بعد نصف ساعة—

“نُحيي معاليه، نحيي روبين بورتون!” نزل حوالي 9000 قديس على ركبة واحدة، و صاحوا بصوت موحد.

“ابي!! وااااااا..” ركضت زارا، و إرتمت في حضن روبين، و أخذت تبكي بحُرقة، نست في لحظة أنها قائدة لمئات القديسين في فيلق الحياة، و مقاتلة شرسة خاضت عدد لا يحصى من المعارك.

“لا عليك.. لا عليك.. إني هنا الأن..” ضمها روبين إليه اكثر، و أخذ يمسح على شعرها بلطف بإبتسامة خفيفة، هذه كانت اول إبتسامة حقيقية تظهر على وجهه منذ غادر إلى نيهاري..

مع أن زارا عُمرها الأن أكثر من أربعون عاماً إلا أنها في نظرهِ ما تزال نفس الطفلة التي أنقذها من العبودية، و هى عمرها 8 سنوات.

ثم نظر أمامه مجدداً فوجد شابين مألوفين، ففتح أحد ذراعيه، و تكلم، و بنفس الابتسامة اللطيفة. ” ما الذي تنتظرانه؟”

نظر ثيو، و بيون لبعضهما للحظة، ثم إندفعا لحضن روبين ايضاً… مر العقدين الأخيرين عليهما بصعوبة بالغة، فقد بعدما غادر روبين عرف الإثنان مدى إعتمادهما عليه.

أخيراً بعد حوالي دقيقة أفلتهم روبين، و نظر خلفه، ثم أشار. ” هذا جابا، تلميذي الأول، و الوحيد حالياً، يمكنكم أن تعتمدوا عليه في أي شيئ تريدون مساعدة فيه، و هذا أمون من جنس العفاريت، و هو أحد أتباعي المخلصين، لو أردتم تحريك العفاريت، او أي شيئ يخصهم فقط تكلموا معه، و هو سيرتب الأمر، لكن تأكدوا استخدام تقنية نقل الخواطر أثناء التواصل معهما فهما لا يعرفان لغتنا بعد.”

ثم وجه كلامه لجابا، و امون بلغة مختلفة. ” هؤلاء هم أولادي الثلاثة بالتبني، ثيو، و بيون، و زارا، لو طلبوا منكم شيئ فلا تترددا في تنفيذه، و لو إحتجتم أي شيئ ايضاً فهم موجودين من أجلكم، حسناً؟”

“مفهوم.” أومئ الخمسة، ثم تحرك بيون، و ثيو، و صافحا جابا، و أمون.. ما تزال في قلوبهم شيئاً من الرهبة من العملاق، و الكائن الاخر الذي بدى وكأنه زحف من قعر الجحيم، لكن طالما هم تابعان لوالدهما فكل شيئ على ما يرام، بل شيئ من الأمن، و الفخر بدأ يظهر في قلبهما…

“هممم؟” اخذ روبين ينظر حوله محاولاً إيجاد شخص معين، حتى اخيراً وقعت عينه على اتجاه معين، و تكلم. ” هوي.. هل ستبقى تُحدق مكانك كثيراً؟”

بيلي كان لا يزال فاتحاً عيناه على آخرهما، و ينظر لعفريت، و هو يأكل كبد أحد حكماء إمبراطورية اللهب بمزاج، ليس هو فقط.. بل كل جيش امبراطورية اللهب تمت إبادته عن بكرة أبيه، وكان يتم أكله بتلذذ الأن أمام عينيه!!

مع أن جيش عائلة بورتون شهد على أن أولائك العفاريت جاؤوا لإنقاذهم، و لم يلمسوا واحداً منهم بسوء، إلا انهم بدون وعي حافظوا على التشكيلة الدفاعية أثناء تحيتهم لروبين من رعب، و هول ما يرونه..

فكيف يأمن الأرنب وجود ذئب بجانبه حتى لو ساعده مرة؟!

“هووووووووووي!!” صيحة مجدداً من روبين أيقظت بيلي من توهانه، فنظر نحو روبين. ” هؤلاء..؟”

“لا تقلق منهم هم يعرفون متى يأكلون، و متى يمتنعون، أخبر الرجال أن يستريحوا ايضاً، كل شيئ على ما يرام.” تكلم بإبتسامة خفيفة، ثم اكمل. ” بعد ان تنتهي من ترتيب أمورك أريد ان ألقاك على انفراد.”

” إنن، لا بأس، سألقاك في تلك الخيمة هناك بعد ربع ساعة.” أومئ بيلي و ذهب ليطمئن الرجال، و يبدأ بإعداد المعسكر.

—————-

بعد ربع ساعة — خيمة القيادة.

بيلي أزاح الستار، و دخل يبدو قلقاً. ” روبين، هل أنت متأكد من أن تلك الأشياء سيحسنون التصرف؟ هل انت متأكد انهم سيتبعون أوامرك؟ يوجد حوالي عشرون الفاً منهم في الخارج، لو جن جنونهم سوف يقضى علينا جميعاً.. رجالي مرعوبين في الخارج!”

