هز روبين رأسه، “كلا، هذه ليست معركة واحدة فاصلة لأقودكم فيها، بل ستتحول لحرب استنزاف طويلة الأمد.
الأب الشجرة هوفنهايم يملك نصف مليار برعم على الأقل، و لا يوجد بينهم طفل أو شيخ أو مصاب كبقية الأمم، كلهم بلا استثناء سيشاركون في القتال.
حتى لو قتلتم منهم مئات الآلاف يومياً، هذا سيستغرق سنوات، و أنا لا وقت لدي لهذا.
عليّ إكمال استشفاء روحي و البحث في تقنيات جديدة… هذا كما أنكم لن تتحركوا في جيش واحد، ألا ترى كل تلك النقاط و العلامات؟
لو حصل و تحركتم في جسد واحد، فسوف يتم الإطباق على الجيش من كل الجوانب على امتداد الطريق، كما أن جيشاً كهذا سيكون من الخسارة جعله يتحرك في جسد واحد…
قسّموا الجيش لـ 10 فيالق أصغر حجماً، تعداد الواحد 400 ألفاً تقريباً، صحيح؟ هذا أكثر من كافٍ، و ليتولَّ كلّ واحد منكم قيادة أحد الفيالق العشر.
أنا سأتدخل في حالة واحدة، إن واجهتكم معضلة لا يمكنكم حلها بمفردكم، فيما عدى ذلك لا أريد إزعاج الفترة القادمة.”
ثم أضاف، “شيء آخر، هذه قد تكون حرب وجودية للأب الشجرة هوفنهايم، لكنها ليست كذلك بالنسبة لنا.
أنتم هنا لأخذ الخبرة و التعود على القتال سوياً و ربما لجني بعض الكنوز.
تقدّموا بحذر و نظّفوا خلفكم أولاً بأول، اخنقوا الأب الشجرة هوفنهايم في المنتصف حتى يرفع الراية البيضاء.
إياكم و الاستهتار و التعرض لخسائر كبيرة.
مع أني لا أظن أن هوفنهايم سيحاول استخدام ذلك البرق مجدداً، لكن لا داعي لتجربة حظّنا.
لا ترتفعوا عن الأرض إلا في الضرورة القصوى، أكثر جينرال بينكم سيتعرض جيشه لخسائر سيتعرض لعقوبات كبيرة. مفهوم؟”
“مفهوم!” ردّ الجميع بصوت متحمس، و لا إرادياً بدأوا بإلقاء نظرات سريعة على بقية الحضور.
عشرة جيوش يعني أن تقريباً كل الموجودين سيكون لهم فرصة لقيادة أحد الجيوش، حتى بيون و قيصر الذين ما يزالوا حكماء منخفضي المستوى سيحصلون على فرصة!
التعود على القتال معاً هذا يتضمن اختيار أفضل القادة أيضاً، و المقارنة بين عشر جيوش متطابقة يعملون في نفس النطاق و ضد نفس الخصم ستكون حتمية!
حتى بدون أن يقولها روبين، الأمر تلقائياً تحوّل لمنافسة على منصب القائد الأفضل!
“حسناً إذاً، سأترك لكم توزيع الجيش. فليفكر كل قائد منكم في نوعية الجنود التي سيحتاجها و يبدأ ببناء جيشه المثالي، كما أن كلّ واحد منكم عليه تحديد مسار مخصص لجيشه و يُعلم به بقية الجينرالات، و كلّ هذا يجب أن يحدث قبل غياب شمس اليوم.
ألديكم أي أسئلة أخرى؟”
“كلا، معاليك!”
ردّد كل الجينرالات تحت الخيمة بأصوات متحمسة، لكن بأذهان غائبة.
كلّ واحد بالفعل بدأ يفكر في الاستراتيجيات التي سينتهجها للانتصار و تقليل الخسائر.
عند سماع هذا وقف روبين واضعاً إحدى يديه على الطاولة، كان واضحاً أنه مستعد للمغادرة،
“جيد، سأترككم الآن لتتفاوضوا معاً على تقسيم الجيوش و اختيار المسارات التي تريدونها، إن أردتم مني شيئاً فأنا في الـ–”
“لـ لحظة! ماذا عنا؟!”
صيحة تملؤها الهلع قاطعت روبين في منتصف حديثه.
