بعد عشر دقائق أخرى سقط أول قديس من جانب المخلوقات البشرية البيضاء العشر، ثم الآخر، ثم الآخر..

خبرة و حنكة جنود عائلة بورتون العسكرية التي إكتسبوها من الحرب المطولة ضد إمبراطورية اللهب أحدثت الفارق بحيث أنهم تعودوا على طرق قتال أعدائهم بشكل اسرع و وضعوا الخطط المناسبة للتعامل معهم، و مع أن الاسلحة الإلهية الذهبية، و الأسلحة الخشبية بدو متطابقين من حيث الصلابة، و القوة إلا أن الميزات الإضافية الدفاعية، و الهجومية الخاصة بالاسلحة الإلهية الذهبية رجحت الكفة بشكل كبير نحوها، ثم الإتساع الكبير بين جودة تقنيات القوانين بينهم، و بين المخلوقات البشرية البيضاء دق المسمار الأخير في نعشهم.

بل يمكن حتى القول ان النزال الذي إستمر بتوازن لحوالي نصف ساعة كان بسبب التحفز و الرهبة إتجاه ما يملكه الجانب الآخر في ترسانته، و السبب الآخر هو أن قديسي المخلوقات البشرية البيضاء ركزوا على الدفاع، و التفادي معظم الوقت.

لكن بعد مقتل سبعة قديسين من جانب المخلوقات البشرية البيضاء لم يعد الدفاع و التفادي يجدي نفعاً، إنسحب الثلاثة الباقين بسرعة متجاهلين صراخ فارغي العيون الذي واضح أنهم لم يكونوا راضين عن رجوعهم..

بعض فارغي العيون طاردوا حتى أولائك الثلاثة، و أبرحوهم ضرباً حتى وصلوا لحافة الموت!

عاد المكان للصمت مجدداً، كان واضح أن من الجو المشحون، و تعابير وجوه قديسي و حكماء المخلوقات البشرية البيضاء أنهم لم يخططوا ان ينتهي القتال بخسارتهم، أو بهذه النتيجة المذلة، و السرعة الكبيرة على الأقل، كان هذا جلياً في تكتيكات العشر قديسين الذين ركزوا على الدفاع، و الهرب أغلب الوقت.

عندما رأى جابا هذا إبتسم، و أشار لعشرة أشخاص آخرين أن يخلعوا دروعهم، و يتقدموا لخارج مصفوفة قبة الطاقة… كان هو من قدم التحدي هذه المرة!

و كأن ماء بارداً سُكب عليهم، جابا شعر بأن كل المخلوقات البشرية البيضاء إرتاحت قليلاً، خاصة فارغي العيون، ملامحهم أخذت منحنى جيد لأول مرة، بل إجتمعوا على الابتسام إبتسامة بلهاء، و كأنهم حقواق انتصاراً عظيماً.

لاحظ قيصر هذا و سأل متعجباً. “جا-.. إحم، القائد الثاني، ما الذي تفعله بالضبط؟!”

هو لم يكن يعلم لماذا تهرب تلك المخلوقات البشرية البيضاء في الخلفية، و لماذا، لكن من المنطقي إن يتم إيقاف العدو إن كان يخطط للقيام بشيئ، لكن ترتيب جابا الآن بدى و كأنه يُكمل الفراغات في خطتهم و يساعدهم!

إبتسم جابا، و هو يشاهد الرجال يستعدون لبدأ النزال الثاني. ” نحن بالفعل محاصرين من قِبل الملايين من الأعداء، ماذا قد يحصل لنا أسوأ إن تراجع أولائك القديسين و الحكماء؟ بل حتى لو وقفوا الآن و تراجعوا فحسب كيف و لماذا قد نوقفهم؟ أتريدنا ان نخرج و نقاتلهم لمنعهم من الرحيل؟ ما فائدة مصفوفة قبة الطاقة إذاً؟ ألن يكون هذا ما يريدونه بالضبط؟ بوجود أفضليتا الأعداد و الطيران في صالحهم لن تكون لدينا فرصة في قتال مباشر، أقصى شيئ يمكننا فعله سيكون ارغامهم على التراجع مثلاً، و هم يتراجعوا الآن بالفعل بدون قتال!! …انا فعلاً لا أعلم لماذا يفعلونها بصراحة… لكنهم يخفضون أعداد من يحاصروننا، و يعطوننا فرصة أفضل للنجاة، لماذا قد نمنعهم؟ بل يجب علينا ان نساعدهم! هنالك شيئ يجب ان تتذكره دائماً أيها الاخ الصغير، إن رأيت العدو يقترف خطأ، فمن الغباء أن توقفه.”

