“رئيس قبيلة بشر محلية، ها..”
فرك روبين ذقنه و هو جالس نصف جلسة أمام الحكيم الراكع و الفأر الذي يشعر بالظلم، ثم تابع:
“تقنية لتحويل الطاقة الروحية إلى خيط دقيق جداً و ربطه بالنطاق الروحي لكائن آخر أضعف روحياً، و بالتالي الاستيلاء على جسده حتى ينتهي الربط. البحث في تقنيات الروح لديكم أوصلكم لطريقة لمس نطاق الروح بالفعل؟ مذهل…”

الفأر السمين لم يكن يدري ماذا يقول، اكتفى بحك خده المحمر و هو ينظر لروبين.

“لكنها تقنية ليست كاملة، مثلاً تحويل الطاقة الروحية إلى خيط دقيق يجعل أقصى مدى للتحكم بالتجسيد طويل جداً بالفعل، لكن دائماً هنالك حدود لطول الخيط.
ألهذا ثلاثة منكم فقط هنا؟ لأن بقية رؤساء القبائل المحليين لا يمكنهم إرسال تجسيد روحي لهم لتلك المسافة؟
المشكلة الثانية هي أنه من أجل المدى، قمتم بالتضحية بقوة خيط الروح، و بالتالي أصبح يمكنكم فقط السيطرة على الحيوانات الضعيفة التي لم تذق طعم الطاقة يوماً، كالفئران مثلاً.
و هنالك مشكلة أكبر في التقنية…”
ثم انتظر قليلاً، قبل أن يرفع يده قليلاً و يبدأ لهب عديم الهيئة بالاشتعال ببطء على كفه، ثم حرّكها ببطء فوق رأس الفأر،
“أتساءل ماذا سيحدث إن قمت بتدمير هذا الخيط الروحي الآن…”

“لااااا!!!”
فزع الفأر السمين و قفز بسرعة من فوق رأس الحكيم.

لكن روبين التقطه قبل أن يهبط على الأرض و ضحك بصوت عالٍ:
“هاها، لماذا القلق؟ أنا فقط أشرح مميزات و عيوب التقنية…”

“سكوييك!! لو تم الإضرار بالخيط الروحي، فهذا سيوصل الضرر مباشرة لروحي المبدئية، و على أقل تقدير سأُصاب بشدة، و في أسوأ تقدير قد أُقتل فيها!
أتعتقد أننا لا نعرف هذه المشكلة؟ لكن من يمكنه رؤية الخيط الروحي ليضر به؟ و ماذا سيستعمل ليضر به أساساً؟ أتحسب الجميع وحوش مثلك؟!”
الفأر صرخ و هو يحاول التملص من يد روبين، ذلك اللهب عديم الهيئة الذي انتشر على كف روبين أفزعه بشدة، مجرد النظر له جعل روحه ترتعد.
و حقيقة أن روبين ذهب مباشرة لموقع خيط الروح جعل قلبه يسقط في قدميه!

“أنا وحش؟ هاها، أنت مسلٍّ، سأحتسبها مجاملة.”
ضحك روبين بصوت عالٍ و وقف مجدداً و الفأر في يده، ثم عاد للنظر نحو إليزابيث و سأل بلغة أهل جرينلاند:
“إيلي، هل جاء فوغون قبل أم بعد وصول جيشنا الرئيسي؟”

فهمت إليزابيث مقصد روبين من السؤال و ردّت مبتسمة:
“جاء قبل وصول جيشنا الرئيسي بساعة تقريباً، و قد كان ضيفاً خفيف الظل علينا حتى اللحظة…”

“أووه؟”
رفع روبين حاجبيه قليلاً و عاد للنظر نحو فوغون، الذي كان ما يزال راكعاً على الأرض،
“أردت لقائي أولاً؟ همم، قد تكون وغداً عنيداً، لكن على الأقل لديك بعض الصبر، يعجبني هذا…”

عندما سمع فوغون هذا، أغمض عينيه أخيراً، سامحاً لبعض العرق بالهبوط على الأرض.
بدأ يحمد السماء أنه لم يسمع لأحد في تلك اللحظة و يهاجم إليزابيث من الخلف، و إلا…
توقف فوغون عن التفكير في هذه النقطة، لم يكن يجرؤ على إكمال التفكير في ما قد يحدث.

كل ما عليه الآن هو البقاء مكانه حتى يطلق روبين حكمه.
حتى لو أخبره أن أراضيه أصبحت ملكه الآن، فلن يكون له خيار سوى الموافقة، بل حتى لو أخبره أن ينتحر فوراً، فلن يكون أمامه سوى أن يقول:
“سمعت و أطعت.”
أي أراضٍ و أي فوائد؟ الهدف الأول و الأهم الآن هو أن يستمر نسل القبيلة!

