ذهول.. غضب.. حزن، ثم ضياع… روبين مر بكل أنواع المشاعر خلال خطاب بيلي الذي شعر، و انه لن ينتهي ابداً.
حاول قبض يديه بضع مرات، و فتح فمه ليصرخ على بيلي، ليخبره أنه لا يهتم بكلامه، و انه سيكمل ما بدأه!!
لكن لا صوت خرج من فمه..
كيف لا يهتم؟ كل حرف خرج من فم بيلي ضربه في مقتل.. الغضب، و نية القتل، و اللامبالاة إتجاه الحياة إختفت، و كأنها لم تكن.
نظر روبين خلفه نحو جيشه الجرار من العفاريت لعلهم يمدوه بالعزيمة التي يشعر بها، و هى تخرج من جسده، فإن كان طرف واحد سيستفيد من كل ما يحدث فهم بلا شك العفاريت الذين سوف يتسنى لهم التغذي على عشرات الملايين من البشر، من قد يكون أكثر حماسة منهم للبدأ؟!
لكن بعد رؤيتهم، ضعف عزيمته زاد ضعفاً.
كبار العفاريت كلهم ناظرين للأرض، و تبدو على وجووهم نظرة معقدة، بعضهم يومئ رأسه بإستمرار موافقاً على كلمات بيلي الاخيرة، و آخر يهز رأسه متأثراً بما سمع.
“هووو… مُعلمي، انا تبعتك لأنك مختار السماء الثالث الذي مُقدر له العظمة الأبدية، و لأنك أخبرتني انك تريد انقاذ كوكب نيهاري، ليس لأنك قوي، او مُنتقم.. مُعلمي، لا يمكنني تخيل مدى الألم الذي مررت به، و لا أجرؤ على أخبارك ما تفعله خطأ، ام صواب اخلاقياً، لكني سأكون شجاعاً بما يكفي لأقول إني أدعم ما قاله العم بيلي.” اطلق جابا زفيراً طويلاً، ثم تكلم.
ثم من بينهم آمون تقدم، و أعطى إنحناءة كاملة. “سيدي.. لو أخبرت آمون أن ينتحر فسينتحر، لو أطلقت العنان لجيشك فسنأكل الاخضر، و اليابس في الكوكب كله.. لكن آمون يترجاك ان تفكر في ما قيل.”
ساكار، و مورين، و بقية ملوك العفاريت بدأوا يومؤوا بإستمرار عندما سمعوا كلمات آمون.
بدى وجه روبين، و كأنه لم يسمع، و لم ير شيئاً، اكتفى بالنظر حوله ببطئ، ثم أخذ بضع خطوات في إتجاه معين حتى وصل لبضع جثث لمراهقي إمبراطورية اللهب، و جلس عليهم.. ثم أغلق عينه، و بدى، و كأنه إنعزل عن العالم.
جابا، و امون و غيرهم بدأوا ينظروا لبعضهم بقلق، هم يعرفوا جيداً أنهم يطلبوا من سيدهم تغيير كل خطته، و تعديل المسار الذي إتخذه لنفسه بشكل كامل، و هذا بالتأكيد ليس طلباً بسيطاً، إن لم يوافق روبين فقد يغضب عليهم للأبد بسبب ما قالوه اليوم!
حتى بيلي مسح وجهه من التراب، و الدماء، و الدموع، و ذهب ليقف بجوار جابا، و البقية، ينتظر قرار روبين النهائي الذي سيحدد مصير العالم، و ربما ليس هذا العالم وحده…
الصمت ساد الشاطئ لأكثر من ساعة.. رائحة الدماء، و اللحم المشوي كانت تداعب أنوف العفاريت القوية، لكن لم يجرؤ واحد منهم على التحرك خطوة واحدة من مكانه.
و أخيراً كُسر الصمت بصوت روبين الهادئ. “..مرت سنة منذ عدت لهذا الكوكب، الوقت الذي منحته لعشيرة إتحاد نيهاري قد نفد، لابد أن الجيش قد جهز الأن، و هم ينتظرونني لأقوده، سأعود لنيهاري الان مع آمون، و جابا للقضاء على المنطقة الشمالية هناك.”
“هذا..؟” كلمات روبين أخذت الجميع على حين غرة، الجميع ينتظر ليعطي الأوامر بالإبادة، او التوقف، لكنه غير الموضوع لإتجاه مختلف تماماً.
“بيلي…” ثم تابع روبين كلامه. “انت ستبقى هنا لتقود جيش العفاريت، إفعل ما تراه مناسباً به، لكني لن أقبل بنتيجة أقل من تدمير سُلطة العائلة الامبراطورية لإمبراطورية اللهب، و تعجيز جيشهم لمئة عام إضافية على الاقل… فيما دون ذلك سأترك لك القرار.”
“حـ حاضر! سأكون عند حسن ظنك!!!” كاد بيلي يطير فرحاً عندما سمع هذه الكلمات، مع أنها مسؤولية كبيرة جداً، و ما يزال سيتحتم عليه قتل أعداد مهولة من البشر لتحقيق الهدف الذي وضعه له روبين، إلا أن هذا أفضل بكثير من خطة الابادة الجماعية!!
“ساكار، إبق هنا مع بيلي، و ساعده، دعه هو يتولى القرارات الدبلوماسية، و يخبرك من تقتل، و تُبقي حياً، لكن أثناء المعركة يمكنك إستلام القيادة، و تنفيذ التشكيلات، و الخطط التي تدربنا عليها.” تكلم روبين مجدداً نحو عفريت ذا شعر ابيض كثيف. ” ولا داعي للخوف من أحد، أقوى شخص في هذه القارة هو الامبراطور، لكنه إمبراطور بالإسم فقط، ولا علاقة للإسم بمستواه القتالي، هو مجرد حكيم مستوى 40، لكنه أقوى من المتوسط في هذا المستوى، سيتحتم عليك انت، و 5 ملوك عفاريت آخرين التعامل معه.”
“تحت امرك.” إنحنى ساكار إنحناءة كاملة، لم يبدو منزعجاً لأن سيضطر لتنفيذ أوامر شخص أضعف منه بكثير مثل بيلي.
ثم اكمل روبين. “ساكار، الحرب في نيهاري ستكون قاسية، قاسية جداً، اسوأ بكثير مما واجهناه هنا.. سأحتاج لكل واحد من جيش العفاريت في اقرب وقت ممكن، سأبدأ هناك بمناوشات، و إحتكاكات فقط مع المنطقة الشمالية، و سأؤجل أي معركة كبرى حتى تنتهوا من قارة إمبراطورية اللهب و تتبعوني إلى نيهاري، حسناً؟ هل تجد أن شهران مهلة جيدة؟”
” ستجدني تحت قدمك في نيهاري خلال 50 يوماً لا اكثر.” وضع ساكار يده على قلبه، و اقسم.
أومئ روبين بإبتسامة خفيفة عند سماع هذا، ثم وقف بضعفٍ بادٍ، و أطلق صفيراً طويلاً، ثم ركب فوق الدراكو الذي إقترب منه، و إنطلق جنوباً
آمون، و جابا نظرا لبعضهما للحظة، ثم قفز كلاً منهما ايضاً فوق دراكو، و لحقا بروبين بصمت…
الموضوع التاليالموضوع السابق