، التضاريس الكثيرة و كروية الكوكب تجعل إستخدام هذا النوع من القدرات في الاستكشاف محدودة ايضاً

…بعد ان ركز روبين بالكامل على الوعاء لحوالي دقيقة كاملة يحاول حث عينه على إطاعته، بالفعل بدأت رؤيته تتغير تدريجياً…

الصورة امامه تحولت من وعاء ملئ بسائل احمر موضوع على طاولة خشبية، إلى عالم لا يوجد به شئ سوى الدم، لكنه ما يزال لا يرى سوى سائل عديم الملامح

بعد دقيقة اخرى من التركيز و إيصال دقة اختراق بصره لتكون اقوى لمئات اضعاف قوتها العادية، اخيراً الصورة امامه بدأت تتغير، كرات دموية حمراء و اخرى بيضاء و صفائح دموية و سائل تسبح فيه كل تلك العناصر، بنظرة واحدة تمكن روبين من تحديد اسم و فائدة كل ما يراه

مع ان كوكب يورا لم يكن متقدم جداً فيما يخص العلوم إلا انه ما يزال لديهم بعض التقدم فيما يخص صناعة الحبوب و دراسة الكائنات الحية و الطب و لديهم اشياء اغراض تشبه حجر القمر الكاشف يمكنهم بها عمل دراسات جزيئية، لذا فمعرفة مكونات الدم لم يكن بالسر ابداً، لهذا روبين تفاجئ عندما طلب منه جابا دراسة مكونات الدم

لكنه لم يقل شيئاً و حاول مجدداً تقوية نظرة اكبر و يبحث عن شئ اخر، بمعرفته بجابا هو قطعاً لن يطلب منه شئ تافه ليضيع به وقته، هنالك بالتأكيد شئ هنا لم يلحظه احد من قبل

“هممم؟” بعدما اوصل روبين قوة اختراق بصره لتصل لبضع آلاف اضعاف البصر الطبيعي للبشر، هنالك شئ اخر اخيراً ظهر امامه…

كان هنالك جزيئات دائرية دقيقة جداً مصطفة بإنتظام شديد و على ابعاد متطابقة كأنهم جنود مصطفون في كتيبة، و بين هذه الجزيئات الدائرية يوجد جزيئات اخرى اكبر حجماً و مليئة بالنتوءات، تتحرك بحرية بين فراغات الجزئيات الدائرية المنتظمة

عند التركيز اكثر قليلاً تمكن روبين من رصد خيط دقيق من الطاقة الطبيعية، الطاقة في الدماء كانت خافتة جداً لدرجة انها كانت على وشك الاختفاء، ربما لأن جابا سحب هذه العينات من فترة طويلة…

هذا لم يفاجئ روبين كثيراً، فلا يوجد جهاز معين في الجسد مخصص لنقل الطاقة من مركز تجمع الطاقة لباقي الجسد حتى يتم إستغلالها لذا تتحرك الطاقة من خلال الشرايين و الاوردة المخصصة لنقل الدم

ما جذب انتباه روبين فعلاً ليس خيط الطاقة الطبيعية نفسه، بل انه رأه يتحرك على امتداد صفوف الجزيئات الدائرية المنتظمة بشكل سلس حتى تقوم احد الجزئيات الاكبر المليئة بالنتوء بجذب تلك الطاقة نحوها لجزء من الثانية، قبل ان يعود خيط الطاقة ليكمل طريقه مجدداً على مساره المنتظم حتى يصطدم بجزئ اخر فتتكرر العملية

ما يراه روبين الان فكره كثيراً بالقيثارة، حيث ان الجزيئات الدائرية المنتظمة تشبه خيوط القيثارة بينما الجزيئات الاكبر المليئة بالنتوء اخذت مكان اليد البشرية التي تقوم بثني هذه الخيوط للحظة قبل ان ترجع لمكانها!

يمكن تشبييها ايضاً بصف من الجنود، اخر جندي في الصف يقوم بتمرير سلاحه للجندي الذي امامه و هكذا حتى السلاح للجندي رقم 4 من الخلف مثلاً، بعدها يأتي ضابط خارج الصف و يأخذ ذلك السلاح عنوة من الجندي ليتفقده، ثم يعيده للجندي مجدداً و يكمل السلاح طريقه للأمام، حتى يأتي ضابط اخر ليفحصه مجدداً… في هذا التشبيه فالجنود هم الجزيئات المنتظمة، السلاح هو ضفيرة الطاقة، و الضباط هم الجزيئات الكبيرة ذات النتوءات!

