تحذير/ النصف الاول من هذا الفصل يحتوي على تفاصيل سوداوية، إن تعتقد انك لن تقدر على قرائتها فأنصح بالإكتفاء بأخر سطر في الفصل السابق، ثم انتقل مباشرة للنصف الثاني من هذا الفصل.
روبين نظر في عينا الشاب أمامه بعد سماع الخبر.. نظر طويلاً..
بوجهٍ خالٍ من المشاعر، لم ينطق كلمة واحدة، لكن بؤبؤا عينه كانا يهتزان بشدة، و كأن عينه توشك على السقوط
عقد ريتشارد حاجباه قليلاً عندما رأى هذا، لم يكن يدري ماذا يفعل، واضح أن الشخص أمامه في حالة صدمة قوية، لكن لماذا؟
نظر ريتشارد نحو العملاق الواقف بطرف عينه لعله يفهم اكثر من ملامحه، لكنه وجده ايضاً ينظر نحو الشخص الجالس أمامه بوجه يعتصر من الألم.. حاول العملاق مد يده كذا مرة ليضعها على كتف الشخص الجالس، لكن كان يرجعها للوراء مجدداً كل مرة.
” ماتت؟ ميلا… ماتت؟!” أخيراً تمتم روبين، لكن عيناه إستعادت التركيز للحظة كأنه إستوعب شيئ، و تكلم. ” ربما تقصد أنها مختفية من فترة أو شيئ كهذا صحيح؟! هذا بالتأكيد ما تقصده فهى قوية جداً، انها أقوى إمرأة عرفتها! متى اختفت؟ هل حدث هذا هنا أم في عالمنا الأم؟”
ريتشارد تجاهل أن الشخص أمامه نادى والدته بإسمها المجرد مجدداً، إحمرت عيناه، و بدأ يضحك بشكل هستيري. ” هاهاها اختفت، أجل، أجل، إختفت أمام عيني مباشرةً!
” كيف؟ أهو قانون الفضاء؟” تمسك روبين بالأمل عندما سمع هذا، و سأل مجدداً.
” لا، لا، لا، اختفت بفعل قانون عصارة المعدة هيهيهي.” أكمل ريتشارد ضحكه بصوت عالٍ مجدداً.
“ما-..” بلع روبين ريقه، بصعوبة حاول ارغام ابتسامة مصطنعة على وجهه. “ماذا تقصد؟”
“ألم تفهم بعد؟ عمالقة نيهاري طبخوها و أكلوها أمام عيني.” وضع ريتشاد كلتا يده على رأسه بينما كانت عيناه مفتوحتان على اخرهما، و كأنه يرى كل شيئ حدث أمامه مجدداً..
*بززززززززززتتت*
و كأن كل صواعق العالم ضربته في نفس الثانية، ظل روبين ينظر أمامه بفمٍ مفتوح، و عينان بلا حياة، حتى بؤبؤ عينه توقف عن الحركة.
“…بعدما هاجمت السبع ممالك بدعم من إمبراطورية اللهب مدينة يورا تمكننا من الصمود لحوالي نصف سنة ، لكن حدثت خيانة، و كُسرت ابواب المدينة من الداخل… إخوتي الكبار، و العم بيلي، و حتى جدي جالان أصروا على أن تأخذني أمي، و نهرب عبر بوابة الفضاء لعلنا نجتمع مع والدي مجدداً ليحمينا، و يعطينا حلول لما حدث للعائلة..” تكلم ريتشارد بصوت مختنق، ما يزال واضعاً رأسه بين يداه.
ثم اكمل. “لكن يبدو الاحداثيات التي تذكرتها لم تكن دقيقة بما يكفي، عندما وصلنا لم نجد والدي العزيز، لم نجد أي بشر.. نزلنا في منتصف مدينة كل شيئ فيها ضخم، و حولنا من كل اتجاه عمالقة طولهم 3 أمتار يتكلمون بلُغة غريبة، و يحاولون التحرش بأمي، لم نكن ندري ماذا يحدث حولنا لذا حاولنا الهرب.. لكننا لم نهرب بعيداً، فالجاذبية كانت شديدة، و انا كنت ضعيف جداً، و امي كان عليها حمايتي من الجاذبية بطاقتها أثناء محاولة الهرب، لذا بسرعة تم الامساك بنا.
لكن أمي لم تستسلم، كل من كان يحاول الإقتراب منا كانت تحوله رماداً، حتى في النهاية جاء أشخاص بقوة حكيم ليقوموا بإخضاعها.. قبل أن يقبضوا عليها صرخت، و أشارت للعمالقة ان ينتظروا قليلاً، ثم قامت بجرح نفسها، و جرحي، و أخبرتني ان أعالج نفسي، فقمنا بإستخدام نار الحياة لعلاج الجروح فوراً أمام أعينهم، و هذا شيئ فهموه!
عندها تم إقتيادنا لمكان رئيس القبيلة، و مُساعديه، قاعة كبيرة مليئة بالعمالقة حيث تم عرضنا عليهم ليأخذوا فينا قرار.. لم نتدخر جهداً في محاولة إثبات ما يمكننا فعله لعلهم يبقوا على حياتنا.. بعدما برهننا انا، و أمي لهم مجدداً أننا فعلاً نعالج الإصابات البالغة، و يمكننا حتى إطالة الحياة وافقوا على الاحتفاظ بنا كحيوانات أليفة، لكن.. رئيس القبيلة تحرك لجوار أمي، و بدأ يلعب في شعرها و يمرر يده على اسفل ظهرها، نواياه كانت واضحة.
