“واو، يا له من منظر خلاب، هل أنت السيد فوغون ومرافقيه؟ مرحباً بكم في مقرنا المتواضع!”

صدر صوت فجأة بلغة أهل جرينلاند عندما وصل جيش البشر المحليين لمسافة كيلومتر واحد من التلة، مُقاطعاً حديث فوغون مع بقية الحكماء، و التجسيدات من حوله.

“همم؟” نظر الجميع للأعلى قليلاً نحو مصدر الصوت، فوجدوا إمرأة تطفو بإتجهاهم بمفردها، خلابة الجمال تبدو في أواخر العشرينات من عمرها، ترتدي ثوب أخضر مكشوف عليه قطع دروع ذهبية متناثرة، و تُمسك بصولجان ذهبي صغير.

“هل قالت للتو أن شكل جيش قبيلة غضب الشمال.. خلاب؟” تمتم أحد حكماء القبيلة.

“أنها لا تعتبره جيش أساساً، لقد دعتنا بالمرافقين..” رد عليه آخر، بدا وكأنه على وشك البكاء، الزئير و إطلاق الهالة القاتلة الكثيف بدى وكأنه لعبة أطفال فجأة.

“أنتي تكونين..؟” سألت إليس بحاجبين معقودين قليلاً، لم تستطع إلا الشعور ببعض الحسد إتجاه جسد المرأة الناضج أمامها.

” انا إليزابيث، إحدى جينرالات معاليه روبين .” أشارت إليزابيث لنفسها، و تكلمت مبتسمة، ” لقد تم ترشيحي لأكون المسؤولة عن إستقبالكم اليوم، رجاءً إتبعوني!”

إرتعشت عين فوغون قليلاً عندما سمع هذا و تكلم بإمتعاض. ” أين روبين نفسه؟ أين اولئك الثلاثة قيصر، و جابا و أليكساندر؟ لماذا أرسلوك انتِ؟”

“معاليه! إسمه.. معاليه روبين.” ملامح إليزابيث الرقيقة تغيرت للغضب للحظة مُطلقة هالتها في نصف خطوة مستوى إمبراطور، ثم في غمضة عين أخرى اختفت هالتها مجدداً، وعادت للتكلم برقة. ” الزميلين أليكساندر، و جابا، و صاحب السمو قيصر، و بقية الجينرالات مشغولين الآن بالإستعدادات لبدء الحدث الرئيسي لليوم لذا جئت أنا، أرجو أن لا يكون لديكم مانع هيهي.”

“لا.. لا مانع.” أرغم فوغون إبتسامة على وجهه ورد، هالته إليزابيث الذي إستشعرها الآن كانت بلا شك في مستواه، أو حتى أقوى منه بقليل، إن كان شخص أقوى منه غير مؤهل ليستقبله فمن سيكون..

و ليس هو وحده الذي شعره بقوة إليزابيث، بل الجرذ السمين، والهدهد، والغراب بدأوا ينظرون بعضهم بجانب أعينهم. *أهذه فقط واحدة من جينرالات القبيلة الجديدة؟!*

“نعتذر إني جئت بالجيش حتى هذه النقطة، أعلم أنه يبدو تصرف عدائي قليلاً أن يقترب أحدهم من مقر قبيلة أخرى لهذه الدرجة بجيشه، لكني خشيت ان يقوم ذلك الأب الشجرة الخسيس بمهاجمة جيشي بينما أنا بعيد عنه، أتمنى أن يتفهم..

معاليه..” تكلم فوغون بحذر شديد هذه المرة، المواجهة التي تحصل الآن هي إحدى أكبر العقبات التي فكر فيها طوال طريقه إلى هنا..: كيف يوصل الجيش لأقرب نقطة ممكنة من التلة المنحدرة حتى يقوموا بالهجوم المفاجئ بشكل خاطف.

القبيلة الجديدة بالتأكيد عندهم توقع، و لو بسيط أنه قد يرفض العرض، و ينقلب عدواً لذا سيكونوا محتاطين حوله، فكيف يسمحوا له بالاقتراب؟

الخطة الرئيسية كان يجعل الجيش يصل لبعد 10 كيلومترات على أقل تقدير قبل أن يوافق على تركه، و يتقدم بمفرده، لكن عندما وجد أنه لا يوجد ايف حراسة، و لم يعبأ بهم أحد قرر التقدم أكثر.. ثم أكثر.. حتى كاد يلمس التلة الآن!

