*شهيق*

*زفير طويل*

جلس روبين سانداً كوعيه على المكتب أمامه، و يدلك رأسه بأطراف أصابعه بينما يحاول تنظيم تنفّسه مجدداً. لقاؤه للتو مع العفريت لم يستمر سوى بضع دقائق، لكن تأثيره عليه كان أقوى حتى من بعض الحروب التي خاضها.

“من.. من كان هذا؟” أخيراً الجرذ استجمع شيئاً من شجاعته، فخرج من كُمّ روبين و سأل. مع أنه لم يفهم كلمة من الحوار بين روبين و الكائن القرمزي لأنهم كانوا يتكلمون بلغة يورا، إلا أن ذلك الكائن ذو القرون ببساطة كان تجسيداً للرعب!

“..هيه~ إنه أحد قادة جيشي الثاني.” ردّ روبين.

“جـ جيشك الثاني؟ لديك جيش من تلك المخلوقات؟!”

أومأ روبين بخف، ” إنن، تطوّرهم توقّف لعدّة سنوات، لكن لا بد أنهم أصبحوا أقوى من الجيش في الخارج بحلول الآن.”

“أٌقـ؟!؟! ..هم.. هم لن يأتوا إلى هنا، صحيح؟” الجرذ بدأ يتلعثم عندما سمع كلمات روبين، لكنه تمكّن من إنهاء سؤاله أخيراً.

هزّ روبين رأسه، ” كلا، لقد أرسلتهم إلى مكان آخر، القتال هناك مستمر منذ فترة بالفعل…”

“أوه…” أخيراً ارتاح قلب الجرذ بعض الشيء، ” إذاً ما الذي يقلقك؟ بوجود جيش من تلك المخلوقات، فأعداؤك سيستسلمون قريباً جداً!”

“هيه~” ضحكة ساخرة هربت من فم روبين، ثم أبعد يديه عن رأسه، “ما يزعجني أنه لن يبقَ أعداء ليستسلموا.”

حدقتا عيني الجرذ توسعتا على آخرهما، و الشعر الذي يملأ جسده وقف كالأشواك. أراد أن يطلق صرخة أو يقول شيئاً، إلا أن صوته قد حُبس داخل حلقه. لم يكن لديه ما يفعله سوى أن نظر نحو الاتجاه الذي غادر منه مورين برعب شديد.

“هيهي، لا بد أنك تقول في نفسك ~ يا له من شخص غريب الأطوار ~ لكن معك حق. أنا من أرسلهم و أنا أعرف ما سيفعلونه، لكني أندم على قراري يومياً. يمكنني فوراً إعطاء الأمر بانسحابهم، لكن هناك شيء في داخلي يخبرني ألا أفعل. لقد مرّرت بشكل مباشر حكم الإبادة على أجناس كاملة، لكني ما زلت أتصرف كأني مُشاهد جانبي لا حول له ولا قوة. هيهي، لا بد أنك تظن الآن أني شخص ضعيف يا سيد جرذ، أليس كذلك؟” أعطى روبين ضحكة كلها سخرية.

الجرذ عاد لينظر ببطء نحو روبين، عينه ما تزال تُشعّان رعباً… أظن أنك ضعيف؟ الشخص القادر على توجيه جيوش كهذه… ضعيف؟

لكنه لم يجب عن سؤال روبين الذي ظن أنه بديهي، فلو تجرأ على التفكير في روبين كضعيف، أيحق له حتى أن يكمل حياته؟

لكنه بدا و كأنه تذكّر شيئاً، فأجبر صوته على الخروج، ”…ماذا سيحدث بعدما تنتهي تلك الكائنات… من أعدائهم هناك؟”

“هاه، من يعلم.. ربما سأجلبهم للمساعدة هنا.” نظر روبين للأعلى بينما ابتسامة غريبة ظهرت على وجهه.

“لاااا! أرجوك لا!!” الجرذ قفز و أمسك إحدى أصابع روبين و بدأ يترجّى، ” أنت لديك جيش كبير هنا بالفعل، و نحن أصبحنا شركاءك، صحيح؟ لماذا قد تجلب لنا تلك المخلوقات؟ أرسلهم لمكان آخر!!”

“شركاء؟ هيهي.” عاد روبين للنظر نحو الجرذ السمين، “…تنهد~ قلت اسمك شارفير، صحيح؟ ربما لن أستدعيهم إن بقيتم مطيعين، لكن لا أريد لشيء مما قلته للتو أن ينتشر، حسناً؟ هذا سيثير الكثير من التساؤلات و سيغضبني. أنت لا تريدني أن أغضب، صحيح؟”

“لـ لا تقلق، لن أفتح فمي! و أقسم لك أن الجميع في قبيلتي على الأقل سيسيرون على الخط المستقيم، سأتأكد بنفسي من ذلك!!” نظر الجرذ للأسفل و هو يقبض يديه الصغيرتين و أكد.

