فور انتهاء روبين من خطابه ذلك اليوم، بدأ اجتماع الجنرالات الذي استمر أكثر من ساعتين، كلٌّ يحاول اختيار جيشه المثالي من وجهة نظره: مثلاً عدد قوات الرياح بالنسبة لقوات اللهب، عدد الحكماء في كل فيلق، و نوع القانون السماوي الذي يستخدمونه، و حتى حجم الإمدادات التي يحتاجها و تحديد المسار الذي سيأخذه حسب النقاط التي وضعها روبين.

حتى زعيم القبيلة حيدار و زعيم القبيلة ديباس شاركوا بقوة، و عرضوا أن يقوموا بمهاجمة الحدود الشرقية باستمرار و عدم التوغّل كثيراً حتى يُبقي هوفنهايم على جزء كبير من جيشه هناك، مما لاقى قبولاً بين بقية الجنرالات.

فوغون و ابنته حضروا الاجتماع أيضاً، في البداية تصرّفوا بحذر شديد و كأنهم قِطاط في قفص يجمع عشرات الأسود، لكن بعد أول ساعة شاركت إليس بقوة في تحديد مسارهم الخاص أيضاً، بينما والدها ظلّ يحرك عينيه من شخص إلى آخر ليحاول فهم شخصيات الأفراد الذين سيتعامل معهم الفترة القادمة.

بعد الاجتماع، احتاج الجنرالات لساعتين أخريين ليتم تشكيل الفيالق عملياً، ثم ساعة أخرى لبدء الزحف.

كما أمر روبين، قبل غياب شمس نفس اليوم، تحرّك الفيلق الحادي عشر جيش قبيلة غضب الشمال الكامل من أمام الجدار المعدني ليبدأ مساره، و وراءه انطلقت الفيالق العشرة الأخرى، واحداً وراء الآخر. فقط الفيلق الخامس الخاص بالجنرال بيلي هو الذي أخذ طريقاً مختلفاً تماماً و توجه نحو الغرب من أجل بدء مهمة الحماية التي أوكلت إليه.

على عكس المتوقع، لم تمر الأيام ببطء كما حدث في أول بضعة أشهر من وصول روبين و الكتيبة الذهبية إلى جرينلاند.

العناصر التي أثقلت كاهل الجميع، مثل الخوف من الجديد، و الانتظار حتى وضع تقدير رسمي لقوة العدو قبل التصرّف، و محاولة تغطية آثارهم قدر الإمكان حتى لا يعرف الجميع أنهم غزاة من عالم آخر… كل ذلك لم يعد له وجود بعد وصول جيش عالم يورا الرئيسي.

التقدّم للأمام لم يكن بشكل أعمى و لا بتخوّف، بل بحماسة و توقّعات عالية. كل فيلق من الإحدى عشر حاول الوصول لأقرب نقطة لهم بأقصى سرعة ممكنة! مع أن الجنرالات لم يتكلموا مجدداً عن نية روبين في معاقبة أسوأ جنرال بينهم و لا حتى عرفوا ما هو ذلك العقاب، إلا أن ذلك لم يمنع شعور المنافسة بينهم و حتى بين الجنود أنفسهم… خاصةً بعد خطاب روبين.

سنجعل معاليه روبين بورتين إمبراطوراً على هذا العالم! كانت هذه الجملة تتردد في أذهان الجميع لا إرادياً و هم يسيرون بأقدامهم نحو مئات الملايين من الأعداء.

لكن بالطبع، تقليد روبين إمبراطوراً لم يكن هو دافعهم الوحيد.

– بعد أربع سنوات –

“واحد، اثنان… هوب!”

صاح رجلان في آنٍ واحد و هما يمسكان بجثة برعم من رجليه و ذراعيه. الجثة سقطت فوق كومة كبيرة من جثث البراعم على بعد 100 متر عن مكان وقوفهما.

“أخخ، ألم ننتهِ من جمع ألف جثة بعد؟” مدّ أحدهما ذراعيه و قال تعباً.

“هيا، لا تتكاسل، ما يزال أمامنا واحد.” حرّك الآخر رقبته يميناً و يساراً حتى أحدثتا صوت طرقعة، ثم بدأ يمشي نحو أقرب جثة برعم، ” هذا البرعم قُتل بضربة سيف سريعة، جسده ما يزال متماسكاً و أحشاؤه ما تزال في الداخل، سوف يُقبل.”

“حسناً حسناً، هيا بنا.” مشى الجندي الآخر وراءه بثقل و أمسك بقدمي البرعم، ” واحد، اثنان… هوب!”

“أخيراً!!” صاح الجندي و سقط جسده للخلف، ” هوف… هوف… علينا البحث عن جثث براعم عالية المستوى، و التأكد من سلامة أحشائها و أنها لم تنزف كثيراً من دمها، هذا ليس سهلاً وسط بحر الجثث المقطعة هذا! لا أصدق أني أقوم بكل هذا مقابل خمس نقاط لكلٍّ منا فحسب!”

باف جلس الجندي الآخر مكانه أيضاً. مع أن حاله لم يبدُ أفضل من زميله، إلا أنه كان متماسكاً عنه بعض الشيء، ” أمامك خمس دقائق للراحة، يجب أن نجمع ألف جثة أخرى قبل المغيب!”