“همم؟”
روبين نظر نحو مصدر تلك الصيحة، فوجد رجلاً عجوزاً أسمر اللون ينظر نحوه بتوتر شديد، حتى وقفته المنحنية قليلاً كانت تنمّ عن خضوع كامل، فسأل بلغة أهل جرينلاند،
“أوه، زعيم قبيلة غضب الشمال… فوغون، على ما أذكر؟”
“أجل… أجل، هذا أنا.”
وضع فوغون يد على يد راغماً ابتسامة قبيحة على وجهه و تكلّم.
“ما الذي تفعله هنـ..؟ آها آها، تذكّرت، هل اخترت جلب جيشك للقتال معنا؟”
رفع روبين حاجبيه قليلاً و سأل.
“أجل.. أجل، معاليك.. جلبته..”
الابتسامة على وجه فوغون تحولت أقبح من ذي قبل، كان واضحاً بالنسبة له أن روبين يحاول إهانته!
الأسبوع الماضي كانوا أثقل سبعة أيام مرّت على فوغون، فهو لم يتوقف عن التفكير في خياراته للحظة،
لكن بالنسبة لروبين، هو فعلاً نسي موضوع قبيلة غضب الشمال كله، بعدما قضى وقته في الاستشفاء و مطالعة الدرجة الرابعة من القوانين.
كيف يكون لديه وقت للتفكير في خيارات زعيم قبيلة محلية؟!
فوغون حافظ على ابتسامته المصطنعة، مع أنه شعر بانهيار العالم الذي كان يعرفه.
لكن لم يعد هنالك مجال للكبرياء، لم يعد هنالك مجال للتفاوض…
الجيش الهائل الذي شاهده بأمّ عينه للتو، كان كافياً لكسر أي ذرة من التمرّد بداخله، ربع ذلك الجيش يكفي لتسوية قبيلة غضب الشمال بالأرض، لا.. بل أقل من الربع!
“لقد حرّك جيشه كاملاً بالفعل، معاليك، أكثر من ثلاثة مليون جندي! حتى إنه من شدة حماسته لخدمتك، جلب جيشه طول الطريق حتى الجدار المعدني، هيهي.”
ضحكت إليزابيث بخبث.
رفع روبين حاجبيه و أرسل حسّه الروحي إلى ما وراء الجدار ليرى التشكيلة التي يقف بها جيش قبيلة غضب الشمال،
ثم عاد للنظر نحو فوغون بنظرة تتغلغلها نيّة قتل ناعمة،
“لديك جرأة كبيرة، أعترف لك بهذا.”
صاااد
صااادصااادصاااد
بدون قول كلمة، نزل فوغون راكعاً على كلتا يديه و ركبتيه، ثم نزل وراءه بقية حكماء قبيلة غضب الشمال.
لم يكن هنالك داعٍ للتبرير، حتى أحمق سيدرك نيتهم من وراء هذه الفعلة.
سواء الهجوم أو التخويف أو غيره، بنظرة واحدة، أيّ أحد سيعرف أن مجيئهم اليوم لم يكن للخضوع كأتباع لروبين.
عندما رأى روبين هذا، نية القتل في عينيه هدأت قليلاً، لكنه استمر في النظر نحو العشرين فرداً الراكعين أمامه، يفكّر في ماذا يفعل بهم.
فقط عندما وقعت عيناه على فأر سمين، تغيّرت ملامح وجهه من الغضب إلى الدهشة، ثم إلى الفضول…
تحت أنظار الجميع، تقدّم روبين بخطوات سريعة نحو ذلك الفأر، الذي كان ما يزال يقف فوق رأسه أحد الحكماء الراكعين.
عندما وصل له، تحوّلت عيناه للذهبي و أخذ يتفحّص الفأر الغير مرتاح أكثر عن كثب، و هو يتمتم،
“مثير للاهتمام.. مثير للاهتمام..”
بعد حوالي دقيقتين، لم يستطع روبين إخفاء الابتسامة الكبيرة على وجهه و هو يقول للفأر،
“تقنية لربط الروح عن بعد، لم أفكر في هذا من قبل. من أنت بالضبط؟”
“سكووويك؟”
“همف.”
عندما رأى روبين الفأر يحاول التصرّف ببلاهة، رفع يديه، ثم أنزلهما على وجهه الممتلئ.
لطم
“أنا شارفير، رئيس قبيلة جرذان المراعي، تشرفت بلقاء معاليك.”
ردّ الجرذ و هو يمسح على وجهه بيديه الصغيرتين و عينان ممتلئتان بالدموع.
الموضوع التاليالموضوع السابق