أما قبيلة عزيل فلم تفعل شيئاً حيال تلك الشهوة التي ضربت شباب العمالقة إتجاه لحم ريتشارد، بل رأوها طريقة جيدة لكسب المزيد من المال، خاصةً بعدما عالج ريتشارد نفسه، و أنبت لنفسه ساق جديدة!
عندما علم ريتشارد بأن قبيلة عزيل تنوي إستعماله كمستودع لحم بجانب إستعماله كطبيب، هدد بالإنتحار فوراً… و صدقوه.
إجباره على العمل كطبيب بدون مقابل بعدما أكلوا والدته أمامه كان سئ بما يكفي، ما الذي سيمنعه من قتل نفسه إن قطعوا أطرافه لبيعها كلحوم الحيوانات؟ لذا تم إلغاء فرصة العمل المربحة هذه، بقاء ريتشارد حياً لإطالة حياتهم هو الشأن ذا الأهمية الكبرى.. لكن الفكرة لم تترك أذهانهم بالكامل بالكامل.
فبدأت المفاوضات بين ريتشارد وبعضاً من ممثلي عشيرة عزيل… هم يريدون بيع اطرافه بأي وسيلة، حتى أنهم عرضوا عليه جلب بعض الفتيات البشريات للترفيه عنه مرتين أسبوعياً، و هو رافض بشكل قاطع!
في تلك اللحظة شعر كم كان محقاً في محاولة تعلم لغة أهل المكان الأبيض إلى قلبه، لولا أنه كان ذكي بما يكفي، و تعلم بعضاً من لغة نيهاري من التعامل مع كل أولائك المرضى، لكانوا أخذوا القرار بدون علمه، و هو انتحر بدون ان يعرف ماذا يجري حوله!
في النهاية عرضوا على ريتشارد تزويده بوشوم إلهية، و الكثير من درر الطاقة لرفع قوته بسرعة، بمقابل أن يرفعوا عنه الحماية جزئياً ضد من يريد أخذ قضمة، او اثنتين منه، لكنه بالطبع يحتفظ بحق الدفاع عن نفسه.
بعبارة أخرى.. إن كان هنالك عملاق في نفس مستواه، أو أقل و يريد أخذ قطعة من ريتشارد، عليه دفع عشرة آلاف درة في الخارج، ثم يدخل للريتشارد ليقنعه، أو يقاتله من أجل أخذ ما يريد… لكن في النهاية يجب أن يبق كلاً من ريتشارد، و العملاق أحياء مهما كانت نتيجة المفاوضات أو النزال!
ريتشارد وجد أن هذا هو أقصى تنازل يمكنهم تقديمه، فـ عشرة آلاف درة ليست بالشيئ الذي يمكنهم تجاهله، هذه ميزانية بعض العشائر!
كما أنها فرصة جيدة لزيادة قوته الشخصية أيضاً، هو قد لا يحتاج لدرر الطاقة في التدريب بما ان لديه تقنية امتصاص الطاقة المطلقة و التي بها يمكنه الوصول لقمة نطاق القدسية إن مُنح ما يكفي من الوقت، لكنه بحاجة ماسة لوشم تقوية الجسد من أجل ان يتمكن من التحرك في هذا الكوكب، و هذه قد تكون فرصته الوحيدة للحصول عليه.. فبعد كل شيئ، لو أراد الهرب يوماً ما سيكون عليه أن يتعلم المشي أولاً!!
… فوافق في النهاية.
و الشباب الأغنياء في المنطقة الشمالية بالكامل وجدوا لأنفسهم هدف جديد يضفي بعض الحماسة على حياتهم التقليدية، فبدأوا بالتسابق على من سيذهب أول،اً و عمل رهانات على من سيجلب أكبر قطعة من طبيب اللهب الأخضر.
ريتشارد لم يكن مضطرب جداً بعد بدأ تطبيق القانون الجديد لأن من سيحاولون أخذ قطعة منه سيكونوا أشخاص في مثل مستواه أو اقل، فلماذا يخاف؟ أنه العبقري المولود من ميلا برادلي، و روبين بورتون، هو المالك الوحيد الحالي لتقنية نار الحياة الفريدة من نوعها، كما أنه تدرب على جميع مهارات القتال، و النجاة على يد كبار عائلة بورتون طوال حياته، من يمكنه هزمه لو كانوا في نفس المستوى؟!
…لم يمر الكثير قبل أن يدرك ريتشارد أن الكثيرين يمكنهم هزمه.
التعليم النظري شيئ، و العملي شيئ اخر، هو من وُلد بمعلقة من ذهب في فمه لم يواجه ابداً قتال حياة، أو موت ضد شخص في مثل قوته، أما خصومه فكانوا إما مرتزقة محترفين أرسلهم شخص غني، أو أسياد شباب مندمجين مع جيوش قبيلتهم منذ الصغر مثل جابا… في أول عام بعد وضع القانون الجديد تم هزمه، و قطع اطرافه 10 مرات.
