بعد نصف ساعة– مدينة يورا المنكوبة.

*بززززززت*

*بزززت بزززت*

“مُعلمي، أرجوك لا تأخذ ما حصل للتو بمحمل شخصي، هم لم يخططوا لخيانتك لأنك سيئ، أو لأنك تستحق هذا، بل يحاولون فعل ما فيه مصلحتهم، و مصلحة أهاليهم، أعني أن لك حق لتغضب لأنهم خالفوك، لكن أرجوك تفهَم الموقف من وجهة نظرهم على الاقل، و لا تبالغ كثيراً في ردة فعلك…” بعد أول خطوة أخذها جابا بعد خروجه من البوابة تكلم سريعاً.

هذه الكلمات كان يكتمها في صدره منذ خرجوا من قاعة الاجتماعات، و حتى وصلوا للبوابة في الساحة المركزية في مدينة الأمل، لكنه لم يجرؤ أن يتفوه بكلمه خشية أن يفهم روبين أنه يحاول منعه من المغادرة، أو أنه يأخذ صف *المتمردين*

و مع أنه فكر في كلماته جيداً، و انتقاها بعناية طوال الطريق، إلا أنه شعر بالندم، و هى تخرج من فمه، خاصةً آخر جزء صوته إنخفض تدريجياً فيه حتى إختفى تماماً، بقية الكلام الذي كان يدور في رأسه بدى و كأنه اختفى بلا رجعة.

عندما سمع كلامه أدرك مدى سخافته.. أدرك أنه يحاول تبرير خيانة عُظمى!

لا يهم كيف، و في أي سياق يوضع ما حدث، أنهم تابعين عصوا أمر مباشر من رئيسهم.. انتهى.

سواء فعلوها من اجل مصلحة أهاليهم، أو مصلحتهم الشخصية، أو فعلاً من أجل حماية الكوكب كما يقولون، هذا لا يهم… لقد ضربوا بكل ما فعله روبين من أجلهم بعرض الحائط، و اختاروا التمرد.

مهما كانت شدة ردة فعل روبين الأن، لا يوجد شيئ يمكنه أن يهدئه، و لا حتى نوبة هلع أخرى من بيلي…

“أعطني أوامرك، سأجمع العفاريت فوراً، و أدمر المنطقة الشمالية بالكامل، لن نترك حجر قائم في مكانه حتى تخبرنا أن غضبك قد هدأ!” أمون تكلم بنبرة قوية.

في ما مضى كانت العفاريت تُساق كالأغنام، و تستخدم من قِبل العمالقة للسيطرة على اعداد الأجناس الذكية، و هم نفسهم، و أبنائهم كانوا يتعرضوا للقتل للممنهج بدون أن يعلموا، منذ عرف العفاريت ما كان يحدث لهم تحولت قلوبهم لجمرة من النار عندما يُذكر أمامهم جنس العمالقة!

و الأمر هو، هم الأن ليسوا كما كانوا.. العفاريت لم يعودوا جنس ضعيف، او معاق يمكن التحكم فيه، ما يمنعهم من أخذ انتقامهم بعد اكتساب كل هذه القوة التي لديهم حالياً كجنس هو روبين!

طريقة كلام زعماء العمالقة مع آمون الأن أكثر من كفيلة ببدأ حرب بين الجنسين، و حتى بدون أي سبب، لو أعطى روبين الإذن فسيهاجم العفاريت جنس العمالقة بكل سعادة.

“انت..!!” عندما سمع جابا هذا كاد يفقد إتزانه، ألم يكفي آمون ما يحدث حالياً، يريد أن يزيد الطين بلة؟!

أما روبين نفسه فبدى و كأنه في عالم آخر، و هو يسمع كلمات جابا، مرت حوالي دقيقة منذ تكلم جابا، لكنه لم ينطق بكلمه ليرد عليه، فقط إكتفى بالنظر أمامه نحو قصره القديم الذي بُني قبل مغادرته بفترة قصيرة، و لم يجد الوقت الكافي للتمتع به، قصره الذي صممته، و أشرفت ميلا على بناءه، لكنه دُمر في إجتياح المدينة..

و بعد دقيقة أخرى أخيراً تكلم بصوت منخفض بارد. “… هل ترياني غاضب؟”

*دق دق*

قلب جابا نبض بقوة كالمطرقة عندما سمع هذه الكلمات بهذه النبرة، ملامحه تحولت للأسوأ و كأنه سمع خبر موت عزيز عليه للتو!

