” أبي، ما الذي تقوله؟ انت بالتأكيد ستعود لنا!!” تكلم زارا بإنفعال.
الأولاد الثلاثة إنقلبت ملامحهم، و كأن قلوبهم قد توقفت، خاصةً قيصر الذي بدى، و كأنه بالكاد يكبح نفسه من تحطيم مقبض كرسيه.
” لم يكن هنالك فائدة من هذا الكلام الأن..” ميلا تكلمت بإختناق، و كأنها تحاول كتم دموعها.
” هاها ماذا دهاكم؟ خلال خمسون عاماً ستكون العائلة اصبحت قوية بما يكفي لتحمل هذا الإعلان، فقط كل ما قصدته، لكني حتماً سأعود! أم انكم لا تريدون ان يشتهر اباكم، و يحقق حلمه؟ هاهاها.” ضحك روبين بصوت عالٍ
بيلي نظر نظرة مطولة في وجه روبين، ثم أومئ بقوة، و إختفى من مكانه..
“أبي، متى تنوي المغادرة؟” قيصر سأل فجأة.
نظر نحوه روبين، و إبتسم، طريقة هذا الولد في السؤال بدت، و كأنه يدبر شيئاً. ” سأغادر خلال هذا الشهر.”
“حسناً.. عندما تغادر أخبرنا لنأتي لتوديعك.” تكلم قيصر، ثم وقف، و تحرك نحو الباب. ” هيا بنا، فلنترك أبانا يستمتع بوقته قليلاً قبل المغادرة.”
تحرك الولدين الاخرين وراءه، لكن زارا رفضت المغادرة قبل ان تعطي حضن اخير لروبين، ثم ركضت مسرعة وراء اخوتها.
بعد دقيقتان كاملتان من مغادرة الجميع، و التأكيد بحسها الروحي ان لا احد في الجوار، نظرت ميلا لروبين. ” ستغادر خلال شهر، هاه؟”
” انا لم اكذب، اليوم يُعد من ضمن الشهر ايضاً، انا اعرف ذلك الولد جيداً، سيحاول إبتكار شيئ حتى يأتي معي، او حتى إيقافي، لا يمكنني الجلوس، و انتظار حدوث هذا..” إبتسم روبين، و رد، ثم بدأ يتحرك نحو احدى النوافذ الخلفية للمنزل حتى يقفز منها بدون ان يراه أحد. ” هيا بنا.. آن الأوان لرؤية ذلك النيهاري.”
لكن امسكته ميلا في اللحظة الاخيرة، و دفعته نحو الأريكة. ” ماذا تريدين يا إمرأة؟!”
ميلا لم ترد عليه، فقط إندفعت نحوه، و قبله بقوة، و بدأت بخلع ملابسه…
—————-
بعد ساعتين — المستودع الحديدي.
مُرتمية في حضن روبين، تمتمت ميلا: “…ألا يوجد مجال لأرافقك حقًاً؟” الحزن كان بادٍ في صوتها، تكافح ألا تستسلن عيونها للدمع
“لن اتأخر.. حسناً، لن اتأخر كثيراً جداً.” روبين ضحك بغرابة، “هاي، فقط انتظريني بطاعة، حسناً؟”
“همف!” نفخت ميلا، و نظرت بعيداً، لكن ضوء غريب أعاد تحويل نظرها نحو روبين مجدداً.
هيكل الضوء الخاص المستبصر كان قد تشكل بالفعل!
الهيبة.. القوة.. الضغط..
“.. المستبصر..” كل شيئ حول هيكل الضوء ذاك جعل ميلا تشعر بالخضوع التام، قبل ان تدرك وجدت نفسها مُنحنيه إنحناءة كاملة نحوه..
برؤية هذا عقد المستبصر حاجبه، و هز يده. ” نحن لا نفعل هذا هنا..” ثم نظر نحو روبين. ” من هذه؟!”