كيف لم يفهم ما هي التساؤلات التي يقول عنها روبين إنها ستغضبه؟ هو نفسه كاد يسأل بعضاً منها للتو قبل أن يتكلم روبين: ما هو هذا الجنس بالضبط الذي يبدو أنه يستعد لأكل العوالم؟ و ما أصله؟ و أين أرسلهم بالضبط!؟

لقد قال إن القتال دائر منذ فترة حيث هم. طالما لم يسمع عن شيء كهذا، فهذا يعني أنهم ليسوا في منطقة إحدى القبائل البشرية أو حتى دوائر سيطرة الآباء الأشجار! هذا يعني أنهم…

عندما وصل شارفير لتلك النقطة، رفع رأسه بخوف ليجد روبين ينظر نحوه بابتسامة غريبة… هذه الابتسامة البسيطة كانت كفيلة بإخباره أن روبين فعلاً لا يهتم إن سرّب الحوار الذي جرى للتو أم لا. هو لن (يغضب) إن اتّهمه الجميع بأنه شخص من عالم آخر جاء ليغزوهم، هو فقط سيُسكت الجميع مجدداً بالقوة!

أي ضعف و أي ندم؟ أَيُحاول هذا الشخص التَصنُّع؟ أم أنه يحاول إقناع نفسه أنه ما يزال يملك بعض الإنسانية؟ إنه وحش بمقدار ذلك المخلوق القرمزي اللعين! لم يكن يعرف الفأر ماذا يقول أمام تلك الابتسامة المليئة بالاستفزاز، شعر و كأن روبين يقول: هيا، انشر الكلام و أخبر الجميع أني غازٍ، إن كنت تجرؤ فافعلها!

ربما هو يختبر ولائي؟ هذا الشيء الوحيد الذي خطر على بال رئيس العشيرة شارفير و هو ينظر لابتسامة روبين الواثقة.

“جيد! الكلام معك أبعدني عن التفكير بعض الشيء يا شارفير. أعتمد عليك في إبقائي مشغولاً خلال الفترة القليلة القادمة، حسناً؟” بعد بضع ثوانٍ أخرى قضاها روبين يراقب الفأر، نقر على الطاولة و بدأت عيناه تلمعان بالذهبي مجدداً، ” الآن دعنا ننتقل للمهم. أنت ستبقى هنا معي بضع أيام لتجيب عن بضع أسئلة، و ربما لإجراء بضع اختبارات. بعدها سأسمح لك بقطع الاتصال الروحي مع هذا الجرذ و العودة لجسدك، اتفقنا؟”

الجرذ كان على وشك أن يومئ بقوة موافقاً، إلا أنه وجد روبين يلتقطه من على المكتب و بدأ يفحصه على أي حال.

—————-

بعد عشرة أيام

“هييييك!! هااه.. هاا.. هاا…” على بعد آلاف الكيلومترات من التلة المنحدرة، وضع رجل سمين لديه شارب ضخم يده على صدره و بدأ يلهث بقوة.

“سيد القبيلة شارفير، أخيراً عدت؟ كنا قد بدأنا نقلق علـ.. سيد القبيلة؟!” عندما سمع رئيس الحرس صوت التنفّس العالي في داخل الغرفة، فتح الباب بسرعة و دخل. حماية جسد رئيس القبيلة أثناء عملية تجسيد الروح شيء حساس جداً، و من يقوم به غالباً يكونون أقرباء الرئيس من الدرجة الأولى، مثل أبنائه أو أعمامه. رئيس الحرس هذه المرة كان العم الأصغر لرئيس قبيلة جرذان المراعي.

لكن نظرة الرعب على وجه ابن أخيه جعلته يتثبّت مكانه لوهلة، ثم عاد ليركض نحوه مجدداً، ”رئيس القبيلة شارفير، ماذا حدث لك؟”

“إجمع.. إجمع..” حاول شارفير التكلّم، لكنه لم يستطع إخراج الكلمة التالية، فمدّ يده بجواره ماسكاً قارورة تحتوي سائلاً زهري اللون، فشربها كلها قبل أن يُلقيها جانباً و يمسك برأس رئيس الحرس بكلتا يديه، ” اجمعوا جيش القبيلة كله، يجب أن نتحرك فوراً نحو الحدود مع الأب الشجرة ديكارت!! يجب أن نبذل كل ما في وُسعنا لجمع المساهمات! يجب ألا نُغضبه.. يجب.. يجب…”

من Zeus

Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Most Voted
Newest Oldest
Inline Feedbacks
View all comments
-+=
11
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x