إستمر روبين للنظر لكتلة الرماد أمامه حوالي نصف ساعة أخرى بوجه خالٍ من المشاعر، و كأنه يتمنى لو يحييهم، ثم يوصلهم لهذه الحالة مجدداً.
في النهاية قام بتحريك يده، و جائت لفحة رياح نثرت الرماد بعيداً.. لم يبق مكانهم سوى بضع اغراض معدنية كانوا يحملونها، اما الشعر، العظام، و اللحم، و الدم، كل شيئ تبخر، أو انتشر، و كأنهم لم يوجدوا يوماً.
ثم نظر وراءه…
“كيييه!!”
المساجين الذين ما يزالوا صاحين ضربوا بأقدامهم في الزنزانة، و اندفعوا للخلف فإلتصقت ظهورهم، و ادمغتهم بالقضبان، و بدأت تُدمي من شدة الصدمة، حتى من أغمي عليهم فتحوا أعينهم على منظر روبين القادم نحوهم فتوقفت قلبوهم لثوانٍ..
لقد كانوا في حالة رعب تام بعد القساوة التي رأوها.
لف روبين جسده، و بدأ يمشي إتجاههم، ثم توقف بينه، و بين القفص بضع خطوات. ” هل تعتقدون أن شخص مثلي لا يقوى على قتلكم الأن؟”
نظر المساجين لبعضهم بخوف، ثم رد أحدهم، ” بل.. بل يمكنك… لكن ارجوك–”
“شششـ!” رفع روبين يده، و اسكت المسجون، ثم أنزلها لخلف ظهره. ” تريدني ان أطلق سراحكم؟ فرضاً اني اطلقت سراحكم الان، و أمسك أصحاب العباءات السود بكم، و ارغموكم على الإعتراف عن هوية القاتل، ماذا سأستفيد وقتها؟ ربما علي قتلكم الان فحسب…”
“انا.. أفصح عن شيئ يخصك؟ ماذا قد يفعل بي أصحاب العباءات السود اكثر مما فعلت أنت بأولائك الثلاثة؟ ارجوك.. دعنا نذهب.. اقسم اني ساقتل نفسي لو تم الإمساك بي مجدداً!”
” انا ايضاً أقسم اني سأقتل نفسي لو امسك بي اصحاب العباءات السود!!”
” انا ايضاً”
روبين لم يضف كلمة اخرى، استخدم قانون الريح الرئيسي لحمل المفاتيح من مكان المحرقة، و ألقاها داخل القفص.. ثم اختفى.
سيكون مفيداً اكثر لو التحقيقات قالت ان المساجين اختفوا من مكان الحادثة، هذا سيوسع دائرة البحث عليهم بشكل كبير ليشمل سيرك منافس، او قطاع طرق، او سجين سابق يريد الانتقام… كما انه يرفض ان يترك الجزء المتبقي من إنسانيته يضيع.
———————————–
بعد 3 ايام — فوق جبل على بعد مئات الأميال من مكان حادثة قتل العمالقة الثلاث.
“هوووو..” اطلق روبين زفيراً طويلاً، اخيراً تمكن من الإختراق للمستوى الـ 18 !
فتح روبين عينيه، و نظر للأسفل، على بُعد عشرات الأميال أمامه تقع مدينة أخرى للعمالقة تطابق المدن التي رآها سابقاً في *زياراته*
أسوار خشبية عالية، أُناس يرتدون ملابس من جلود الوحوش، سياسة العبيد ما تزال منتشرة هنا، و لو أنها أخذت شكلاً آخر أكثر قسوة… هذا كان حال كوكبه الذي ولد فيه قبل حقبة تدريب الطاقة!
ألا يفترض ان يكون هذا الكوكب مُتقدم بمئات آلاف السنين؟ لماذا السكان هنا ما يزالون يتصرفون بهذه البدائية؟
ربما بسبب الحروب التي تبقيهم مكانهم؟ لكنه لم يرى أي حروب، او معارك منذ وصل، لم يلحظ حتى قلق بين العمالقة حتى الأن، او يسمع كلمة من شخص في الشارع عن معركة محتملة، أنهم يعيشون في سلام!