حتى إن لم يكن يوجد حراس لمنعه فهذا يعتبر استفزاز مباشر، و يحق لإليزابيث الآن طردهم إن لم يقنعها، و إلا قد تبدأ حرب طاحنة فوراً بدون فرصة للقاء روبين مجدداً!

لكن رد إليزابيث كان مغايراً لكل توقعاته، حيث صفقت، و قال بضحكة ملأت، وجهها. ” اها طبعاً هذا الإحتمال وارد، أتعلم ماذا؟ هذه المسافة ما تزال بعيدة جداً، هات مرافقيك خلفك، و تعال نصعد التلة معاً، يمكنهم أن يتوقفوا أمام البوابة.”

“…ايه؟” فوغون، و التجسيدات، و حتى بقية الحكماء في المنطقة كلهم ردوا بنفَس واحد.

“ماذا؟ لا يمكنهم الدخول حالياً للأسف فلا يوجد مكان. هيا هيا لا أريد ان أضيع رؤية حدث اليوم، و اشك أنكم أيضاً تريدون تضييعه هيهي تعالوا ورائي.” قهقهت إليزابيث، ثم بدأت تطفو لسفح التلة بوتيرة بطيئة بعض الشيء حتى يلحق بها البقية.

“…………..”

بضع ثوان مرت منذ تحرك إليزابيث، و لم يعرف أحد ماذا يقول، في النهاية فوغون فقط أشار للجيش بمتابعة المسير، و الصعود على التلة.

“… أنهم فعلاً مغرورين كما قال الاخ فوغون.” أخيراً تكلم الغراب، لا يعرف ماذا يقول أكثر، طريقة تعامل إليزابيث معهم كانت كأنها ترشد فرقة أطفال نحو فصلهم، و ليس جيش قد يكون عدائي.

“بل هذا مبالغ فيه يا رجل.. مبالغ فيه! إنهم لا يضعون جيش قبيلة غضب الشمال في أعينهم، أشك أنه حتى انا يمكنني جمع جيش كهذا!” رد الهدهد بتعصب.

بعد عدة ثوان أخرى تكلم الجرذ. “…هاي فوغون، دعنا نستنفذ كل الخيارات قبل التفكير في الحل البديل.”

الجميع فهم المغزى من كلام الجرذ، كل المؤشرات تقول ان القبيلة الجديدة تستند على قوة كبيرة, و تصرفاتهم اليوم تؤكد ذلك، إن إستخدم فوغون خيار الهجوم المفاجئ، و لم يسري كما يريد فلن يكون هنالك رجعة، هنالك فرصة ليست بالقليلة أنهم قد يواجهون الإبادة اليوم إن حصل هذا.

أومئ فوغون بدون إضافة كلمة، لكن معالم وجهه الغاضبة، و عيناه المرتعشتين كانتا تقولان الكثير..

منذ توليه حكم القبيلة.. لا، بل منذ مولده، و هو يواجه خطر الإبادة كل يوم، كيف لا و قبيلة غضب الشمال تقع بين دائرتي سيطرة لإثنان من الآباء الأشجار، كل واحد فيهم يسعى جاهداً لقتلهم و أخذ اراضيهم؟

لولا أن هذين الأبوين لديهم حدود أيضاً مع الحدود من القبائل البشرية الأخرى، و عليهم تحريك جيوشهم بتعقل خوفاً من الهجمات من بقية القبائل، لكان تم القضاء على قبيلة غضب الشمال منذ زمن، بل و بقية القبائل أيضاً.

كل يوم يقوم بشر هذا العالم خائفين من هجوم، أو مستعدين لهجوم، الخوف من الموت اندمج عميقاً في نمط حياتهم، و فوغون الذي عاش لألفي عام تقريباً جرب هذا الشعور كثيراً حتى تبدلت مشاعره.

لكن اليوم فقط إكتشف أن مشاعر الخوف لديه لم تتبلد حقاً… بل أن صدره لم يضيق ابداً أكثر من اليوم.

 

 

 

من Zeus

Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Most Voted
Newest Oldest
Inline Feedbacks
View all comments
-+=
39
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x