“ما؟! أرغغ… حسناً!” كاد يصرخ الجندي الراقد بأعلى صوته، لكنه بدا و كأنه تذكّر شيئاً، فاكتفى فقط بتعديل رقدته حتى تكون مريحة أكثر.

محادثات كهذه كانت تسري في كل مكان حولهم على امتداد بضع كيلومترات، بل بالطيور الصغيرة العابرة فوقهم ترى عشرات الآلاف من الجنود يفعلون مثل هذين الجنديين الآن. كلهم يترنّحون و لا يمكنهم الوقوف بشكل ثابت، لكنهم يجمعون الجثث السليمة في أكوام، و كأن حياتهم تعتمد على ذلك. و من يفشلوا، سيحاولون جمع الجثث منخفضة المستوى أو حتى المدمرة بالكامل، لكن بالطبع سيكون الدفع مقابلها أقل بكثير.

لقد انتهت معركة هائلة قبل قليل ضد 3 ملايين برعم، كل واحد في الفيلق شارك في المفرمة التي حدثت بطريقة أو بأخرى. عندما جاء الوقت و انسحب ما تبقى من جيش البراعم، كان كل أفراد الفيلق يلهثون من أجل بعض الهواء البارد، و مع ذلك لم يرتح أحد، بل بدأوا فوراً في جمع الجثث.

لماذا؟ لأن جمع الألف جثة عليهم 10 نقاط!

حساب الإسهامات هو شيء أوصى به روبين بشكل عابر بعد خطابه قبل أربع سنوات، و الذي تُرجِم لاحقاً على يد الجنرالات لنظام النقاط في البداية، لكن النظام تطوّر حتى أصبح عماد الجيش الآن!

أشياء مثل: قتل البرعم بقوة فارس عليه نقطة واحدة، صنع طلسم من الدرجة الأولى عليه نقطة، صيانة درع إلهي عليه نقطة، أو حتى أشياء أخرى أساسية مثل نقطة واحدة مقابل إعداد عشرة آلاف وجبة.

و المفاجأة الجديدة، هو أن رسم وشم إلهي هجومي من الدرجة الأولى عليه نقطة أيضاً!

مع أن الإمبراطور منع منعاً باتاً استخدام وشم تقوية الجسد نفسه، لأنه يحوّل الطاقة الطبيعية إلى قوة جسدية بحتة و يخلّ بالنظام البيئي، إلا أن الوشوم الهجومية لا تُدخل الطاقة إلى الجسد، بل هي تحوّلها من هيئة إلى أخرى فحسب. مع أن هذا يزيد الضغط على الجسد بشدة، إلا أن الوشوم الهجومية لا تؤثر سلباً على البيئة، كما أنه يمكن تخفيف الأضرار عن طريق استعمال دُرَر الطاقة.

بعد الموافقة على القرار الجديد، نشر جابا أسلوب رسم الأوشام الإلهية بين رسّامي النقوش، و بدأوا العمل فوراً.

الآن، مستخدمو اللهب يمكنهم استخدام الوشوم الإلهية الهجومية لعمل درع جليدي بسيط، أو استخدام وشم إلهي من فئة الرياح لدعم اللهب و تقويته، مما أوصل قوة الجيش ككل لمستوى مختلف تماماً!

… لكن تلك الأشياء التي تحتاج لخبرة و قوة ليست الأشياء الوحيدة التي تكسب النقاط، هناك مهام أخرى قد يعتبرها المعظم مهينة، مثل جمع الجثث مثلاً، خاصةً أن أضعف واحد من الموجودين في جيش يورا حالياً هو فارس متوسط، و خاصةً أنهم بالكاد انتهوا من معركة و لا يمكنهم حتى الوقوف بشكل ثابت، لكن طالما هناك دفع جيّد، فهناك الكثيرين الذين يحاولون فعلها… إجمالي عشر نقاط شيء لا يمكن الإغفال عنه!

“… راي، ما الذي ستفعله بنقاطك؟” سأل الجندي الراقد، ” عن نفسي، سأدفع مئة نقطة ليكون لي أولوية الاختيار عندما تأتي دفعة الدروع الإلهية الكاملة الجديدة، أريد أن أرى وجه أبنائي عندما يرونني بطقم الدروع الذهبي الرائع هذا عندما أعود لكوكب يورا، هاها.”

“… أنا سأشتري قطعة أرض.” ردّ الجندي المدعو راي.

“همم؟ إن كان هذا كل همك، فاذهب للنوم! الأراضي في جرينلاند رخيصة جداً، يمكنك أخذ قطعة مساحتها 100 متر مقابل نقطة واحدة!” رفع الجندي رأسه و تكلّم باستغراب. هو يعرف أن زميله قليل الكلام هذا يملك الكثير من النقاط، لكن لم يخطر بباله أنه سيفكر بشيء مثل شراء أراضٍ!

نظام النقاط تطور خلال الأربع سنوات ليشمل كل ما قد يحتاجه الجنود داخل المعركة و خارجها. قائمة تبديل النقاط تتغير بين كل حين و آخر، لتحتوي حتى أشياء مثل: شراء قطعة عتاد إلهي واحدة مقابل 30 نقطة، أو إدخال ابن الجندي لأكاديمية أسياد النقوش الكبرى الموجودة في قارة السلف، و التكفّل بمصاريفه حتى التخرج مقابل 20 نقطة!

 

من Zeus

Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Most Voted
Newest Oldest
Inline Feedbacks
View all comments
-+=
12
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x