بعد بضع دقائق–.

رفع فوغون يده أمراً الجيش خلفه بالتوقف بالكامل، ثم نظر نحو الألفا حكيم حوله، و أختار منهم عشرون فرد فقط من ضمنهم هو و إبنته إليس.

” همم؟ ما الخطب؟ يمكن بقية حكمائكم الدخول، تعالوا تعالوا.” إليزابيث التي كانت تقف أمام البوابة الوحيدة للسور المعدني أشارت لهم بالدخول.

“حكماء؟” تسائل فوغون.

“يبدو أنها تقصد مستخدمي الدرجة الثالثة من القوانين.” اقترب أحد الحكماء منه و تكلم بصوت منخفض.

“اها… لـ لا، لا شكراً، هذا العدد سيكون كافٍ، لا نريد التسبب في زحام في الداخل هيهي.” أرغم فوغون ضحكة قبيحة على الخروج من فمه، و أشار لمن اختارهم بالتقدم معه نحو البوابة.

السماح لـ جيش محايد مكونة من أكثر من 3 مليون مقاتل بالمجئ حتى البوابة كان مثير للشكوك بما يكفي، لكنهم الآن يريدون إدخال كل حكمائهم إلى قلب المعسكر؟ إن لم يكن هذا مثير للشكوك فما هو؟

إن كان الأمر راجع لفوغون لالتف الآن وأمر جيشه بالعودة لمسافة عشرون كيلومتراً على الاقل، و الإنتظار هناك، لكن الأوان قد فات…

ليس هو وحده من كان يفكر هكذا، بقية أفراد البعثة العشرون أخذوا ينظرون حولهم بأعين خائفة، و جباه تملأها العرق، الجميع هنا كانوا شيوخ لقبيلة غضب الشمال، و كلهم شهدوا على قوة هذا الجيش الذهبي، والآن بعد معرفة خطة زعيمهم قلوبهم لم تملك إلا أن تدق بقوة.

لم يكن أحدهم متأكد ما إن كان هذا الدق العنيف بدافع الحماس، او الخوف، لكن هذا لا يهم الآن…

فقط الجرذ، والغراب، والهدهد نظروا حولهم بإستغراب، و تأمل، و حتى بعض الدهشة، و ركزوا أعينهم خاصةً على الحراس الواقفين فوق السور المعدني.. هذه كانت أول مرة يرون فيها أحد أفراد الكتيبة الذهبية.

“على راحتكم اذاً، المهم تعالوا، و إلا فاتنا تجربة ممتعة!” رفعت إليزابيث كتفيها قليلاً، ثم عادت للإشارة لهم للدخول بسرعة.

*بلع*

بلع فوغون ريقه، و بدأ يتقدم نحو البوابة و معه رفاقه، يجهز نفسه نفسياً لما سيجده في الداخل.

“تأهبوا” تمتم فوغون بصوت منخفض، و ضغط على يد إليس.

هل سيجد كمين جاهز لقتلهم؟ ربما يجد ذلك الروبين المجنون جالس على عرش، و يريد منه الركوع له؟ لابد أن ذلك الجيش الذهبي ما يزال يحمل ضغينة نحوه بسبب دفعهم للخلف عدة مرات، كيف سوف يستقبلونهم؟ …هل ستكون هنالك فرصة للتفاوض اليوم حتى؟!

“هاهاها لم أخذ إجازة منذ أشهر!”

“اخيراً أنهينا تلك البوابة اللعينة، أريد إجازة عامين على الأقل!”

“اسكب أسكب!”

“تحيا فرقة أسياد النقوش العباقرة! هاها.”

“بل تحيا فرقة الحدادين الإلهيين، تباً لكم أيها الرسامين الضعفاء!!”

“هوي، تعال هنا يا مدير، تركت لك كأسك! هاها.”
فوغون و البقية وقفوا أماكنهم فور تخطيهم البوابة، وكأنهم نسوا أن عليهم المشي… مخيلاتهم انهارت.

على اليمين يوجد احتفالية من نوعٍ ما، حوالي عشرة آلاف شخص مختلفي الاحجام والاشكال، بعضهم قصيرين ذوو لحية كثيفة، و بعضهم ذو أطراف طويلة، و لهم أعين سوداء لامعة، و بعضهم مجرد بشر عاديين مثلهم… كلهم يشربون و يُهللون بفرح، و يتبادلون الكؤوس، و اللحوم، حتى أن بعض المشاجرات الصغيرة كانت تقع هنا، و هناك، لكن لا تؤثر على الجو العام.

