توقف روبين مكانه، و أخذ ينظر لتلك المرأة، و خطواتها الواهنة، و هى تحتضن الدجاجة الميتة المتعفنة بكل ما في ذراعيها الضعيفتين من بقوة، تتابعها، و هى تُحضر *الفطور* للجانب الاخر من الشارع مع أن الشمس قد غرُبت.
البضع خطوات أخذ منها أكثر من دقيقتين، و هى تسحب قدمها، و كأنها تسحب الأثقال، حتى أخيراً وصلت لما يشبه الجثة، و جلست بجانبها.
“أمـــ…” فقط عندما حاولت *الجثة* التكلم عرف روبين ان صاحب هذا الجسد النحيل ما يزال حياً، ملامحه لم تكن ظاهرة بسبب شدة الجوع، و العطش من جهة، و لأن الجلد على نصف وجهه الأيسر منزوع بالكامل.
لكن بنظرة واحدة بعين الحقيقة عرف روبين ان هذا الولد لم يبلغ من العمر العاشرة بعد…
“انتظر قليلاً يا عزيزي.. ماما ستجهز لك الفطور..” مسحت المرأة على رأس إبنها بلطف، ثم حركت يدها المهزوزة مجدداً نحو الدجاجة الميتة، و بدأت تنزع ريشها واحدة وراء الاخرى، المرأة لم يكن لديها حتى القوة لنزع عدة ريشات معاً…
نظراً لعدد الريش على معدة الدجاجة الميتة فبدى و كأن المرأة لن تنتهي ابداً، كان جلياً أنها هي، و إبنها لم يكلا شيئاً منذ ايام، و على هذه الوتيرة فهم لن يأكلوا اليوم ايضاً..
“غرررر..!!!!”
بينما روبين يحدق في ما يحدث جاء صوت زمجرة من وراء السور التي تستند عليه المرأة، و ببطئ خرج من وراءه كلب، مجرد كلب عادي..
“لا.. لا.. لا.. إبتعد..” عندما رأته المرأة إرتعبت، إحتضنت الدجاجة الميتة مجددا بإحدى يداها، حملت في يدها الاخرى حجر صغير، و إلتصقت بالجدار، ثم تكلمت بصوت ضعيف، ” ليس اليوم.. لن أعطيك… لا استطيع.. ارجوك..”
الكلب نظر لها بضع ثوانٍ، و كأنه يريد الانقضاض عليها، لكنه اخيراً بدى و كأنه إستوعب انه سيكون عليه خوض معركة حياة، او موت لو أراد تلك الدجاجة، لذا حيد عينيه، و نظر نحو الهدف الاسهل.. نظر نحو إبنها.
“لا.. لا..” نظرت المرأة نحو أعين الكلب، ثم نحو إبنها، و بدأت تتمتم بخوف شديد، و كأنها يمكنها توقع ما سيحدث
“غراااااا!!” قفز الكلب فجأة، و أمسك بذراع الإبن اليسرى، و بدأ يسحب للخلف.
“إبني..!!” تركت المرأة الحجر من يدها اليسرى، و أمسكت يد إبنها الأخرى، و بدأت تشده نحوها، و تصرخ. ” ألم يكفيك.. ما فعلته.. بوجه إبني؟ اتركه عيش.. ما تبقي له من أيام.. في سلام!!”
سواءً المرأة، او الكلب كانا نحيلان جداً، مجرد عظام يكسوها جلد، و الطفل في المنتصف كان أضعف من ان يصيح من الألم، او حتى يبدي أي ردة فعل، فقط عيناه مفتوحتان جزئياً تنظران نحو السماء.. المشهد كله كان مأساوي لأقصى درجة.
بعد بضع ثوانٍ عندما أيقنت المرأة أن الكلب لن يمشي، نظر نحو الدجاجة الميتة في حضنها، ثم نحو إبنها، ثم ألقت الدجاجة جانبها، و جذبت إبنها نحوها بكلتا يديها..
الكلب كان سعيداً بترك ذراع الفتى، ثم ذهب نحو الدجاجة فأخذها في فمه، و إختفى وراء الجدار، تاركاً المرأة تحتضن إبنها بين ذراعيها، بدى و كأن وجهها يعتصر، تريد ان تبكي، لكن الجفاف الذي ضرب جسدها رفض أن يُنزل دمعة واحدة.
ناظراً للمشهد أمامه، روبين نسي بالكامل ما كان يشغل باله قبل قليل، نسي مسألة يمكنها أن تؤثر على مستقبل عوالم كاملة!
بدون أن يدرى وجد قدماه تتحركان نحو المرأة، و طفلها…
“أ- انت.. ماذا.. تريد ايضاً؟ لا.. أملك شيئاً..” اخيراً لاحظت المرأة وجود روبين بعدما أصبح على بعد بضع خطوات منها، ضمت إبنها إلى صدرها أكثر في رعب بادٍ. ” كلانا نحيلان.. لا يوجد لحم في أجسادنا.. لن تستفيد شيئاً منا.. ارجوك..”
-هى خائفة من إني أريد أن اكلهما؟- توقف روبين على بعد ثلاث خطوات منهما بعد سماع هذه الكلمات، لم يجد في نفسه الجرأة على أخذ خطوة أخرى.
ثم بدأ، و لأول مرة منذ خروجه من البوابة، ينظر حوله..
الجثث، و الاشلاء الملقاة في كل مكان لا فارق بينها، و بين التراب، و الحجارة، الدمار الذي لحق بكل المنازل بلا إستثناء حيث لا يوجد منزل، او منشئة واحدة قائمة بدون جدار، او اثنين مهدومين، و الاغرب انه بالكاد يوجد أحد في العراء مع أن الشمس غربت قبل قليل فقط.
يمكن فهم هذا بسهولة أن الناس مرعوبين من الخروج ليلاً، لكن أين ذهب كل الناس مع أن معظم البيوت مهدومة؟ هل يوجد المزيد من البشر في مدينة الاشباح هذه أساساً؟
مر حوالي أسبوعين منذ خروجه من بوابة الفضاء في يورا، و هو يمشي بشكل متواصل، شعر بالكثير من الفظائع تحدث من حوله، و حاول العديد من اللصوص السطو عليه، لكنه لم يعر أي شيئ إنتباهاً، أو بمعنى أدق لم يستوقفه شيئ بدرجة صدمة ما يراه الأن.. هذه المنطقة بدت، و كأنها الجحيم عينه.
“هذا المكان.. أين نحن الأن؟” نظر روبين مجدداً نحو المرأة، و سأل.
لم تدري المرأة ما هذا السؤال، و ما سببه، لكنها لم تجرؤ على التأخير في الرد، فتكلمت مباشرة. “… نحن في عاصمة ما كان يعرف بـ.. دوقية آيفرين.”
الموضوع التاليالموضوع السابق