“…..”
روبين، معقود الحاجبين تارة ورافعهما تارة أخرى، أمسك اللفيفة الطويلة بحذر، رافعاً إياها ببطء نحو الأعلى أثناء قراءة السطور التي بدت وكأنها تمتد بلا نهاية.
مرّت ساعة كاملة، لكنه بالكاد وصل إلى منتصف القائمة. المثير للسخرية أن بقية الجنرالات، الذين كانوا يراقبونه في البداية، وقفوا بعد فترة وأمسكوا بأطراف اللفيفة الطويلة التي تمتد على طول القاعة. بدأوا هم أيضاً يقرأون محتواها بصمت شديد، لكن أياً منهم لم يجرؤ على الضحك على الموقف؛ ثقل الكلمات التي قرأوها منعهم من ذلك.
كانت القائمة أشبه بموسوعة لا تنتهي من الغنائم والموارد. أسلحة ودروع من مختلف الأنواع، ماكينات متقدمة لتصنيع العتاد بمستويات غير مسبوقة، هياكل سفن حربية وتصاميم مفصلة لكل مراحل تصنيعها، مع شروحات دقيقة حول سبل التعديل عليها. هناك أيضاً مخطوطات تحمل نقوش قوانين مسار الفضاء، بجانب أخرى تتناول قوانين حماية السفن أثناء المعارك. إضافة إلى ذلك، شملت القائمة أسلحة ومدافع جديدة، ومخطوطات غير مكتملة لمصفوفات معقدة، وكميات هائلة من الموارد اللازمة لتصنيع السفن والأسلحة، مع بحر من جوهر الطاقة السائل، وكأن هذا لم يكن كافياً، تضمنت الغنائم عدداً هائلاً من الأسرى، يُقدَّر بعشرات الآلاف، من جنس بشر دروغر.
هذا الاختصار الشديد لم يعطي اللفيفة حقها، فكل شئ مذكور فيها بالتفاصيل و كل بند يتفرع منه عنده غنائم مختلفة، فصح الكوكب و كتابة تقرير كهذا بالتأكيد استهلك وقت طويل!
روبين، الذي بدا وكأنه غارق في بحر من الأحلام، تمتم بصوت بالكاد يُسمع: “قيصر، هل وصلنا إلى خزينة القصر الإمبراطوري بعد؟” كان صوته شاردًا، كيف لا و الكلمات التي قرأها للأن كافية لتعويض كل خسائر الحرب.
سابقاً، كان روبين قد أعطى قيصر خمس مواقع مختلفة، مفترضاً أن إحداها او كلها تحتوي على خزائن إمبراطورية الثعبان العظيم. إحدى تلك المواقع تقع في القصر الحالي، بينما البقية متناثرة في قلاع أخرى على الكوكب.
هزّ قيصر رأسه، ممسكاً بأحد أطراف اللفيفة وهو يقرأ أيضاً: “منذ وصولنا ونحن في معارك مستمرة، لم يتسنَّ لي متابعة إجراءات البحث. لكن… لو كان كوكب تابع يحمل كل هذه الغنائم… أعتقد أن عليّ التركيز على الخزائن بشكل أكبر خلال الن.”
بعد مرور ساعة أخرى، أنهى روبين قراءة السطر الأخير من اللفيفة الطويلة، ثم تنهد وأعطاها لبقية الجنرالات ليكملوا قراءتها. استدار لمواجهة رايدين بابتسامة خافتة وقال: “أحسنت عملاً. لم يكن يُفترض أن توضع في موقف كهذا عندما تم اختيارك من أجل كوكب إس-1، لكنك تفوقت على نفسك.”
رفع رايدين رأسه بحماس ظاهر وصاح: “أيعني هذا أنني سأستلم مهمات أفضل المرة القادمة؟ أتدري معاليك؟ لقد وصلت المستوى 47 منذ يومين!”
“…؟!” الجنرالات، الذين كانوا غارقين في قراءة محتويات اللفيفة، تبادلوا نظرات سريعة قبل أن يدفنوا رؤوسهم مجدداً في القراءة، متظاهرين وكأنهم لم يسمعوا شيئاً.
لطالما كان رايدين الأسرع في كامل الإمبراطورية من حيث الاختراق، محققاً تقدماً مذهلاً يكاد يكون خارقاً للطبيعة. بالنسبة له، كل ما عليه فعله هو جمع الطاقة اللازمة لبناء الأساس الصلب، بينما كانت دراسة قانون البرق الرئيسي واستيعابه – أكبر عائق أمام المتدربين الآخرين – لا تشكل له أي تحدٍّ يُذكر.
