“ها قد جلست.. ما هو ذلك *الحوار* الطويل، معاليك؟” جلست ميلا امام روبين مباشرةً.

لم يستطع روبين كتم شعوره بالضحك من سماع كلمة معاليك مجدداً، فقهقه بشكل مكتوم، ثم تابع. ” قبل أي شيئ.. لماذا والدك ما يزال يدعوني بـ *زوج إبنتي*؟ ألم تخبريه اننا افترقنا؟”

إبتسمت ميلا. ” قرار كهذا بالتأكيد كان سيحدث ذبذبة في علاقات العائلتين، و قد يغضب أبي، و يعتبرها إهانة لي فيقطع العلاقات تماماً بين العائلتين…”

“اوه..؟ أتريدين المحافظة على العلاقات الجيدة لعائلك بي لهذه الدرجة؟ لماذا رحلتي إذاً؟”

” لا اهتم يا مغفل! …أردت ان ارى ان كنت ستأتي لتصالحني إن بقي كل شيئ على حاله، الإعتذار ما كان ليشعرني بأي تحسن لو انك جئت بسبب المشاكل بين العائلتين، همف!

أخبرتهم في البداية اني جئت لمساعدتهم في إرساء دعائم العائلة في الاراضي الجديدة، ثم قلت انك مشغول جداً، و اني سأقضي هنا بعض شهور حتى تنتهي من خلواتك، كنت أقول كل انواع الأعذار حتى لا يعتقد احد اننا انفصلنا، فقط من اجل اليوم… حسناً، لقد جئت بنفسك، و بدون ضغوطات، ماذا تريد ان تقول؟” نفخت ميلا، و نظرت للجانب.

صُدم روبين من الرد، و إبتسم تلقائياً بعدها… الموضوع الذي جاء من اجله لم يُفتح بعد، و مع ذلك إبتسم بصفاء اليوم فقط اكثر من الـ 9 شهور الماضية مجتمعة.

مع انه نظرياً لم يعد يحتاج عائلة برادلي في شيئ، إلا انها عائلة هائلة الحجم، تقع على الحدود معه، و تمتلك طريقتا صنع طلاسم النار، و طلاسم الظلام… تحت أي ظرف لا يجب ان تقلب الحاله معهم لعداء.

لو غضب جالان من فسخ الخطوبة كان سيحاول روبين تعويضه فعلاً بدافع الشعور بالذنب لأنه الجانب المخطئ.. واضح ان ميلا توقعت هذا، و لم تكن تريد رؤية هذه النسخة من روبين..

“ميلا..” أمال روبين ظهره للأمام، و تكلم، لكنه سرعان ما وقع في صمت ، قبل ان يحاول مجدداً. ” انا سوف.. انا… هيه~”

عادت ميلا للنظر نحوه. ” ماذا بك تتلعثم؟ هل الإعتذار صعب لهذه الدرجة؟”

“… ليت الأمر بهذه البساطة..” أرجع روبين ظهره ليريحه على المسند بالكامل، و اخذ يفرك جبهته.

“.. بدأت تقلقني يا روبين.. لماذا جئت اليوم؟ تكلم، حتى إن لم نكن لبعضنا، انا لن افشي اسرارك.” عقدت ميلا حواجبها، و سألت جادة.

” الموضوع هو ان المستبصر… لا لا.. قبل اسبوعين كنت.. لن ينفع ايضاً..” حاول روبين بدأ طرف الحديث اكثر من مرة، لكنه كان يتوقف كل مرة، بعد بعض دقائق عقد العزم، و نظر لميلا مباشرةً. ” أي جزء فردي مما اريد قوله لك لن يكون مفهوماً، لكي تستوعبي ما سأطلبه منك لاحقاً يجب ان تعرفي كل شيئ عن رحلتي، إسمعي جيداً…

و انا في الـ 14من عمري تركت عائلة بورتون، و توجهت لذلك الكهف الذي إلتقينا فيه حتى أكتشف قانون ثانوي خاص بي، لكن أحلامي تطورت، و أردت ان اكتشف مسار كامل خاص بي، مسار الحقيقة، ثم……”

احياناً تضع يدها على شفتاها من الذعر، و احياناً تضعهما على صدرها من الإرتياح، إبتسمت بلطف عندما جاء يوم لقائهما المُكبر، و ضاق صدرها عندما شرح لها تجربته في الكهف حتى عندما وصلت الحكاية للحظة *موته* نزلت بضع دموع من عيناها، لكن سرعان ما فُتحت عيناها، و فمها على اخرهما عند ذِكر ظهور المستبصر.

