“هذه.. أسئلة جيدة..” فوغون وضع إبتسامة مصطنعة و تكلم، هو حقاً لم يكن يدري ماذا يقول غير ذلك.
على مدار حوالي مئتا ألف سنة وضع الكثير من الحكماء العديد من النظريات حول ما يجري، بعضاً منهم كان قريب بعض الشيئ مما يقوله روبين الآن، لكن أولائك الحكماء أخبروا قوة، و قدرات الآباء الأشجار بأنفسهم، و قرأوا تاريخهم الطويل بالتفصيل قبل الوصول لنظرياتهم، لكن روبين قام بتفصيص كل شيئ لهذه الدرجة و صنع نظرياته الخاصة بعد الكلمتين اللاتي قالهم له؟! إن هذا ببساطة…
ثانياً.. المصطلحات التي تكلم بها روبين… *هل أثر ذلك على البشر المحليين.* لماذا يتكلم و كأنه ليس منهم؟ أو *قوانين هذا الكوكب* أي كوكب؟ ما الذي تعنيه هذه الكلمة اساساً؟ و ما هو *امبراطور*؟!
نظر فوغون بجانب عينه مجدداً نحو إليس من فضوله ليرى كيف تتعامل مع كل ما قاله روبين، فوجدها ما تزال تتعرق بشدة و حاجبيها معقودين كالمخيط…
عرف فوغون في لحظتها أنها غالباً تفكر في نفس الأشياء، لكن بدون إجابات أيضاً، كلمات روبين يمكن استخراج الكثير من الأشياء الغريبة منها، لكنها ايضاً كلمات عائمة ليست بدليل على أي شيئ.
ثم عاد للنظر نحو روبين بنظرة مختلفة بالكامل هذه المرة، محاولة فرض السيطرة عبر غلق عينيه، و التكلم بوتيرة بطيئة لم يعد له أثر، فقط نظرة جادة و ترقب لكل كلمة ستخرج من فم ذلك… الغريب…
اما روبين فأمسك رأسه بكلتا يديه لبضع ثوان، واضح انه كان في ألم شديد، ثم أنزلها، و هز رأسه برفق، و تكلم. “…قلتم أنكم لم تخرجوا من خلف الخنادق لمهاجمة دوائر سيطرة الاباء الاشجار منذ زمن بعيد، مع ذلك ها نحن ذا نتكلم في دائرة سيطرة الاب الشجرة هوفنهايم، هممم… هل رأيتم هجوم البرق، و عرفتم أن الأب الشجرة في ورطة و قررتم الصيد في الماء العكر؟”
“…صحيح، عندما يتم تفعيل هجوم البرق يضرب كل شيئ يطير في الجو حتى الحشرات و الطيور، انه هجوم قوي جداً حتى الأب الشجرة نفسه لا يمكنه تفعيله لمجرد العبث، مع أننا لا نعرف كم مرة يمكنه تفعيله إلا انه قطعاً لا يمكنه تكراره أكثر من مرة خلال الفترة القليلة التالية، لذا عندما رأيناه عرفنا أن الاب الشجرة هوفنهايم تحت هجوم و قررنا التدخل لنرى ما يحدث.” أومئ فوغون بجدية. ” كنا متأكدين أن بقية القبائل لم ترسل جيوشاً، و إلا لأخبرونا، لذا كنا متأكدين أنه حصل خلاف بين الآباء الأشجار، و أن هذه حرب داخلية بينهم، لكننا لم نعتقد لوهلة أننا سنقابل.. اقارب ضائعون..”
” هيهي إذاً كنتم تعلمون علم اليقين أن وجودكم في أراضي هوفنهايم هو بسببنا نحن، كما أننا نحن من ساعدناكم على سحق جيوشه من البراعم و تأمين قطعة ارض جديدة لكم، مع ذلك قررتم الضغط على جيشي حتى تراجع مئات الكيلومترات؟ لديكم طريقة فريدة لإبداء إمتنانكم.” قهقه روبين، وهو نظر في عينا فوغون.
“… أرجو أن تعذرنا في هذا آخر روبين فنحن أردنا عمل الخنادق، و تأمين أكبر قدر من الأراضي بسرعة قبل يرسل الاب الشجرة هوفنهايم المزيد من التعزيزات أو يتدخل آباء أشجار آخرون، لابد أنك تتفهم صحيح؟ ثانياً يقع عليكم بعض اللوم أيضاً، بدون التواصل معنا بشكل لائق، و إثبات أنكم قبيلة بشرية ضائعة، كيف نعرف أنكم لستم نوع جديد من البراعم يريد الاب الشجرة دسه بيننا؟ في الحقيقة، حتى الآن هذ الإحتمال لم يُنفى بالكامل.”