أمي رفضت بشدة، و أخذت تصرخ، و تشير بيدها أنها متزوجة، سواءً فهمها، او لا، رد فعلها لم يعجب رئيس العشيرة كثيراً، فأبتعد من جانب أمي، و شار لبعضٍ من مرافقيه فتحركوا، و قاموا بتثبيت أمي أمامي، و كانوا على وشك اغتصابها في منتصف القاعة أمام العشرات من العمالقة الآخرين.
عندها نظرت لي أمي، و هى تُدمع، و قالت *إبق حياً.* ثم قامت بإستخدام طاقتها الداخلية لتفجير نفسها، كان تفجيراً على مجال ضيق حتى لا تؤذيني، لم ترد ايذاء احد، فقط ارادت الاحتفاظ بشرفها و الموت… انتحرت، و هى ما تزال مخلصة لزوجها الأحمق الذي وضعها في هذا الوضع من الأساس.
لكن هل يتركونها عند هذا الحد؟ لسببٍ ما موت أمي اغضبهم أكثر هيهي~ قاموا بجمع اشلائها المبعثرة، و شويها على نار هادئة في منتصف القاعة، و قاموا بتقطيعها، و توزيعها على أطباق جميع الحضور هاهاها كل واحد أخذ قطعة من أمي، و انا جالس أشاهد!! أذكر واحد منهم اخذ قضمة من الكبد، ثم بصقه بقرف، و ذهب للنار ليقوم بشيه اكثر، و سرق قطعة إضافية من الكِلية بدون أن يراه أحد هيهي هاااااااهاهاهاها!!! هيهي..” *شم.. شم..*
إنفجار ريتشارد الهيستيري إنتهي بالبكاء، كل كلمة قالها كان يستعيد ذكرياتها، كل شيئ، و كأنه حدث أمامه مجدداً، فأعاد وضع كلتا يداه على رأسه، و نزل بجسده للأسفل حتى لامست ذقنه ركبتيه، و أخذ يبكي بحُرقة كأنه طفل في العاشرة من عمره.
الدموع ملئت عين جابا بعد سماع ما حدث لأم هذا الشاب مع أنه لم يعرفهما من قبل..
أما روبين فدقات قلبه أصبحت خافته جداً، جداً لدرجة ان جابا كان عليه تغطيته بحسه الروحي كل حين، و اخر ليتأكد انه ما يزال حي، لكن ملامحه ظلت ثابتة بلا تغيير من البداية للنهاية، لم تنزل قطر دمع واحدة من إحدى عينيه.
بعد دقيقتين أخريين كان ما يزال ريتشارد يبكي بحُرقة، أما روبين فوقف بهدوء، إلتف، و تحرك نحو الباب، لكنه توقف قبل ان يفتح الباب مباشرةً، و قال ثلاث كلمات، ”إنتظرني، سأعود مجدداً.” ثم باشر، و خرج من المكان..
———————————-
على قمة تلة خارج عاصمة قبيلة عزيل–
بعد الخروج من ذلك المكان، ترك روبين الدراكو الذي ينتظرهما و بدأ يتمشى جنوبا، لم يقل كلمة، و لم يسأله جابا عن شيئ، فقط أبقى على مسافة بسيطة بينهما، و أخذ يمشي وراءه..
مرت بضع ساعات بصمت، و روبين جالس عند حافة قمة التلة، بدى روبين، و كأنه يمكنه الجلوس مكانه بهذا الشكل للأبد، لكن جابا لم يستطع التحمل أكثر فقرر أن يسأل حتى لو لم يتلقى إجابة. ” هذا الشاب، و امه، هل هما مقربان لك..؟”
“.. إنهما إبني، و زوجتي.”
“ما-؟!” أخذ جابا خطوتين للخلف، لأول مرة في حياته، شعر بالخوف…
هذا لم يكن رد فعل شخص سمع للتو أن زوجته قُتلت بهذه الطريقة البشعة!!
بعد فترة إستجمع كل ما يمكنه من شجاعة، و سأل مجدداً، ” انت… انت بخير، صحيح؟!”
” انا بخير، إذهب، و أجلب لنا الدراكو، حان وقت العودة للعشيرة.” تكلم روبين بصوت جعل شعر جابا يقف، لكنه لم يجرؤ على المكوث هنا للحظة إضافية فقفز بسرعة، و ذهب ليجلب الدراكو، تاركاً روبين بمفرده..
بعد بضع دقائق إضافية فرد روبين راحة يده، و ظهرت فيها لوح معدني صغير، و بصمت اشتغل فيه لهب أبيض، و تركه يذوب على راحة يده حتى تحول إلى مجرد سائل.
*تشششششـــ*
” ما الذي تفعله؟ ألم تعد تريد يدك؟!” جابا فزع عندما رأى المنظر فور وصوله، راحة يد روبين أوشكت على الاختفاء، لحمهُ، و عظمه ذابا، و بدأت عصارة الحديد تتساقط من خلال فتحة كبيرة في يديه.
نظر روبين خلفه بإبتسامة، و تكلم. ” لا تقلق، كل شيئ بخير.. هيا بنا.” ثم قفز خلف جابا فوق الدراكو، و جلس، و كأنه لا يوجد شيئ قد حدث.
*راااف راااف*
قاد جابا الدراكو جنوباً، فزعاً، و خائفاً حتى مما يحدث، لكنه لم يدري أن مصدر ذلك المعدن كان أول لوح قسم صنعه روبين عندما جاء لهذا العالم…
لوح القسم الذي اقسم عليه روبين، و جابا، و أورزون على التعاون، و حفظ أسرار بعضهم..
لوح القسم.. الذي أقسم عليه روبين أنه لا يريد بجنس العمالقة سوءً.
———————
هنا ينتهي مجلد *رحلة جديدة*، و غداً بإذن الله يبدأ مجلد *إمبراطورية*