ثم على اليسار يوجد ما يشبه مطبخ عملاق في الهواء الطلق، ما لا يقل عن عشرون الف شخص يقوموا بتقطيع وحوش ضخمة و يقوموا بشيها، و بعضهم يقوم بطبخ خضروات لم يروها من قبل في قدور عملاقة، يبدو و كأنه يعدون الغداء لملايين الأفواه…
“هاي أنظروا هناك!” أحد الحكماء بجوار فوغون أشار نحو اتجاه معين.

“همم؟!؟!” عندما نظر الجميع لذلك الإتجاه وجدوا ما يشبه حديقة صغيرة، لكن الغريب فيها أن النباتات، و الأشجار في تلك الحديقة كانت تنمو بسرعة جنونية، فور ما يتم قطف الثمار، أو قطع إحدى النباتات تنمو أخرى فوراً مكانها..

*هذا يشبه ما يفعله الآباء الأشجار!* فكر الجميع.

ثم نظروا للأمام قليلاً على كلا جانبي التلة، الآلاف من البشر يجلسون أمام الخيم الخاصة بهم، و كلاً منهم ينظر نحو السماء للتأمل، أو يلعبون الشطرنج مع زملائهم، و كلهم بلا دروعهم الذهبية!

الوحيدين فوق التلة الذين ما يزالوا يرتدوا دروعهم و يتعاملوا بشكل احترافي هم الحراس الواقفين فوق السور و بضع اشخاص واقفين بجانب قوس معدني ضخم عند أعلى التلة!

“…..بحق الجحيم؟!”

الرهبة، و الترقب الذين كانوا يملؤون فوغون، و رفاقه ذهبوا في لحظة، و حل محلهم الشعور بالإهانة!!

“فوغون، أهؤلاء من أنت مرعوب منهم، و تعمل لهم ألف حساب؟ كيكيكي لقد فتحت عيني اليوم حقاً!” الجرذ السمين وقف على قدميه الخلفيتين، أمسك بطنه بيديه العلويتين، واخذ يضحك بصوت عالٍ.

“… ليس جميعهم أقوياء كما ذكرت، معظمهم فعلاً يبدو قوي بما يكفي لإستخدام الدرجة الثانية، أو حتى الثالثة من القوانين، لكن الاشخاص السكارى هناك يبدون أضعف بشكل واضح، لابد أنهم هم بقية الجيش الذي تحدث عنه رئيس القبيلة روبين في تهديده لك، لهذا هو لم يظهرهم منذ البداية، لأن وجودهم مثل عدمهم!” أشار الهدهد بجناحه نحو فرقتي أسياد النقوش، و الحدادين الإلهيين.

ثم هز الغراب رأسه. “فوغون، لقد بالغت في تقديرهم حقاً… كنت تتحدث بشكل مبالغ عن قوة الدروع، و الأسلحة الذهبية، لكن لا أحد منهم يرتديها الان، لو هاجمت الآن قد لا نحتاج تدخل الاب الشجرة هوفنهايم، ماذا إن كان لديه أربعون ألف جندي قوي إذاً؟ فأنت نفسك لديك حوالي 48 ألف مستخدم للدرجة الثانية من القوانين، و 2000 مستخدم للدرجة الثالثة، جيشك سيقوم بإبادتهم جميعاً بإشارة منك.”

“معهم حق يا ابي، لا أعلم ما إن كان قد اعماهم الغرور أو أن اختبائهم تحت الأرض فترة طويلة أفقدهم الحس السليم، لكن الآن هو الوقت المناسب للضرب!” شدت إليس كُم والدها، و تكلمت بحماس.

نظر فوغون نحو إبنته التي تكاد تترجاه لأخذ القرار، ثم نحو بقية الحكماء الذين يشعرون بالإهانة، و الحيوانات الثلاث الذين ينظرون له بنظرة كلها سخرية، و إستنقاص.

ثم أرجع عينه لينظر إلى ظهر إليزابيث التي تسير أمامهم، بعيون يملأها الحقد، و الغضب، بينما الأرض تحت قدميه بدأت تشقق ببطئ…

 

 

من Zeus

Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Most Voted
Newest Oldest
Inline Feedbacks
View all comments
-+=
39
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x