قُطعت سيقانه و أذرعه 10 مرات خلال سنة واحدة.. معظم الأوقات لم يكن قد انتهى حتى من إنتاج طرف جديد إلا و قُطع الاخر، على نهاية السنة لم يكن لديه إصبع واحد في مكانه سواءً في ذراعه، او ساقه.
الألم الجسدي الناتج من قطع اطراف المرء لا يمكن وصفه، و الألم النفسي الناتج من معرفة مصير ذلك الطرف أسوأ حتى…
و في نفس الوقت أسطورة طعم لحم طبيب اللهب الاخضر لم تضمحل ابداً و السباق عليه لم يخف، بل بالعكس… كل واحد من الذين فازوا كرر ما فعله أول عملاق أخذ قضمة من ريتشارد، تباهوا و قالوا انه افضل شيئ أكلوه في حياتهم، و انهم سيعيدوا التجربة مرة أخرى!
الأمر لم يكن له علاقة حقيقية لطعم لحم ريتشارد، بل الثمن المدفوع فيه.
الأمر أشبه بالأشخاص الذين يأكلون شرائح الذهب الرقيقة، و يتباهون بها أمام الناس مع أن الجميع يعرف أن الذهب لا طعم له اساساً، و لا ينفع الجسد بشيئ، فما الفائدة من اكله؟ الناتج الوحيد هو انه سيكون لديك غائط ذهبي اللون بعد تناوله! و مع ذلك الاثرياء يأكلونه، و يمدحون فوائده الغير موجوده.
الألم الجسدي و النفسي كانا قد اوصلا ريتشارد صاحب الـ 13 عاماً إلى حد الجنون، لدرجة انه خلال السنة الثانية كان يدخل نوبة بكاء هستيرية عندما يتقدم عملاق نحوه و معه أداة حادة.
لكن ذلك لم يوقفهم.. في العام الثاني بعد بدأ إعلان بيع الاطراف، تم قطع أذرع، و أرجل ريتشارد 14 مرة إضافية.
في تلك السنة لم يحاول حتى ريتشارد الدفاع عن نفسه، كان يعمل ليل نهار لعلاج المرضى بجسد لا يوجد فيه سوى رأسه و البطن، و يرتعش خوفاً من اللحظة التي سيأتي فيها شخص جديد لحصد أحد اطرافه الغير مكتملة مجدداً…
الشئ الوحيد الذي ابقى الرقم عند 14 فقط للسنة الثاني هو أن حراس ريتشارد ينتظروا حتى ينموا لهم قطعة جيدة من العضد او الفخذ قبلما يقبلوا عملية البيع التالية.
لكن *مراعاة* الحراس لم تمنع ريتشارد من الوصول لإنهيار عصبي كامل في بداية السنة الثالثة، حيث منع الطعام، و الشراب و توقف عن معالجة نفسه، او معالجة أي شخص آخر.
لم يعرف أحد ماذا يفعل أمام عناد هذا *الطفل* الذي أصبح أشبه بالهيكل العظمي، ماذا يمكن ان يفعلوا به ليعذبوه، و يجعلوه يرجع لما كان يفعله؟ هو لم يعد فيه سوى رأس و بطن!
لكن لأنهم يعرفون جيداً أنه لا يريد إن يموت، استغلوا هذه الفرصة و بدأوا بجلده على ظهره الصغير ليل نهار… بيع أطراف طبيب اللهب الاخضر ببساطة عمل مربح جداً، افضل حتى من ابقاءه حياً لتزويد فترة حياة كبار القبيلة، كيف لبضع أيام زيادة في فترة الحياة أن تقارن بعشرات الآلاف من الدرر؟! قبيلة عزيل في طريقها لتصبح واحدة من أغنى 3 قبائل في الشمال بسببه، كيف لا و أطرافه هى حرفياً أغلى سلعة يمكن للمال أن يشتريها في المنطقة الشمالية، و ربما في الكوكب كله، كما أن اطرافه تتجدد تلقائيا!! أيوجد فرصة عمل أفضل من هذه؟!
امام هذا العذاب كان ينظر ريتشارد إلى السماء يومياً، و يبكي، لا يعرف ما إن كان يفتقد أمه أم يلعنها لأنها وضعت هذا الثقل عليه، إلى متى عليه ان يبقى حياً؟ حتى يجد المدعو روبين بورتون؟ الشخص الذي لم يره من قبل في حياته؟!
هو فعلاً يريد أن يراه، يريد أن يرى الشخص الذي لعنهُ النسب إليه منذ مولده!!
في أحد أيام السنة الثالثة منذ إعلان بيع الأطراف، و الخامسة من وصوله لكوكب نيهاري، نظرة إبن الـ سادسة عشرة للسماء تغيرت.
الدموع كانت ما تزال تملئ عينيه و الحَمار ما يزال يسيطر على بياضها، لكن ملامح الضعف و قلة الحيلة التي كسًت وجهه تحولت لملامح تملؤها الجنون ممزوجة بغضب صافٍ…
الموضوع التاليالموضوع السابق