“قطعة أرض 100 متر مربع؟ هاه~ أنا أعرفك منذ زمن يا فريد، لكنك تصدمني بقلة طموحك بين كل حين و آخر. لكن ماذا أتوقّع من أحمق كل همه هو أن يتفاخر أمام أولاده بالدرع الذهبي؟ هل سيطعمهم الدرع و يسقيهم؟” الجندي المدعو راي هزّ رأسه و قال ساخراً.

“همم؟ قلة طموح؟ ألم تكن أنت من قال أنك تريد قطعة أرض لعينة؟ لحظة… أيعقل أنك تريد أن تكون نبيلاً؟” رفع فريد رأسه قليلاً و قال بنبرة متعجبة و مشككة في نفس الوقت.

كوكب جرينلاند… إنه الطموح و الأمل بالنسبة لكل الذين وُلدوا في العوام في يورا، لماذا؟ لأنهم لم يملكوا قطعة أرض في حياتهم.

نظام توزيع الأراضي في كوكب يورا ككل يعتمد على توزيع النبلاء و ليس الملكية الخاصة… مثلاً، البارون يملك 10 آلاف كيلومتر مربع من الأراضي، و كل من يريد أن يسكن في هذا الحيّز سيكون تابعاً غير رسمي لذلك البارون. الأرض التي سيزرعها ذلك الشخص سيعطي معظم خراجها ضرائب للبارون لأنها ليست أرضه، و بيته الذي يسكن فيه يمكن تدميره و إعادتهم للشارع في أي لحظة، إنهم أقرب لمستأجرين بدون حقوق. هذا طبعاً بجانب أنه سيكون عليه الانضمام للجيش في حالة حصول هجوم على تلك الأراضي.

حصل أحياناً أن قامت مجموعات مسلحة بوضع يدها على قطع أراضٍ فارغة تابعة لنبلاء و أعلنوا أنها أصبحت لهم، قطع أراضٍ صغيرة فقط تصلح للزراعة و إطعام المجموعة… لكن كل من تجرأ على فعل شيء كهذا لاقى الإبادة الفورية على يد النبلاء.

بل حتى أكبر التجار و أثراهم يمكن للنبيل مصادرة كل شيء يملكه في أي لحظة طالما لديه سبب كافٍ. لهذا، العامي يبقى دائماً عامياً.

حالات معدودة هي التي استطاعت فيها عائلة من العوام استخلاص قطعة أرض لأنفسهم و أصبحوا نبلاء عليها، لكن كل مرة يحدث ذلك كان في زمن اضطرابات و حروب قوية، كتلك التي وقعت قبل آلاف السنين و تمكّنت فيها عائلات بورتون من التحوّل لعائلة نبيلة!

أما هنا، فالوضع مختلف… عندما تم الإعلان عن اقتطاع أراضٍ من جرينلاند لأي أحد عن طريق النقاط، جُنّ الجميع، خاصةً أن المئة متر المربعة بـ نقطة واحدة فقط! هذا يعني أن عشر نقاط فقط كفيلة بشراء مساحة أرض لإقامة مزرعة صغيرة!!

كل من في الجيش الآن و ليس نبيلاً، بلا استثناء، بادل نقاطاً بالفعل أو يفكر في مبادلة نقاط ليحوز على قطعة أرض شخصية له، ليجرب شعور التملك أولاً، و ليعطي أبناءه شيئاً ملموساً ليرثوه ثانياً.

صحيح أن الأراضي لم تُوزع بعد، و أن من يقوم بالتبديل يُسلَّم وثيقة فحسب أنه له قطعة أرض بالحجم الفلاني، لكن الجميع يتفهم أن هذا من أجل دراسة كل الطلبات و عمل توزيع منطقي في نهاية الحرب…

سيكون من الغريب أن يشتري أحد 100 متر مربع مثلاً و يحاول تزويدها، فيجد أن قطعة الأرض بجواره قد أُخذت بالفعل، أو أن يُبادِل الجنود العاديون مقابل قطع أراضٍ عشوائية متباعدة، فلا يجد أحد من الأقوياء قطعة أرض كبيرة كاملة ليقيم عليها حدوده كنبيل!

لكن طبعاً، معظم الموجودين في الجيش حالياً يستطيعون فقط اقتطاع قطعة أرض صغيرة لبناء مزرعة أو بضع فدادين للزراعة بحد أقصى، لكن لم يجرؤ واحد منهم على التفكير بأن يجمع أراضٍ كافية ليكون نبيلاً…

10 آلاف كيلومتر مربع لتصبح بارون، لو كان السعر هو نقطة لكل 100 متر مربع، أَلا يعني هذا أنهم بحاجة لمئة ألف نقطة لشراء قطعة أرض تكفي لبارونية!؟ فقط الجنرالات العشرة يمكنهم التفكير في الأمر!!

نظر راي نحو صاحبه باستهانة، “أتنظر فقط نحو قدميك؟ بالفرض أني أريد أن أصبح نبيلاً مستقلاً، أهذا صعب جداً؟”

“بففـ بل مستحيل! أنت تجمع ما يكفي لأرض بارون؟ واضح أن النظام مصنوع ليخدم أصحاب الرواتب الكبيرة يا حبيبي، الصغار أمثالنا ليس لديهم فرصة! تعال تبول على قبري إن استطعت فعلها هاها!” ضحك فريد بصوت عالٍ و عاد ليريح رأسه على الأرض.