مرت اكثر من ساعتين منذ بدأ روبين يحكي حكايته، لكن ميلا شعرت، و كأنها لحظة… و كانت هذه اجمل لحظة في حياتها.

اخيراً الشخص الذي أحبته فتح قلبه لها.

“…….. هذا كل شيئ حدث لي خلال الـ 180 عام الذي عشتهم على ظهر هذا الكوكب.” إختتم روبين، و مده يده، و امسك كوب من الماء أمامه فشربه دفعة واحدة، كانت محادثة طويلة..

” كوكب.. نيهاري..” تمتمت ميلا معقدة الحاجبين، لقد تركته يحكي بدون مقاطعة حتى لا يفقد حبل افكاره، لكنها بالتأكيد ظلت متذكرة أهم نقطة في رأسها.

إبتسم روبين. ” ذكية.. لابد انك تدركين مخاطر هذه الرحلة، انها حُكم بالإعدام. حتى إن حدثت معجزة، و نجحت فلن اعود قبل عشرات السنين.”

“….” ظلت ميلا صامتة لفترة، هى بالفعل أدركت كل هذا منذ شرح خطته، لكن قلبها إنقبض عندما سمعته يتكلم عن الإحتماليات بنفسه، لكنها تمالكت أعصابها، و سألت. ” و..؟ لماذا تخبرني بكل هذا الأن؟”

“… ميلا، انا سايرتك في موضوع الفراق لأني كنت اعرف طريقي المستقبلي، طريق لا وجود لك فيه، لا وجود لقيصر، او بقية أبنائي، انه انا فقط في عالم اخر أصارع ضد المصير… لكني رأيت انك تستحقين إجابات واضحة حتى لا تضعي في رأسك اني لم احبك يوماً، او انك مكروهة، كلا.. انا اريدك بجانبي، لكن القدر لا يوافق… بعد ان اغادر اليوم اريدك ان تعلني انك فسختي الخطبة لأني شخص غريب الأطوار، و انا سأؤكد على كلامك حتى تحافظين على سمعتك… الخيار الاخر هو ان نذهب، و نتزوج لشهر، او اثنين، ثم تعيشين أرملة لبقية حياتك.. هاها.. هاه…”

تكلم روبين ببطئ، و شعر بالإختناق في كل كلمة.. الجملة الأخيرة بدت كإستهزاء، لكنها كانت امل روبين الأكبر، سبب وجوده هنا.

كل شيئ وُضع على الطاولة الأن، لم يتبقى سوى رد ميلا.. فأغلق عينيه، و إنتظر سماع الإجابة بصمت.

بعد حوالي دقيقتين سمع صوت ميلا اخيراً. ” ايها الوغد.. أيها الوغد الأناني..!!”

“..إيه؟!” فتح روبين عينيه مستغرباً.

” أتعتقد انه انت، و ذلك القدر خاصتك يمكنكما معاملتي، و كأني شيئ جانبي؟ انا من كان يجب ان تتخذ هذه القرارات من البداية! من يجب ان تقول إن كنت اريد ان اكمل معك، او لا!!” وقفت ميلا، و ركلت روبين في قدمه.

“أوتش.!!” رفع روبين قدمه فوق المقعد، و بدأ يفرك المكان الذي تم ركله فيه. ” لماذا ضربتني؟! تباً يا امرأة، لقد كسرتي لحظة الرومانسية، و التضحية الجميلة!!”

” سحقاً.. لقد أضعنا 9 اشهر تقريباً بسبب هذه التفاهة، كان يمكنني ان أحمل بطفل خلال هذه الفترة!” اقتربت ميلا مجدداً من روبين، و لكمت كتفه برفق.

” هاي..!!” ربت روبين على كتفه معقد الحاجبين، لكن الذهول ظهر على وجهه فجأة. ” انتي.. ماذا قلتي للتو؟”

 

 

0 0 votes
Article Rating

من Zeus

Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Most Voted
Newest Oldest
Inline Feedbacks
View all comments
-+=