بالنسبة لرفاقه، كان يبدو وكأنه الابن المفضل لمسار البرق نفسه، هبة من السماء وُلدت معه. ومع ذلك، رؤية فتى لم يبلغ الخمسين من عمره يتجاوزهم بهذا الشكل كانت تُشعرهم بالإحباط، حتى وإن لم يكن بيدهم تغيير ذلك الواقع.
محاولة وضع نفسهم في مقارنة مع رايدين ستكون كرجل يقارن نفسه برفيق اطول منه، او امرأة تقارن نفسها بصاحبتها ذات الصدر الاكبر، هنالك اشياء لا يد للمرء فيها، الافضل ان يتناساها فحسب.
“سأفكر في الأمر…” قهقه روبين بخفة عندما سمع تفاخر رايدين. هل يمكن أن يكره وجود تابع يمتلك موهبة عالية ورغبة قوية في إثبات نفسه؟
بعد لحظة من التفكير، سأل روبين بصوت جاد: “هل تواصلت مع أقزام كوكب إس-1؟”
أجاب رايدين بحماسة، وكأنه كان ينتظر هذا السؤال: “أجل، معاليك. كبيرهم لم ينطق بحرف معي حتى رأى معتقلي إمبراطورية الثعبان العظيم بنفسه، وعندما أدرك أنهم لم يعودوا طوعاً لهم، فتح لي قلبه وبدأ يسلم تلك المخطوطات بنفسٍ راضية. معظم تلك المخطوطات هي من ابتكارهم!”
توقف للحظة ثم أكمل بصوت أسرع، وكأن الإثارة تغلبه: “خذ مثلاً ما ذكر عن المصفوفات غير الكاملة؛ المارشالات شرحوا لهم فقط ما رأوه في الحزام الكوكبي المتوسط، وبدأوا بعدها بابتكار مخططات من وحي أفكارهم، رغم أنهم لم يكونوا على دراية سابقة بالأنماط. ورغم أن التصاميم لم تكتمل ولم تُنفذ عملياً، إلا أنهم قطعوا شوطاً كبيراً فيها، وأنا متأكد أن مدينة فاتح السماء قادرة على إكمالها دون أدنى شك.”
هز روبين رأسه وهو يستمع بتركيز، قبل أن يسأل بنبرة مهتمة: “أخبرني المزيد عن السفن الفضائية. ما الذي توصلتم إليه بشأنها؟”
أجاب رايدين على الفور: “السفن الفضائية لدى إمبراطورية الثعبان العظيم كان لها تصميمان أساسيان: الأول مخصص لنقل الجنود والبضائع، والثاني هو تصميم لسفينة حربية تحمل مدفعاً رئيسياً في مقدمتها. لكن الأقزام أعادوا تصميم السفن، مضيفين المدافع الصغيرة بذكاء كبير، وبدون أن يشوهوا مهام السفن الأصلية او تقليل سرعتها. بهذا، حوّلوا السفن من مجرد وسائل نقل إلى سفن حربية تتمتع بسيطرة جوية. أما السفن الحربية الأصلية، فقد تم تطويرها لتصبح ما نعرفه الآن بالسفن الأم!”
ضحك روبين قليلاً، و تابع: “أوه؟ يبدو أن أقزام كوكب نيهاري يشاركون أقزام إس-1 حبهم للتصميمات والبناء. هل هذا شيء شائع بين متحوري الأقزام؟ لكن الغريب أن أقزام نيهاري لم يصلوا أبداً إلى ذلك المستوى من الابتكار. ربما السبب هو التصميمات التي حصلوا عليها من الحزام الكوكبي المتوسط، كتصميمات الأسلحة والسفن.”
ثم مال روبين قليلاً نحو رايدين، ونظر إليه بتمعن قبل أن يسأله: “إلى أي مدى كانوا متعاونين معك يا رايدين؟ هل احتاجوا إلى أي نوع من الاتفاقيات؟ ربما حافز أو ضغط؟”
لوح رايدين بيديه بسرعة وكأنه ينفي ذلك بقوة: “لا، أبداً! بمجرد أن عرفوا أننا استولينا على الكوكب من *مالكيهم* السابقين، سلموا لي كل شيء دون تردد. كبيرهم حتى بدأ يشرح لي طريقة سير الأمور، وعدد الوجبات التي يحتاجونها يومياً، وأكد أنهم سيواصلون العمل بنفس الوتيرة وعلى نفس المشاريع حتى نأتيهم بمهام جديدة!”