“هم كانوا يعيشون على أكل الوحوش، و الفانون، بدوني ما كانوا ليحلموا بتذوق طعم أشخاص بمستوى قديس، او حكيم، ما كانوا ليحلموا بالرؤية، و السمع، و الكلام حتى.. لا تقلق، سيفعلوا ما يُطلب منهم.” تكلم روبين بإبتسامة خفيفة، ثم أشار نحو كرسي.

لم يفهم بيلي شيئاً مما قاله روبين، لكن استوعب ما يكفي ليعرف أن روبين لديه ثقة كبيرة بهم، لذا أطلق تنهيدة طويلة، و ذهب ليجلس مبتسماً. ” لم أتوقع أن أراك اليوم.. لم اتوقع أن أراك مجدداً… عندما تأخرت بعد ذهاب ميلا، و ريتشارد إليك إعتقدت أنهما ذهبا لمكان أخر، او أنك ظننت انه لا فائدة من العودة، لكن واضح أنكم إلتقيتم في النهاية.. هذا مطمئن.”

ظل روبين ناظراً نحو بيلي لحوالي خمس ثوانٍ بعدها أجبر نفسه على تحريك، وجنته اليسرى لتشكيل نصف إبتسامة.

” اخبرني عن رحلتك، و كيف عرفت أننا هنا؟” سأل بيلي.

“…هيه~ عندما علمت بما يحدث هنا إستخدمت قانون الفضاء الرئيسي لعكس الإحداثيات التي حصلت عليها من المستبصر، ثم إستخدمت قانون الفضاء الرئيسي مجدداً للربط بين البوابة في يورا، و البوابة في نيهاري، عمل البوابتين معاً جعلنا نقطع الطريق بشكل شبه فوري بعد ان إستغرقت 8 ايام في رحلة الذهاب، كما أنه قلص تكلفة إرسال الفرد الواحد بشكل كبير.” رد روبين، ثم اكمل. ” بعدما وصلت أمسكت بحكيمين، أجريت عليهم مسح روحي، و كان أحدهما يعرف بشأن الحصار الذي سيتم فرضه عليكم في هذه المنطقة.. لذا جئت فوراً بعدما إجتمع الجيش.”

“هذا… إذاً انت، و كل أولائك العفاريت نزلتم في مدينة يورا؟ في المستودع المعدني؟ ماذا حدث هناك؟!” سأل بيلي متلفهاً، يورا كانت دائماً في باله منذ هرب منها قبل أعوام، لكنه، و جنوده لم يجرؤوا على العودة.

” لقد عادت لنا يورا… تقريباً… بغض النظر أن معظم سكانها قُتلوا، او أصبحوا عبيد بعد غزو الامبراطورية، و معظم دفاعاتها، و ابراجها سقطت.. لكن فيما عدا ذلك رجع لنا.” إبتسم روبين إبتسامة حزينة، و تكلم.

“هاه..هاهاها هذا رائع!! طالما المدينة معنا يمكننا دائماً إعادة بنائها” ضحك بيلي بصوت عالٍ، و ضرب على قدمه، ثم ذهبت الضحكة فوراً، و كانه تذكر شيئاً. ” هذا سئ، لمن تركت إدارة المدينة بعدما غادرت؟!”
” لاتقلق، الذين تخاف منهم ما يزالوا يسبحون في بطون العفاريت في الخارج.” رد روبين بوجه خال من المشاعر.

“….هيه~” أعطى بيلي تنهيدة طويلة، و بدأ يفرك جبهته. ” كنت غاضباً جداً عليهم لدرجة أني كنت على وشك إعطاء اوامر لثيو بإرسال إنتحارين من مستخدمي قانون الظلام لإغتيالهم، لكني كبحت نفسي، جزءً مني كان سعيداً بما فعلوه.. لقد كُتب علينا نحن من حاولنا المقاومة الموت مهما طالت فترة مقاومتنا، لكن فعلتهم على الاقل أعطت الحياة لحمَلة إسم بورتون، كنا نقاتل بلا خوف لأننا نعرف أن إسم العائلة لن يمحى بعد موتنا.”

” يبدو انك لم تسمع الكثير من الاخبار بعد هروبك؟ أولائك الخونة لم يكتفوا بتدمير البوابة من الداخل.. بعد دخول الامبراطورية للمدينة قتلوا نصف افراد العائلة، و إستعبدوا معظم النصف الاخر، البقية المحظوظون هم أولائك الخونة، و سلالتهم، كان الافضل ان ينقطع النسل على ان يعيش هؤلاء، و يكونوا هم واجهة العائلة الجديدة! لا داعي لتشعر بالشفقة عليهم، لقد نالوا ما يستحقون.” تكلم روبين بهدوء، لكن بسخط بادٍ.

 

 

 

 

0 0 votes
Article Rating

من Zeus

Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Most Voted
Newest Oldest
Inline Feedbacks
View all comments
-+=