بعد أربعة أشهر من عودة روبين إلى مدينة يورا– داخل مطعم في مكانٍ ما في وسط قارة السلف.
*سوووووف*
” هي.. هيهي.. يبدو أن هذا آخر كأس سأشربه في حياتي..” تكلم رجل في منتصف العمر، و ينزل الكأس من على شفتيه، حتى بعد ضوضاء الشرب الكبيرة التي صنعها بدى الكأس و كأنه ما يزال ممتلئ عن آخره، و كأنه يشرب قطرة واحدة في كل مرة يرفعها..
“اخر كأس؟ هل تريد الانتحار ام ماذا…” الساقي رد بلا مبالاة، و هو ينظف بضع الكؤوس أمامه.
*سووووووف*
“هيهي أيها الوغد القاسي انا أتي هنا للشرب يومياً، على الاقل أبدي بعض الاهتمام!”
“لماذا أبدي اهتمام حينما لن تأتي هنا مجدداً؟” تكلم الساقي، و هو رافعٌ حاجبيه.
ضرب الرجل السكير الكأس على الطاولة. “فقط اسئلني لماذا!! اعدك ان هذا سيكون جيد، أحد السببين له علاقة بك..” لكن بعدها ندم أن بضع قطرات من خمره إنسكبت على الطاولة فبدأ يلعقها.
“تسك~ حسناً، لماذا سيكون هذا آخر كأس تشربه يا صاحب الجلالة؟”
“هيييييه~” أطلق ذلك الرجل السكير تنهيدة طويلة، و ملئت الدموع عينيه. ” عصابة فرسان المستقبل أحرقوا منزلي قبل يومين لأني لم أكن أملك المال لدفع ضريبة *الحماية*، حُرق أبنائي الثلاثة داخل المنزل حتى تفحموا، بينما زوجتي تلقت حروق شديدة، تركتها بجوار المنزل تنازع بين الحياة، و الموت، ربما ماتت بالفعل بحلول الأن..”
قهقه الساقي. ” أيها الاحمق، من يعبث مع عصابة فرسان المستقبل؟ كان عليك تجويع عائلتك، و تعطيهم ما يريدون، بدلاً من ذلك جئت تصرف أموالك هنا على الخمر! على أي حال.. مبروك! بعد التخلص من العبئ الزائد أصبح بإمكانك توفير المزيد من المال لتشرب، اكثر و لدفع ما عليك من ضرائب هاها.”
وضع الرجل السكير الكأس على الطاولة، و هز رأسه، “هيهي.. انت فعلاً وغد قاسٍ.. لولا ذلك الخمر لما تمكنت من كبح نفسي من الانتحار طوال هذه الفترة، العيش في هذا العالم المزري لم يعد له طعم، ولا لون سوى بالخمر! بالطبع أنت تعرف هذا، فأنت صاحب المطعم الوحيد في الارجاء، لأن أقاربك في تلك العصابة هم من يقوموا بحماية مطعمك، و يقوموا بتمويل نشاطاتك، هذا مفهوم.. عموماً لا بأس، بعد اليوم لن يبقى هنالك عصابة لأدفع لها، ولا مكان لأشرب فيه.”
توقف الساقي عن مسح الكؤوس ،و نظر نحو الرجل السكير بنظرة جادة. ” يبدو أنك شربت أكثر مما ينبغي اليوم، هيا أغرب من مطعمي.”
“هاها ألا تصدقني؟” ضحك السكير بصوتٍ عالٍ. ” أتتذكر الفتى بيرس؟”
“بيرس؟ بيرس.. بيرس..” عقد الساقي حاجبيه، و أخذ يتمتم، ثم فتح عينيه فجأة. ” الولد الذي هرب من المحرقة الكبرى في جنوب المدينة قبل عام؟”
“اجل، بيرس مورجان، الذكر الوحيد الذي تبقى من عائلة مورجان النبيلة، بعد قتل العفاريت لكل من هم بالمستوى 11 او أعلى إجتمعت العصابات، خاصةً العصابة التي تعرف الان بفرسان المستقبل، و هاجموا عائلة مورجان، الكل مات في محرقة ما عدا المراهق بيرس الذي أخذ يبحث عنه الجميع لفترة طويلة..”
“اعرف كل هذا، لعله مات في أحد الأزقة بحلول الأن، لماذا ذكرته؟” الإنزعاج بدى على الساقي بوضوح.