“أهاها انها إمرأتي التي تحدثنا عنها سابقاً، لقد اخبرتها بكل شيئ بالفعل لا داعي للتصرف بحذر حولها..” قال روبين ثم تحرك نحو ميلا. ” يا فتاة، المستبصر يعتبر اخ كبير بالنسبة لي، لا داعي للإنحناء امامه.”
” لكن.. لكنك قلت انه كيان هائل!!” قالت ميلا بذهول، و هى تصلب ظهرها.
” هو من قال هذا على نفسه، و ليس انا.” رفع روبين كتفيه.
” هذا ما يلقبني به الجميع!!” انفعل المستبصر، ثم تابع، ” اياً يكن.. هل انت جاهز؟”
نظر روبين بحزم نحو هيكل الضوء، ثم أومئ بقوة.
“اخيراً!” إبتسامة كبيرة ظهرت على وجه هيكل الضوء، ثم رفع إصبعه، و إنطلق منها شعاع سريع نحو رأسه روبين. ” هذه احداثيات كوكب نيهارى، تحديداً في غابة بجوار مقر إحدى القبائل الكبرى حتى تأخذ فرصة لتعتاد على جو الكوكب، و تخطط لما ستفعله.. قم برسم الاحداثيات في لوحة التحكم، ثم قم بتشغيل البوابة، بعد ان تطئها قدمك ستستهلك كل الاحجار، و تُغلق تلقائياً.
كوكب نيهاري بعيد بعض الشيئ عن هذا الكوكب الناشئ لذلك قد تستغرق بعض ايام حتى تصل، خلال هذه الفترة حاول ان تبقى ساكناً قدر الإمكان حتى لا تتعرض لأي إصابات بالغة قبل وصولك، مفهوم؟”
التحذير جعل جسد ميلا يرتجف، يُصاب حتى قبل وصوله لذلك المكان الخطر؟!
لكن روبين إكتفى بالإيماء مجدداً.
“جيد! إعلم ايضاً إني لن استطيع التواجد على كوكب نيهاري كما هنا، لو شعر ذلك الشخص بوجودي فسيرسل من يقتلك بعدها يقوم بتعجيل الغزو، عندعا سيكون قد قُضي علي حقاً! تحمل الإهانة، و تقبل المعاناة، و لا توقع نفسك في مشاكل، مفهوم؟”
أومئ روبين مجدداً.
“جيد انك تفهم، احظ برحلة آمنة!” قالها المستبصر ثم إختفى.
“….” ظلت ميلا صامتة لبضع ثوان. ” يا لها معاملة اخ كبير، ها..”
“انا فقط أرد له معروفه..” تكلم روبين، و هو متجه نحو لوحة التحكم، و بدأ يكتب فيها الاحداثيات، ثم اختار تشغيلها.
*بزززززت*
شريحة من الضوء الأزرق الخافت بدأت تظهر في النصف الدائرة المفرغة، تبدو، و كأنها مادة شفافة يمكن النظر من خلالها.
“حسناً… اعتقد ان هذه هى.. لا مجال للتراجع الأن.” نظر روبين نحو البوابة، و تكلم بصوت منخفض، حتى هو لم يكن يعلم إن كان يُكلم ميلا، او يُكلم نفسه..
“روبين، ربما يمكنك ان تقوم بتأجيل هذه الرحلة حتى تـ–” تكلمت ميلا بسرعة، لكنها لم تستطع إنهاء جملتها، حيث طبع روبين قبلة قوية على شفتاها لبضع ثوانٍ قبل ان يتركها اخيراً، و يقول. ” لا تدعي إرثي هنا يضيع..”
ثم قفز نحو البوابة، مختفياً داخلها…
*فروووووم بييييييـ*
توهجت البوابة بشدة للحظة قبل ان يختفي الضوء تماماً بعدها، تاركاً لا شيئ غير كومة كبيرة من رماد احجار الطاقة..
و إمرأة جالسة تبكي على الأرض.