رفع قيصر حاجبيه عندما سمع هذا، ثم أومئ عدة مرات، و عاد ليشاهد النزال الثاني، الذي قريباً جداً أصبح النزال الثالث.. ثم الرابع.. ثم الرابع عشر..

بعد القتال الحادي، و العشرون حصلت مشدة كلامية بين حكماء أفراد من المخلوقات البشرية البيضاء، كان جلياً من إشاراتهم نحو الجثث، و الجرحى أن العراك بسبب الخسائر المتتالية التي يتعرضون عليها.

هذه المشكلة الكلامية بسرعة تطورت لعراك، و الذي انتهى سريعاً بأن أكثر من عشرون الف قديس، و حكيم انفصلوا عن الجيش الرئيسي بغضب، ثم تفرقوا فحسب و كل شخص ذهب في إتجاه مختلف.

لو لم يكن جابا، و بقية جينرالات الجيش الذهبي على علم بما يحدث في الخلفية لربما صدقوا ما حدث للتو، لكنهم علموا عِلم اليقين أن ما حدث للتو كانت لعبة لزيادة سرعة تراجع الجيش، يبدو أن التسلل لم يعد يكفي…

لكن جابا تجاهل هذا أيضاً، و قِبل طلب النزال مجدداً من أحد فارغي العيون الذي بدى غاضباً، واضح أنه كان يريد تعويض الخسائر المتتالية التي تعرضوا ليها، و رد كرامة جنسهم، أو هذا ما كان يحاول إيصاله على الاقل.

و جابا وافق…

إستمرت النزالات مجدداً بلا مشاكل، و إستمرت عمليات التسلل في الخلفية حتى النزال رقم ثلاثة و أربعون.

من بعد ذلك النزال إستقر عدد قديسي و حكماء المخلوقات البشرية البيضاء عند الرقم 20 الف.

من بعده وتيرة طلب النزالات و الموافقة عليها قلَت، و حاول قديسي و حكماء المخلوقات البشرية البيضاء تخبئة أنفسهم في الغابة أسفل الجرف حتى لا يتم رصد أعدادهم الحقيقية بالأعين، تدريجياً عادوا لوضع الحصار، و كأن شيئاً لم يحدث.

عندما رأى جابا هذا إبتسم، و عاد للمخيم، ثم أعطى أمر لازم لكل افراد الكتيبة الذهبية بأن يستريحوا لبقية الليلة، و يجتمعوا صباح الغد مجدداً في نفس المكان…

اليوم التالي—

خرج جابا من خيمته، تثاءب، و تمطع، و كأنه حظى بأفضل ليلة من النوم منذ أشهر، ثم تقدم و هو مبتسم بخطىً ثابتة نحو أعلى التل بينما يديه الكبيرتين خلف ظهره، يومئ بشكل متواصل طوال طريقه.

الكتيبة الذهبية كانوا قد ارتاحوا و اجتمعوا بالفعل عند أعلى التل كما أُمروا، كلهم يحضنون خوذاتهم بيد واحدة و ينظرون للقائد الثاني جابا، و هو يشق طريقه بينهم.

و أخيراً، عندما وصل لأبعد نقطة تحت حماية مصفوفة قبة الطاقة، أخذ بضع خطوات أخرى، و أكمل طريقه للأمام حتى لامست أطراف أصابعه الجرف، ثم أخيراً إستدار ليواجه جيشه المكون من خمسين ألف قديس و حكيم تقريباً، فارداً ذراعيه على الجانبين، و صاح مبتسماً. ” لابد أن البقاء في مكان واحد طيلة هذه الأيام كان صعباً عليكم يا رفاق، اليوم قررت أن نذهب في نزهة بإتجاه شمال غرب!”

من Zeus

Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Most Voted
Newest Oldest
Inline Feedbacks
View all comments
-+=
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x