عندما إلتقط روبين ما يحدث تغيرت معالم وجهه و أمال جسده للأمام قليلاً ليركز اكثر و ظل على هذا الحال لبضع دقائق، حتى رفع حاجباه مندهشاً… بعد متابعة عمل تلك الجزيئات لفترة طويلة أيقن روبين ان طريقة تحرك خيط الطاقة ليس عشوائي، بل تحركات الجزيئات الكبيرة المليئة بالنتوء يمكن القول انها دقيقة جداً، هذه العملية معاً تشكل نمط ضخم و شديد التعقيد!

“هذا النمط…” تمتم روبين و هو ينقر على الطاولة بتوتر و حماس، “… هذا ليس نمط قانون سماوي معين لكن حركات الطاقة بين الجزيئات تشكل نمط عام مكون من اجزاء من عدد كبير من القوانين السماوية، هنالك العديد من الميزات التي يمنحها هذا النمط لصاحبه و سيتحتم علي قضاء بعض الوقت لإستخراجها كلها، لكن بشكل مبدئي و إن لم اكن مخطئ فصاحب هذا الدم لديه مقاومة عالية ضد النار و جلد خشن يتحمل درجات عالية من الضغط و قوة ذراعين كبيرة، أعينة الدم هذه جائت تخص جنس الاقزام؟ لا عجب ان لديهم ميل كبير نحو مهنة الحدادة…”

“…أمكنك معرفة هذا بمجرد النظر للدم لمرة واحدة؟” حتى جابا رد بإندهاش بادٍ، هو اخبره بأن هذه الاوعية تحتوي على دماء البشر و العمالقة و الاقزام و النجميين لكنه لم يقل أي واحد في أي وعاء، لكن روبين عرف لأي دم يعود الوعاء بكل سهولة

كما انه و بمساعدة عدة احجار قمر كاشفة تمكن من خيوط الطاقة و الجزيئات المختلفة لكنه لم يرصد اي نمط معين، و بالتأكيد لم يستطع رصد الاشياء التي يؤثر عليها النمط!

لم يرد روبين على تساؤل جابا و حول نظره بسرعة نحو وعاء اخر ليكرر نفس العمل

مجدداً في هذا الوعاء وجد نفس صفوف الجزيئات الدائرية المنتظمة تبدو مثل اللآلئ و رأى خيوط الطاقة تسير عليها بنفس الشكل، لكن بينهم الجزيئات التي تتحرك بين صفوف الجزيئات الدائرية المنتظمة و تجذب خيوط الطاقة نحوها كانت اضخم بكثير و حركتها كانت مختلفة تماماً عن الجزيئات المليئة بالنتوءات في دماء الاقزام، كما انها كانت تحتفظ بالطاقة لفترة اطول بكثير قبل ان تعيدها لصفوف الجزيئات الدائرية المنتظمة

“…هذه العينة تحتوي على انماط تسبب عملقة في الجسد و تركيز طبيعي عالي للطاقة في الجلد و العضلات مما يسبب اللون الازرق، و يوجد ركن من النمط لديه تأثير مباشر على الذهن معطياً إحساس بالغطرسة و حب النفس. حب النفس ينتج عنه في النهاية إزدراء من كل ما هو مختلف و ميل طبيعي نحو الخيانة، لا عجب… هذا هو دمك قبل قتالك ضد هوفنهايم، دم عمالقة نيهاري.” تكلم روبين، لكن هذه المرة لم يبدو عليه الحماسة، بل بدى و كأنه تذكر شئ جعل عروق جبهته ينتفض من الغضب للحظة.

ثم لم يضف روبين كلمة اخرى و نقل نظره نحو الوعاء الثالث. جابا كان على وشك قول شئ عندما رأى الغضب الذي ظهر للحظة على وجه معلمه، لكنه اكتفى بعقد حاجبيه قليلاً عندما رآه انتقل للوعاء التالي.

من Zeus

-+=