“من كلامك بدأت أشعر أنهم أقرب إلى الآلات… أو حتى المواشي. هل نسوا كيف يعيشون حياتهم بطبيعية؟” رفع روبين حاجباً واحداً متأملاً، قبل أن يضيف بصوت خافت: “هذا محزن…”
قهقه قيصر بخفة، ثم علق بسخرية: “ماذا يا أبي؟ هل ستحاول تذكيرهم كيف يكونون كائنات واعية مجدداً؟”
ابتسم روبين ابتسامة ماكرة، وقال: “بل أفكر في طريقة لاستغلال تلك الخصلة. لن أجد بنّائين جيدين كهؤلاء كل يوم!” بدأ يفرك ذقنه مفكراً، قبل أن يلوح بيده بلامبالاة: “على أي حال… أحسنت يا رايدين. لقد أديت كل شيء بشكل مثالي. سأحرص على مكافأتك بشكل لائق عندما ينتهي كل هذا.”
أدى رايدين التحية العسكرية بحماس، ثم سارع ليجد لنفسه مقعد مارشال. جلس مبتسماً من الأذن إلى الأذن، وكأن كلمات الإطراء من معاليه كانت أعظم مكافأة بالنسبة له، تفوق أي وعد آخر.
التفت روبين إلى جانبه ونظر نحو مارتن. “ماذا عنك يا مارتن؟ أفهم أنك انتهيت من السيطرة على الكوكب الذي خُصص لك. هل وجدت شيئاً مثيراً مثل رايدين؟”
وقف مارتن منتبهاً وترك اللفيفة جانباً. “كيف أكون محظوظاً مثل الجنرال رايدين، معاليك؟ ذلك الكوكب كان فارغاً من أي مقاومة، بل وحتى من أي حياة واعية محلية. لم أجد هناك سوى ستة آلاف جندي من إمبراطورية الثعبان العظيم، وحوالي عشرين ألف بشري علمت لاحقاً أنهم تم نقلهم من صخرة السم للعمل في التعدين. بالفعل، وجدت عدة مناجم معقولة الحجم وحدائق تحتوي على أعشاب وأشجار عتيقة، لكن هذا كل شيء.”
قاطعت فيكتوريا بعد أن انتظرته حتى ينهي كلامه. “نفس التقرير تقريباً في كوكب إس-2، معاليك. وجدنا مخازن لأحجار الطاقة، وجوهر الطاقة، وأنواع مختلفة من الخامات، لكن الكوكب نفسه شبه خالٍ إلا من بضعة آلاف من البشر.”
أومأت كاسيا ليفان موافقة وتقدمت بخطوة. “بخلاف بعض التفاصيل البسيطة، أخشى أن ما لدي هو نفس التقرير، معاليك.”
تنهد روبين وأومأ برضا. “ليس سيئاً. وجود عدة مزارع مسالمة للخامات ليس بالحصاد السيئ. سنفكر لهم في شيء لاحقاً.”
*ووش!*
تحرك ظل أسفل باب القاعة وتقدم بخفة حتى استقر بجانب الجنرالات. خرج منه ثيو بخطوات هادئة وقال بصوت منخفض: “معاليك، وصلنا تقرير من كوكب أر-1.”
نظر روبين إليه بعينين ضيقتين وعقد حاجبيه قليلاً. “حيث تم ارسال أليكساندر؟ ألم يستطع الصمود؟” كان صوته حذراً، فذلك الكوكب كان شائكاً جداً، وربما لا يقل سوءاً عن صخرة السم قبل أن يتولى زمام الأمور. أضاف بصوت جاد: “أعتقد أنه حان الوقت لإرسال الدعم.”
أجاب ثيو بهدوء مميز: “لا داعي لذلك، معاليك. لقد تم إخضاع الكوكب بالكامل.”
*متبقي يوم واحد على موعد المفاوضات…*
================
لدعم هذا العمل مادياً:
باي بال: paypal.me/eslam997
دفع فيزا مباشر موقع كوفي : https://ko-fi.com/teamoney
اي محفظة كاش مصر: 01020451397
بايير: P1017229514
إجمالي دعم هذا الشهر:245$.
+ اي 5$ فوق الـ 150$ الاساسيين = فصل اضافي.
~~~~
لدعم هذا العمل معنوياً لا تنس التعليق و الدعاء
~~~~~~~
الموقع القديم لمشاهدة الفصول القديمة:
novelxs.com/novel/lord-of-the-truth
~~~~~~
سيرفر ديسكورد لرؤية صور الشخصيات و متابعة مواعيد نزول الفصل:
https://discord.gg/AxDFN6uVTE
======
فصول الشهر 49/19
1300+ كلمة اليوم!
الموضوع التاليالموضوع السابق