“اوه، هاها أعتذر عن فظاظتي اخ فوغون، لكنك رأيت شيئاً من قوة كتيبتي الذهبية عند تعونكم ضد جيوش البراعم، هل تعتقد…” ضحك روبين بصوت عالٍ في البداية، لكن نظرته تحول للجدية عند هذه النقطة، “…اننا بحاجة للتقارب منكم بهذا النحو؟”
” أعتقد انك تستخف بنا كثيراً، سيد روبين…” عقد فوغون حاجبيه، و تكلم.
“اوه حقاً؟ لست أنا من أهنت جيشك، و دفعته للخلف في غيابك مع أنهم كانوا يظهرون حسن نية بكل وضوح، أتظن أننا نحن، الجيش الذي صال و جال في دائرة سيطرة هوفنهايم الذي تخشون وضع قدم في أرضه، خائف منكم؟ ياللسذاجة! لو أراد تلميذي جابا هنا التصرف من رأسه و رد جزء العدوانية التي اظهرتموها له لكنتم جميعاً في عداد الموتى الآن.” رفع روبين رأسه، و تكلم من أعلى أنفه كان الازدراء واضح جداً في كلماته، وعينيه.
ملامح الغضب بدأت تظهر على وجه فوغون بوضوح، أراد فتح فمه عدة مرات ليرد، لكنه لم يجد شيئاً ليقوله!
الجو داخل الخيمة ثقُل بشكل مخيف، لم يقل أحد كلمة بعدها، فقط اكتفوا بالنظر لبعضهم، و عمل الحسابات… حتى إليس الواقفة وراء والدها شددت يدها على سلاحها.
“معاليك.. يمكنك نسيان.. الماضي!” جابا تدخل بشكل تكتيكي.
“… همف، لقد تمت إهانة جيشي في غيابي، هذا يعني أنه قد تمت إهانتي يا تلميذي العزيز. انا من صنعت جيش يمكنه تدمير هذا العالم برمته بإشارة من إصبعي، كيف يمكنني السماح بإهانة جيشي؟ و على يد من هم؟ تلك الكائنات ناكرة المعروف؟”
كلمات روبين القوية أرسلت قشعريرة في ظهر فوغون. *تدمير.. العالم؟ هل يدرك ذلك الشخص حتى ما يقول؟!*
لكن قبل ان يتمكن فوغون من قول كلمة، تكلم جابا مجدداً. ” ماذا لو.. اعتذروا؟”
صمت روبين لبضع ثوان ثم أومئ. “…تسك~ لقد جئنا لنبحث عن أقربائنا على أي حال، سيكون نذير شؤم أن قمنا بتدمير أول قبيلة نراها… حسناً لا بأس بإعتذار، لكن يستحسن به أن يكون اعتذار جيد يُغطي ما حصل!”
*كراااك*
“تدمر من يا هذا؟ تعال جرب!! أتحسبنا خائفين منك؟!” ضربت إليس رمحها في الارض، و صاحت.
“أحسبكم خائفين مني؟ همم، لو كنتم عاقلين ستخافوا” روبين نظر نحو إليس بجانب عينيه، و تكلم بإحتقار واضح.
عندما سمعت إليس هذا بدى و كأن عِرق طق في رأسها، كادت تأخذ بضع خطوات للأمام، و تشتبك فعلاً مع روبين، إلا أن قبضة فوغون التي كادت تتحطم من شدة الضغط عليها، حالتها دون ذلك، و أشار لها أن ترجع لمكانها.
إلا أن عينه لم ترتفع عن روبين للحظة..
تلك الإبتسامة الصغيرة الواثقة، و النظرة من الأعلى، و اليدين المتقاطعتين، روبين بدى انه لديه تمام الثقة مما يقول، و الأهم… لم يستشعر فوغون منه أي نية قتل في نفس الوقت.
لقد فهم… ما يفعله روبين الآن ليس بداعي الغضب، ولا الإهانة كما يقول، بل لعبة سيطرة.
كما لعبها هو و دفع الكتيبة الذهبية للخلف مراراً عن طريق ترهيبهم، و عن طريق إجبار روبين على المجيئ لحد عنده، و ليس لقاءه في منتصف الطريق، و بطريقة كلامه و جلسته منذ رآه… كلها مجرد ألعاب ذهنية لفرض السيطرة.
فوغون كان يريد أخبار القادمين الجدد من هو الرئيس هنا بشكل غير مباشر.
لكنه لم يحسب أبداً أن روبين، شخص لا يملك أفضلية الأرض، ولا الاعداد، يريد لعب نفس اللعبة، و بهذا الطريقة المباشرة أيضاً…
الموضوع التاليالموضوع السابق