“لأني صباح اليوم رأيته يتجه نحو وكر عصابة فرسان المستقبل، و الشرار يطق من عينيه…” تكلم السكير، بدى و كأنه يحاول كتم ضحكته.
إنزعج الساقي اكثر. ” و ماذا إذاً؟ لعله إكتفى من الحياة فذهب ليساعدوه على الموت.”
” لا اظن.. فهالته كانت تقول بوضوح أنه دخل نطاق الفروسية!! هاهاهاها.”
الكوب سقط من يد الساقي. ” مستحيل.. هنالك حظر على دخول نطاق الفروسية!!”
” ألا تتذكر ما حدث لعائلته أمام عينيه أيها الساقي الغبي؟ أتعتقد انه يهتم بما سيحدث لهم بعدما يحصل على انتقامه؟ هاهاها اليوم هو نهاية عصابة فرسان المستقبل، و نهايتك مطعمك انت أيضاً، لهذا لن أتمكن من المجيء إلى هنا مجدداً! هاهاهاها.”
فتح الساقي عينيه على آخرهم عند سماع هذا، و أخذ خطوة للوراء.“هذا سيئ…” ثم توجه نحو باب غرفة مغلقة بإحكام بجانبه، ففتح اقفالها، و دخل بسرعة، ثم أغلق الباب خلفه.
فعلاً تلك العصابة هى ما أبقت مطعمه مفتوح كأخر مطعم ما يزال يعمل في المدينة بالكامل، هم سرقوا، و قتلوا، و نهبوا من أجل تمويل هذا المطعم، و جعله واجهة أساسية للربح من الموارد القابلة للأكل التي يملكونها، لكن بالطبع ليس بمقابل الذهب، و الفضة..
هذا النوع من العملات إختفى بإختفاء الانظمة الحاكمة، الان رجع الجميع للعمل بنظام المبادلة!
معظم أولائك في المطعم يدوروا في المدينة، و المدن المجاورة للبحث في جثث، و قصور النبلاء لإيجاد أي شئت ذا قيمة.. أي كنز، او سلاح جيد.
او ربما يذهبوا للصيد في الغابات المليئة بالوحوش مُتحدين خطر الموت فيُبادلون بعض اللحم بالنبيذ، و الفواكه..
القادرون على فعل هذه الأشياء هم من يعتبروا الطبقة المتوسطة في العالم الحديث، أما من لا يقوى على السفر، و البحث، ولا يعرف فنون الصيد فمُقدر له الموت جوعاً في الشوارع..
إن سقطت العصابة فبالتأكيد سيكون هو التالي!
“هيهيهي..” قهقه السكير عندما رأى هذا، ثم رفع كأس الخمر فشرب ما تبقى فيه دفعة واحدة.
و بـ *كرااااش*
حطم السكير الكأس في يده، ثم تقدم نحو تلك الغرفة فدفع الباب، و دخل وراء الساقي، و بعد ثانية واحدة صدرت أول صرخة من الداخل..
“اااااااااااااااااااه!! انت.. انت تريد قتلي؟!”
“هاها مطعكم سيدمر على اي حال، أعطني ما لديك اولاً!!”
“اااه سأسحبك معي للجحيم!!!”
بعد دقيقة أخرى..
خرج الساقي من الغرفة، و هو يحضن كنوز غريبة الاشكال، و الألوان، و خناجر مصنوعة من الاحجار الكريمة، و بعض الخبز، بدى و كأنه لا يلاحظ الدماء تندفع كالشلالات من بطنه، و ظهره جراء طعنات الكأس المكسور.
بالكاد أخذ بضع خطوات قبل أن يسقط على وجهه، و الحياة قد فارقت عينيه.. لكن الحياة دبت في أعين الحضور في المطعم الذين هجموا على جثة الساقي فأخذوا ما كان يحمله من ذهب، ثم دخلوا لتلك الغرفة حيث بدأت مذبحة هائلة..
شخص واحد فقط يجلس في الزاوية بجوار الباب، لديه لحية كثيفة، و شعر غير مشذب، بدى و كأنه لا يعنيه ما يحدث من حوله، فقط ينظر نحو المذبحة الدائرة في تلك الغرفة الصغيرة، و يقضم فخذ الأرنب البري في يده بصمت…
الموضوع التاليالموضوع السابق