*باا*
“نحيي معاليك.”
“نحيي معاليك!” “نحيي معاليك!” “نحيي معاليك!”
أعطى جابا انحناءة كاملة عندما رأى روبين يهبط أمامه، ثم انحنى خلفه بقية الجينرالات، وآلاف الجنود القريبين من البوابة، الجديد أن هذه المرة لم تظهر وجوههم علامات الاحترام، و الرهبة المعتادة فحسب، بل كانت تعتليهم سعادة خالصة!
حتى جابا نفسه، و قيصر، و بيون الذين لديهم قدر عالٍ من الثقة إتجاه قدرات روبين، و يتابعون أخباره أول بأول عن طريق التواصل مع إليزابيث، بدو كأنهم على بعد خطوة من التقدم، و احتضان روبين!
قيصر بالفعل كاد يفعلها عندما رآه قادم، لكنه قبض يده، وثبت قدمه في الأرض، أن يحضن سيد عالم يورا كالطفل، و أباه أمام كل أولئك الجنود سينقص من هيبته وهيبة روبين في نظره، لذا ظل يراقب روبين القادم نحوه بعينين يملأهما دموع الفرحة في صمت…
أما البقية فالسعادة و الدهشة قامتا بإلغاء كل أفكارهم تقريباً… بعد سقوط روبين ذلك اليوم، و بعد صيحته *سأسحبك معي.* ظن الجميع أنه في عداد الموتى بالفعل، أن يرجع لهم في غضون أقل من ثلاثة أشهر فقط لهي معجزة، معجزة فقط معاليه روبين يمكنه إتمامها!
كما أن روبين لم يأتي وحيداً، أليكساندر أيضاً و حوالي الف من الحكماء الذي سقطوا ذلك اليوم بسبب الصواعق قد جاؤوا معه، و كلهم يبدو عليهم الحيوية!
“استريحوا.” رفع روبين كلتا يديه، و صاح مبتسماً، ثم عاد للنظر نحو جابا، “إليزابيث أخبرتني أمر أو اثنين عن ما يدور هنا، أعطني أنت ملخص سريع، يا سيادة القائد الثاني.”
“إحم، حاضر. أولاً أسمح لي أن اخبرك نيابة عن الجميع أننا نرحب بعودتك سالماً لنا.” أومئ جابا، و قال متحمساً، ثم أكمل بصوت منخفض. ” بالنسبة للأوضاع، ربما علينا مناقشتها في مكان أكثر هدوءً.”
“هذا معقول أيضاً..” أومئ روبين مبتسماً، و بعينان مُركزتان، ثم بدأ يخترق المخيم بخطوات ثابتة، الألف حكيم الذين جاؤوا مع روبين تُركوا في الخلف، و بدأوا يجدوا لأنفسهم مواقع ضمن الجيش مجدداً، بينما حافظ أليكساندر و بقية الجينرالات على مسافة نصف خطوة خلف روبين في صمت تام، فقط جابا الذي بدأ يعطيه الإرشادات للوصول لخيمة القيادة.
“لا، لا وقت لدخول خيمات اليوم، فلنذهب صوب الجبهة مباشرةً.”
“همم؟ ..حاضر.” تعجب جابا من طلب روبين، فقد كان يريد أن يتناقش معه في الوضع الحالي وكيفية الخروج منه بأقل الأضرار، حوار طويل كهذا قد يستغرق ساعات إن لم يكن أيام!
لكنه أعزى ذلك إلى أن روبين يريد أن يرى بنفسه السكان المحليين…
بعد خمس دقائق—.
“نحيي معاليك!”
“نحيي معاليـ.. هذا..؟”
*خطوة خطوة—*
تقدم روبين بين صفوف الحراس، و وراءه الجينرالات كما هو، ثم تقدم إلى ما هو أبعد من ذلك حتى وجد صخرة كبيرة و قفز عليها، ثم بأعين ضيقة بدأ يراقب الوضع أمامه..
على بعد كيلومترين فقط يوجد مخيم ضخم يمكنه أن يساع مئات الآلاف من الجنود، إستابلات مليئة بالوحوش التي لم يراها في حياته من قبل بعضهم يشبه وحيد القرن، و بعضهم يشبه النمور، و بعضهم زواحف ضخمة الحجم..
أما أكثر ما جذب انتباهه كان كتيبة من حوالي 10 آلاف جندي يقفوا في وضع الإستعداد أمام ذلك المخيم، جميعهم يرتدون دروع، و يمسكون سيوف معدنية كتلك التي كانت منتشرة في كوكب يورا سابقاً…
بعين الحقيقة روبين أمكنه القول ان اولئك البشر بالفعل يشبهون بشر كوكب يورا كثيراً، ربما الاختلاف الوحيد الملحوظ هو أن بشرتهم تميل لدرجات اللون البني أكثر.
“هل ينوي أحدكم ان ينورني، و يخبرني لماذا تلك الكتيبة تبدو وكأنهم مستعدين للإشتباك معنا؟ و لماذا جيشنا على بعد 75 كيلومتر فقط من التلة و ليس على بعد 500 كيلومتر كما أمرت؟ هل بدأت حرب بيننا وبين أولئك البشر بالفعل؟!” عقد روبين حاجبيه قليلاً و رد.