“أحمق! من قال أن عليك فعلها وحدك؟ إنها لا تُسمى عائلات نبيلة بلا سبب، كل تلك العائلات النبيلة في وطننا الأم قاتلوا معاً حتى أخذوا الأرض، بعدها عيّنوا أحدهم ليكون الواجهة.”

رفع فريد رأسه قليلاً، “أتقصد…؟”

“همف، أتعرف عائلة ماسيراتي؟ إنهم يشاركون في هذه الحرب بأكثر من خمسة آلاف فارس و العشرات من القديسين، و كلهم ركّزوا نقاطهم التي يجمعونها يومياً على شراء أراضٍ متجاورة، أتعرف ما يعنيه هذا؟”

“عائلة ماسيراتي؟ العائلة التابعة من قارة الجليد؟” انتفض فريد كأن ثعباناً لدغه، “أولئك الفلاحين الذين يركضون خلف أبقار عائلة فروست ليل نهار أصبحوا من ذوي الأملاك؟ خمسة آلاف فارس و عشرات القديسين… على هذا المعدل فإن البارونية… ليست بعيدة!!”

“اللعنة، لماذا نرتاح إذاً؟ هيا، قم! دعنا نعد لجمع تلك الجثث اللعينة، سأحاول إقناع الأوغاد من عائلتي بهذه الفكرة!!” قفز فريد من مكانه و أخذ بضع خطوات قبل أن يقف فجأة و ينظر نحو صديقه مجدداً، “لكنك لا تملك أي عائلة، أنت يتيم، قبل بضع سنوات كنت تأكل من القمامة، لولا أنك تلقيت إحسان الإمبراطور لكنت ميتاً الآن، لماذا قد تسعى لتكون نبيلاً؟ هذا غير منطقي…”

“من قال شيئاً عن أني أريد أن أكون نبيلاً في جرينلاند؟” رفع راي كتفيه، ثم وقف و نفض التراب عن نفسه.

“أنت…!!” كاد فريد أن يرجع و يمسك عنق صاحبه،

إلا أنه سمعه يقول، “ما أريده هو أن أشتري قطعة أرض في يورا…”

“يورا؟ كوكب يورا الذي أعرفه…؟!” سأل فريد باستغراب شديد.

“هيه~ لائحة استبدال النقاط تغيّرت صباح اليوم، لقد وافق نبلاء كوكب يورا بعد ضغط شديد على بيع قطع أراضٍ للعوام لتكون ملكية خاصة.” قالها راي بهدوء، لكن صوته كان يرتعش قليلاً.

“نبلاء يورا… يبيعون أراضيهم؟ كيف… كيف؟!” حتى فريد أخذ خطوة للخلف و كأنه سمع أغرب شيء في الوجود، هذه حادثة غير مسبوقة في التاريخ.

رفع راي كتفيه مجدداً، “سمعت أن الجنرالات أقنعوا العائلات هناك أن أعداد الخبراء بين العوام أصبحت كبيرة جداً الآن، و أنه عليهم فتح فرصة للشراء، و إلا ستبدأ حروب أهلية قريباً. العائلات النبيلة كانت رافضة في البداية لأن قوتهم أيضاً ازدادت بمعدلات كبيرة بعد ثورة الإمبراطور، و قوتهم ما تزال ليست شيئاً يمكن لعوام مفككين الوقوف ضده… لكن بعد الجدال معهم لأربع سنوات تقريباً، وافقت معظم العائلات النبيلة في يورا على البيع، لكن بشرط أن يكون البيع مخصصاً لنظام النقاط فقط، فهم لن يبيعوا لأحد خارج النظام بكل الذهب و درر الطاقة في الدنيا، و على أن يكون السعر هو خمس نقاط مقابل المتر المربع الواحد.”

“خمس نقاط مقابل المتر الواحد؟ هذا…” تكلّم فريد و جسده يرتعش.

هزّ راي رأسه قليلاً و بدأ يتمدّد ليكمل العمل، “يمكننا أن نعمل لأعوام بكل قوتنا قبل أن نتمكن من جمع ما يكفي من أراضٍ لإقامة منزل صغير، أهذا ما تفكر فيه؟ لكن على الأقل، هنالك أمل الآن أن يكون لديّ مقر في الكوكب الأم، يسكن فيه زوجتي و أطفالي بدون القلق عليهم، كما أن هذا–”

“هذا رائع!!” صاح فريد بأعلى صوته و ركض ينبش في كومة جثث مجاورة.

عندما رأى راي هذا، توقّف عن التمدد للحظة و ابتسم، ثم ذهب ليبحث مع صاحبه…

علم أنه لم يكن عليه تبرير قراره أساساً.

أي قطعة أرض في كوكب يورا تساوي وزنها ذهباً في نظر أولئك العوام، حتى لو أخذوا نصف متر فقط، فسيستعملونه كقبر!

 

من Zeus

Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Most Voted
Newest Oldest
Inline Feedbacks
View all comments
-+=
12
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x