ثم نظر بجانبه نحو آمون الذي يبدو طوال الوقت بملامح جامدة كالجثة، لكنه حتى هو بدى عليه القلق ايضاً.

هذا الصوت الخافت، معدل التنفس المنضبط، ضربات القلب الثابتة.. كل شيئ حول روبين يوحي فعلاً انه ليس غاضب، بل ليس مُنفعل حتى!

هذا لم يكن طبيعي!!

لقد خسر للتو فرصته للإنتقام، خسر طريقته الوحيدة لإنقاذ إبنه الوحيد من الأسر، و خسر العشيرة التي قضى 22 عاماً في بنائها، خسر المنطقة الشرقية التي وُحدت تحت إسمه، و حقق إنجاز غير مسبوق في التاريخ كله بأن شخص واحد أمكنه السيطرة على كل هذه الاراضي بسلام، و بدون الحاجة لمحاربة كل كائن حي آخر في الكوكب..

لقد خسر للتو كل شيئ له علاقة بنيهاري، الكوكب الذي بسببه ترك عائلته من البداية، و خسره بطعنة في الظهر، و ليس في معركة، او عن طريق الحظ… كيف يعقل أنه ليس غاضب؟!

“هذا…” في تلك اللحظة أراد جابا أن يتراجع عن كل كلامه، و ينصحه بالتنفيس عن غضبه!!

فهو اخيراً إستوعب ما يراه، هذا لم يكن غريباً على روبين.. هذه الحالة تشبه كثيراً حالته بعدما سمع قصة موت زوجته، حالته التي دخلها فوق ذلك الجبل، و التي بعدها مباشرةً أعلن الحرب على عالمين!

وضعه هذا خطير.. خطير جداً.

حتى لو أمره روبين ان يجمع جيشاً الأن ليهاجم العشيرة او يغتال بضع شيوخ ليُنفس عن غضبه ما كان ليتردد لحظة في التنفيذ!

لكن فوجئ بروبين يتابع بنفس نبرته الباردة. ” انا سأتمشى قليلاً في الأرجاء لأشتم بعض الهواء النقي، أعتقد أني بحاجة لهذا.. يمكنكما الذهاب لمساعدة بيلي في غزو قارة إمبراطورية اللهب، أخبراه أن يتمهل أيضاً في قراراته، و يقلل الخسائر، لم أعد بحاجة لجيش العفاريت خلال شهرين.. و عندما تنتهوا ارسل لي رسالة عبر خاتم الصوت لنحدد مكان نلتقي فيه، حسناً؟”

“لا داعي للقلق يا معلمي، سأجلب لك رأس امبراطور اللهب لتحت قدمك في أقرب وقت ممكن.” تكلم جابا بسرعة.

“لا داعي.. كَله انت يا آمون، و ساكار، كلاكما تستحقان هذا..” رد روبين بصوته الهادئ.

“…حاضر، كل شيئ سينفذ حسب رغبتك.” نظر جابا، و آمون لبعضهما، و تكلموا في نفس الوقت تقريباً.

“جيد.. جيد..” تمتم روبين مرتين، ثم بدأ يخطوا للأمام ببطئ، ببطئ شديد، و كأنه مصاب…

شخص بمثل قوته، و معرفته بمسار الفضاء كان يمكنه بسهولة الإختفاء عن الأبصار لحظياً، لكنه إستغرق أكثر من ربع ساعة تقريباً حتى تلاشت صورته وراء أطلال المدينة.

“هذا لا يبدو جيداً..” أخيراً جابا تكلم بعدما غاب روبين عن نظره. ” حالته الذهنية كانت سيئة بالفعل قبل الذهاب لنيهاري، و كان دافعه الوحيد للمضي قدماً هو الانتقام، الأن أنظر إليه! هل *سيتمشى في الارجاء* فحسب حتى نُسقط إمبراطورية اللهب؟ من يعلم كم سيستغرق هذا! بدأت أخشى عليه..”

“هذه القارة لم يعد فيها شخص واحد قادر على تهديد سيدي.” رد آمون بصوته الخشن.

عاد جابا للنظر أمامه إلى حيث توارى روبين عن الأنظار، و تمتم. “…لا أخشى عليه إلا من نفسه.”

 

 

 

من Zeus

Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Most Voted
Newest Oldest
Inline Feedbacks
View all comments
-+=
12
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x