الكل نظر نحو جابا عند تلك اللحظة، حتى أن فيكتوريا أشارت له بأن يتكلم بملامح تنم عن الشماتة.
تنهد جابا عندما رأى هذا و أخذ خطوة أخرى للأمام. ” انا منفرداً أتحمل مسؤولية التراجع.”
عقد روبين حاجبيه قليلاً. ” ماذا حدث بالضبط؟”
“…قبل حوالي شهرين ونصف، عندما ساعدنا أولئك البشر ضد الكائنات البشرية البيضاء، و قمنا بإبادة أعداد هائلة منهم، كانت الأمور جيدة بيننا نسبياً، و تحسنت تدريجياً مع كل موجة هجمات نصدها معاً، لكنهم منذ علموا أنه لا يمكننا التكلم معهم بلغتهم نهائياً، و هم يعاملوننا ببرود، بشكل جيد، لكن ببرود…” أنتظر جابا لحظات عند هذه النقطة ثم أكمل. ” بعدما قمنا بهزيمة كل جيوش الكائنات البشرية البيضاء في تلك النقطة، و هم قاموا بإرسال كتائب صغيرة لمسحهم بشكل كامل حتى لم يبق منهم أحد، بدأت المشاكل بيننا تظهر، حيث أنهم بدأوا بشكل واضح للعيان التجمع أمامنا و كأنهم مستعدون للحرب ضدنا نحن.”
“كما يحدث الآن.” أشار روبين نحو مخيم البشر خلفه.
“بالضبط… استمروا بالحشد لبضع أيام، كان بإمكانهم الهجوم في أي وقت، لكنهم تريثوا تقدموا ببطئ شديد و كأنهم يحثوننا على المغادرة، و إلا سيعلنون الحرب.” تكلم جابا، ثم أشار لبقية الجينرالات حوله خاصة فيكتوريا. ” السادة هنا أرادوا مني ان أعطي الأمر بالثبات اماكننا، و إثبات قوة جيشنا حتى لا يظنوا أننا ضعفاء، و أنا كنت أقول إن علينا التراجع حتى نجد فرصة لإصلاح العلاقات لاحقاً، و استمر الجدال بيننا حتى اقترب جيش البشر لمسافة خطيرة…. في تلك اللحظة وصلتنا أوامر سيادتك بالتراجع.”
فيكتوريا لم يبدو أن الكلام قد أعجبها، ونفخت بعصبية، و تكلمت. “همف، لا تحاول تحييد المسؤولية على معاليه، هو أخبرك أن تحافظ على مسافة 500 كيلومتر من التلة، و تعتبرها أراضينا و تدافع عنها، لكن ماذا فعلت أنت؟ هم استمروا بالتقدم كلما قاموا بمسح منطقة جديدة، و أنت إستمررت بالتراجع كلما اقتربوا منا حتى وصلنا لهذه النقطة! لابد أنهم يظنون أننا مجموعة مهرجين الآن!!”
“اتفق مع فيكتوريا هذه المرة، قواتنا يمكنها التصدي لذلك الجيش، أو حتى القضاء عليه كلياً لو تحتم علينا ذلك، لماذا كان علينا التراجع؟ إمبراطورية البداية الحقيقية لا يجب أن تتراجع أمام أحد، لقد جئنا هنا للغزو!!” قيصر أيضاً تكلم منزعجاً.
القى روبين نظرات على كل الجينرالات و كبار القادة حوله، كلهم واضح عليهم الانزعاج، و الغضب من قرارات جابا في التراجع المستمر، حتى أليكساندر وقف عاقد حاجبيه واضح أنه لم يعجبه الكلام أيضاً مع أنه لم يكن موجود أساساً!
عندما رأى روبين هذا عاد للنظر نحو جابا مبتسماً. ” يبدو أنها كانت فترة صعبة عليك..”
هز جابا رأسه و هو يتنهد. ” لقد قمت بما رأيته مناسباً، و أعتذر إن كانت قراراتي أظهرت جيشك كأنه ضعيف يا مُعلمي، لكني أردت الحفاظ على علاقات جيدة مع أولئك البشر حتى ترجع لنا، و تقرر ما علينا فعله، لو اردت مهاجمتهم الآن فأعطني الأوامر، أقسم إني سأجلب لك أكبر عدد من رؤوسهم! …أرجوك عاقبني إن رأيتني مخطئ، و علمني خطئي.”
“لا.. لا لم تخطئ، صحيح أننا لم نأتي لصنع الصداقات، لكننا لم نأتي للغزو، و النهب أيضاً.” أبتسم روبين إبتسامة لطيفة و تكلم. “في الحقيقة، لقد أعطيتني فرصة لأنفذ ما أنا عازم عليه…”
ثم التفت لينظر نحو مخيم البشر المحليين مجدداً، و إستخدم قانون الرياح الرئيسي ليرفع صوته و يصيح بصوتٍ عالٍ: (سو شوا كالي، بامي فيت راسول!)
الموضوع التاليالموضوع السابق