” ثلاثتهم بخير، اعتقد… لم يأتي تقرير مفصل عنهم لكن لو حدث لهم شئ كان بالتأكيد سيتم إبلاغنا لأن علاقتهم بك معروفة..” ترددت ميلا قليلاً ثم ردت
” غير متأكدة من حالتهم؟ ما الذي يحدث هناك بالضبط..؟” ملامح حيرة و فأل سئ بدأت تظهر على وجه روبين
” كيف اخبرك بهذا… جيش عائلة بورتون هناك في البداية كان حوالي 25 الف، أما حالياً بعد اكثر من نصف سنة من المعارك أصبح تعدادهم تقريباً 14 الف، حتى بعد إرسال تعزيزات بشكل دائم…”
وقف روبين مذعوراً “ما-..؟! هذا ليس مجرد تمرد صغير يتم تهدئته، هذه حرب!!”
” تقنياً هى كذلك… نحن نتكلم عن مساحة نصف دوقية و عشرات الملايين من المواطنين! عدد الجنود هناك قليل جداً لمحاولة إخضاع هذه المساحة و هذا العدد، كل مدينة يخضعونها يتركوا خلفهم حامية صغيرة قبل ان يتقلوا للمدينة التالية، لكن الأهالي يهاجموا تلك الحامية فيقتلونهم و تعود الجرة مجدداً..سكان دوليفار حظو بإستقلالهم منذ آلاف السنين و لديهم فخر يصل لحد السماء، فكرة الخضوع تحت مسمى اخر بالقوة لا تتماشى مع تفكيرهم ابداً..”
رجع روبين و جلس بهدوء، “… فعلاً مشكلة، لو إنقلبت الأية و إحتلت دوليفار أراضينا فالأهالي سيفعلون المثل ايضاً، أعتقد ان هذا احد الأسباب الرئيسية التي جعلت إحكام السيطرة على ارض محتلة بالقوة صعب جداً… لكن من أين يأتون بالتنظيم و التسليح الكافي لمواجهة جيشنا و قتل هذا العدد من جنودنا؟!”
هزت ميلا رأسها، ” لا نعرف، الأراضي واسعة جداً ولا نستطيع مراقبة كل ما يحدث، واضح انهم يحصلون على مساعدة لكن لا نعرف كيف او من أين..”
“لو إستمر الوضع بهذا الشكل…” روبين تمتم لنفسه، و ظل صامتاً بعدها…
العجوز و الطفلة جلبا الأطباق المطلوبة بعد بضع دقائق، روبين أكل مع الفتاتين بصمت شارد الذهن، ثم وضع عشر عملات ذهبية على الطاولة و وقف للمغادرة
“همم؟ يا عم، هذا كثير جداً، عشرون عملة فضية تكفي.” الفتاة الصغيرة فوجئت عندما رأت المبلغ الذي وضعه روبين على الطاولة و أسرعت لتخبره
براءة الطفلة أخرجته من مزاجه السئ للحظة فإبتسم، ” هذا الطعام يستحق اكثر بكثير من مجرد عشر عملات ذهبية، يجب ان تساعدي جدك و تبقي المطعم مفتوحاً حتى أتي المرة القادمة، حسناً؟” ثم إستدار و توجه ناحية الباب الذي ما يزال مُكدساً بالناس
هذه المرة لم يكن في مزاج للسير بينهم ببطئ ، فإندفع مباشرةً نحو المنطقة الإدارية لعائلة بورتون
تاركاً مئات الناس يحاصرون المطعم الصغير و كأنه معبد… لم يكن روبين يعلم انه بتلك الكلمات التي قالها للفتاة بعفوية، سُيبدل مصير هذه العائلة الصغيرة للأبد.
———————————–
المنطقة الإدارة لعائلة بورتون – مبنى البطريرك
*طرق طرق*
“روبين، أخبرني الحراس انك قادم.. ادخل ادخل.” صوت البطريرك صدر من وراء الباب
دخل روبين مباشرةً و مع ميلا و زارا ، فوجد البطريرك و بيلي و القديس إدوارد ايضاً في المكتب!
عقد روبين حاجبه قليلاً، ” هذا لا يبشر بخير.. ما الذي يجمع ثلاثتكم هنا؟”
روبين جاء ليتحرى بشكل اوضح عن الوضع في الأراضي الجديدة من البطريرك شخصياً، لكن رؤية ثلاثة قديسين مجتمعين بهذا الشكل يعني ان هنالك شئ كبير يحدث…
” هاها لا توجد مشكلة هنا لا تقلق، نحن كنا نتشاور بشأن دفعة الجنود التي سنرسلها للأراضي الجديدة الفترة القادمة..” بيلي قهقه و تكلم مباشرةً
البطريرك اومئ، ” خلال الشهور الماضية كنا نرسل بضع مئات جندي من جنودنا القدامى كل بضع اسابيع، لكن واضح ان هذا لا يفلح… فقررنا ان نرسل الفيلق الذي يدربه الجينرال إدوارد منذ وصل.”