بينما روبين يحاول حل المعضلة التي أمامه، إلتقط حسه الروحي شيئاً فنظر على يساره بسرعة.
“تشة..” تحول وجه روبين للأسوأ، ثم إختفى في الظل تحت قديمه..
هذه لم تكن اول مرة يحدث هذا، روبين كان بالفعل يمكنه الإختراق للمستوى 18 في اليوم التالي من الحادثة، لكن كل مرة يوشك على الاختراق يلتقط حسه الروحي أشخاص قادمين نحوه فيضطر للتوقف، و المغادرة.
الشيئ الوحيد الذي ساعده على الهرب هو قانون الظلام، و إلتقاط مجيئهم من مسافات طويلة.. لو اقتربوا أكثر، او رأوه قبل محاولة إستخدام قانون الظلام فسينتهي كل شيئ.
فحتى الان روبين ما يزال يستعمل قوانين ثانوية للجاذبية، و سرعته ما تزال محدودة جداً!
لكن كيف يصلون له كل مرة!؟
———-
بعد يومين آخران — في واديٍ كثيف الأشجار
*باا باا باا*
هبط 7 اشخاص يرتدون عباءات سوداء تغطي أجسادهم، و رؤوسهم، و بدأوا يتلفتون حولهم.
الشخص الواقف في مقدمتهم أخرج حشرة كالخنفساء من جيبه فوضعها على راحة يده، و بدأ يحركها في الأرجاء.. لكن الحشرة لم تبدي أي تفاعل، فتكلم اخيراً بحدة. ” لقد فعلها مجدداً ذلك الفأر..”
“سحقاً.. كلما اقتربنا منه تختفي رائحة بالكامل، و عندما تظهر مجدداً يكون على بُعد عشرات الأميال”
“إلى متى ستستمر هذه اللعبة السخيفة؟”
العمالقة الواقفين خلفه بدأوا بالتذمر، عوضاً عن القيام بالأشياء التي يحبونها تم توريطهم في مطاردة لا تنتهي ظلت لـ 5 أيام بدون راحة حقيقية!
” ستستمر حتى نجده، يمكنكم الاستراحة قليلاً حتى تلتقط الخنفساء رائحته مجدداً، لن يعود أحدكم لبيته إن لم نجلب ذلك البشري الغريب معنا!”
بدأ العمالقة بالإستلقاء على جذوع الأشجار، و البحث عن شيئ لأكله مثل كل مرة، لكنهم لم يعلموا ان هذه المرة ليست ككل مرة..
روبين على بعد أمتار منهم فقط يختبئ داخل ظل إحدى الاشجار، و عيناه مفتوحتان في ذهول.. *ذلك البشري؟!*
ذوي العباءات السوداء هنا من أجله، و هذا واضح، لكنهم حددوا أنهم يتعقبون إنسان بالفعل؟
أتلك الحشرة الغريبة أخبرتهم..؟ كيف حصلوا على رائحته اساساً؟!
مليون سؤال دار في رأس روبين، لكن الجواب لم يكن مهماً.. ما هو مهم الآن أن أولائك الاشخاص لن يتوقفوا عن مطاردته طالما هو حي، و كلما زادت فترة المطاردة زاد أعداد المطاردين، و احتمالية الامساك به…
فقبل 3 ايام كان هنالك خمسة فقط خلفه، اما اليوم فأصبحوا سبعة..
لم يعد هنالك مجال للهرب.. يقتلهم الاول، و يدعس تلك الخنفساء بعدها يطرح اسئلته!
فدقق روبين بعين الحقيقة خاصته محاولاً جمع أكبر معلومات ممكنة عن خصومه قبل بدأ المعركة.
أربعة في قمة نطاق فارس.. قديس متدني المستوى.. قديس متوسط المستوى و.. الاخير الذي يمسك بالحشرة، واضح انه في قمة نطاق قديس!