“يصادف أني في مزاج جيد اليوم لأني وجدت لعبة جديدة.”
تكلّم روبين مبتسماً و هو يُلقي بالفأر السمين في الهواء مراراً و يلقفه.
لم يكن يتوقع أن يجد تقنية مرتبطة بنطاق الروح بهذه السرعة، خاصةً و أنه يبحث في هذه الأمور حالياً.
صحيح أنه قد لا يحتاج تقنية تجعله يسيطر على حيوان صغير، لأنه بالفعل لديه خواتم الصوت،
لكن تقنية تمكنه من لمس نطاق الروح ستفيده كثيراً في تجاربه الحالية.

ثم أكمل:
“سأتجاهل حركتك المستفزة تلك و أسمح لك بالانضمام لجيشي كأحد الجينرالات.
أنا قمت بتقسيم الجيش للتو لعشرة فيالق، كلهم سيبدأون فوراً حملة ضد الأب الشجرة هوفنهايم.
أنت و مرافقيك أمام الجدار المعدني ستكونون الفيلق الحادي عشر، هل تقبل؟”

“أقبل! أقبل.. لكن…”
صاح فوغون بسرعة و رفع وجهه، لكنه سرعان ما خفضه مجدداً و نظر للأرض.

“ما المشكلة؟ قف و تكلّم.”
عبس وجه روبين قليلاً،
“إن كنت ترفض أن تكون أحد جينرالاتي فلا بأس، لن أتنمر عليك…
سأسمح لك بأخذ جيشك و العودة لأراضيك و ترقّب فيلق واحد من فيالق جيشي العشر!”

لم يكن فوغون يعرف ما إن كان عليه أن يضحك أو يبكي.
قسم واحد من الجيش الذي رآه للتو يكفي لقتال قبيلة غضب الشمال بندية، و ربما مسحهم تماماً!
لكنه روبين يقول إنه لا يريد التنمر عليهم؟

وقف فوغون بالكاد، دون أن يمسح التراب عن ركبتيه:
“ليس الأمر أني لا أريد الانصياع، لكني أطلب من معاليك أن تسمح لي بإرجاع نصف جيشي على الأقل لأراضي القبيلة.
النصف الآخر سيكون ملكك للتصرف فيه كما تشاء.”

لم يرفض روبين أو يوافق، فقط اكتفى بالنظر نحو فوغون بحاجبين معقودين قليلاً، ينتظر منه أن يُكمل شرح مطلبه.

“الأمر هو… قبيلتنا لديها حدود مع أبوين شجرة. الأب الشجرة هوفنهايم هو واحد منهم.
لا يمكننا إرسال جيشنا بالكامل و دخول دائرة سيطرة أحدهما، و إلا سيُغير علينا الآخر…
أقصى ما يمكننا فعله تاريخياً هو القيام بعملية عسكرية سريعة ضد إحدى دوائر السيطرة و حفر خنادق لنضمها لأراضينا، ثم نعود للدفاع بسرعة.”
هزّ فوغون رأسه قليلاً،
“سحبت جيشي بالكامل اليوم من أجل أن يراه معاليك فحسب، لكني بحاجة للرجوع فوراً للدفاع عن القبيلة، و إلا الأب الشجرة ديكارت سيستغل الفرصة و يهاجمنا.”

“تريد إرجاع معظم جيشك ليرتاح في أراضي قبيلتك، و تترك بضع مهرجين؟ ماذا سأفعل بهم؟
أجعلهم يرقصون لبقية الفيالق للترفيه عنهم؟
و في نفس الوقت، تريد أن تُعلن ولاءك و تربط نفسك بحصاني و تحوذ المجد معي في حال انتصاري؟
تريد أفضل ما في العالمين، ها يا فوغون؟”
ابتسامة سمجة ظهرت على وجه روبين.

“معاليك، أنا أقول الحقيقة. يجب أن يكون هنالك جيش قوي في أراضي القبيلة، و إلا عائلاتنا سوف تـ-”
أخذ فوغون خطوة للأمام و تكلم بيأس.

في وجه صياح فوغون، رفع روبين يده لإسكاته، ثم قال بنفس الابتسامة:
“لا داعي للانفعال، أتحسبني سيداً عديم المنطق؟ أني سأضع عائلاتكم في خطر؟ بالطبع لا…
في الحقيقة، أنا سأزود حمايتهم.”

قطرات العرق في وجه فوغون الأسمر بدأت تتزايد عند سماع هذه الكلمات.
لسببٍ ما، موضوع زيادة الحماية هذا أخافه أكثر!

ثم صفّق روبين بقوة و أكمل:
“ما رأيك في الآتي… أنت و بقية الفيلق رقم أحد عشر ستبقون هنا و تكونون جزءاً أساسياً من الهجوم،
و أنا سأعين أحد الفيالق العشرة لحماية أراضيك بالنيابة عنك. ما رأيك؟”

“هـ هذا… هذا…”

 

 

 

من Zeus

Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Most Voted
Newest Oldest
Inline Feedbacks
View all comments
-+=
12
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x