” اخبرتكم ان هذا لن يفلح! صحيح انه يوجد حالياً 50 الف جندي تحت التدريب و قد علمتهم التشكيلات الرئيسية، لكنهم لم يكملوا 5 اشهر في التدريب بعد! ثانياً هم لا يملكون أسلحة ولا دروع ذات قيمة تذكر، و غير مجهزين بأي طلاسم! ما الفارق بين هذا وبين إرسال مواطنين لأرض المعركة؟!” صاح القديس إدوارد، واضح انه المحادثات لم تكن تسري بشكل جيد قبل دخول روبين
روبين تقدم و جلس بينهم تبدو عليه ملامح الحيرة، ” لحظة لحظة.. انا متفهم انه لا يوجد طلاسم بعد لأن زارا تصنع للبيع وللنبلاء و ليس كميات كبيرة للحروب.. لكن ماذا كنت تقول عن الاسلحة و الدروع؟ ثانياً طالما كان بإمكاننا جمع 50 الف جندي بهذه السهولة لماذا لم نفعلها سابقاً..؟”
“النبيل روبين، الجنود يحتاجون طعام لهم و نقود و لو رمزية لزواجتهم و أبنائهم ليتمكنوا من العيش، لا اقصد إهانة لكن عائلتك كانت فقيرة جداً ولا يمكنهم جمع نقود كافية للصرف على طعام جيش كبير، بغض النظر عن إعطاء نقود لذوي اولائك الجنود! فقط مؤخراً بدأت خزينة عائلة بورتون تنتعش بسبب الغنائم من الحرب و النقود التي جلبتها لهم من الحكيم ألبيرت، و ايضاً أرباح المزادات.
بالنسبة لسؤالك الاخر، فالاسلحة و الدروع الجيدة لا تُلقى في الشوارع، بل العائلات تصنعهم او تشتريهم او حتى تغتنمهم من خزائن العائلات الاخرى بعد القضاء عليهم و نهبهم… نحن لم نتمكن من نهب اي عتاد ذا شأن في الحرب، كل ما تركوه القتلى كان في حالة يرثى لها اساساً، و ما إغتمناه من خزائن البارونات و فيسكونتة سيتينا لا يعوض حتى ما فقدناه
المقصد ان الاسلحة و الدروع الجيدة التي لها تصنيف (منخفض- متوسط- مرتفع-) تتراكم على مدى آلاف السنين لدى العائلات النبيلة ، و هى من أهم عوامل الفوز في الحروب بين الجيوش تحت مستوى الفروسية… تخيل شخصين بنفس المستوى لكن شخص يحمل درع خشبي و و سيف هزيل يركب حصان عادي، ضد اخر يرتدي درع معدني كامل و سيف ذا رتبة منخفضة و يركب حصاناً حربياً، ماذا سيحدث؟ مذبحة من طرف واحد!
عائلة بورتون اساساً لا لم تكن تملك مخزون جيد من الاسلحة و الدروع و حتى الخيول، الحرب قبل 13 عام مسحت جزء كبير منهم، و الحرب ضد دوليفار ايضاً دمرت جزء… كل مخزون عائلة بورتون من هذه الموارد الثلاث قد نفد، جزء كبير من جنود عائلة بورتون في الاراضي الجديدة يمسكون اسلحة سهلة الكسر او دروع خشبية، و لا يوجد سوى اقل من 500 حصان حربي حتى بعد إحتساب غنائم الحرب!
كما ترى فهذا النوع من التسليح يعتبر مشكلة للقوات الأساسية هناك، فما بالك بالقوات الجديدة التي أدربها؟ يمكنكم طبعاً إعطائهم قمامة ليحاربوا بها و يذهبوا ليموتوا طالما لا تهتمون لحياة أقربائكم و مواطنيكم، لكن ما الفائدة من تعبي في تدريبهم إذاً؟!” الجينرال إدوارد كان منفعل بشكل واضح
روبين إندهش و سأل بسرعة، ” عن ماذا تتحدث؟ قيصر إشترى مطرد عالي المستوى من متجر في مدينة لؤلؤة برادلي بـ 100 عملة ذهبية تقريباً”
“لابد انه بقايا حرب مُحطمة أو هنالك شئ مزيف في تركيبته، يستحيل ان يكون سلاح عالي المستوى بهذا السعر.” بيلي هز رأسه
“اوه..” دائماً ما كان يتسائل روبين إستطاع ذلك الريموس كسر مطرد قيصر لثلاثة قطع بسهولة، لقد حصل على إجابته اليوم..
“يا جينرال أرجوك تفهم الوضع، إن لم نرسلهم للدعم الأن فجيشنا هناك سيُباد خلال شهران او ثلاثة، ماذا سنفعل وقتها؟ نحن واثقون ان تدريباتك ستحفظ حياتهم لدرجة معقولة، أرجو منك ان توافق و تقودهم إلى هناك.” البطريرك رد بصوت هادئ و اسلوب مهذب.. فمع ان إدوارد اصغر عمراً منه، هو اقوى بكثير.
المجلس تحول لصمت، الموقف فعلاً كان محير للجميع… على الاقل الجنود الموجودين حالياً في الاراضي الجديدة يعتبرون نخبة لأنهم خاضوا بضع معارك و معهم اسلحة و دروع و بضع خيول، و مع ذلك يموتون بوتيرة عالية!
إذاً ماذا سيحدث عندما يتم إرسال جيش جديد بدون عتاد و بدون خبرة؟
الموضوع التاليالموضوع السابق