مجدداً عند الساحة العسكرية—
*صمت…*
قبل قليل، انتهى انتقال آخر جندي من ساحة المعركة ضد الوحوش. مئات الآلاف من جنود يورا وجرينلاند محشورون في مساحة ضيقة نسبياً، بالكاد خرجوا من أتون المعركة، وكلهم مرهقون جائعون. لكن، ولسببٍ ما، لم يخلع أحدهم درعه، ولم يتخلَّ شخص واحد عن مركزه… كلهم بقوا في نفس الصفوف، حاملين نفس الأسلحة، وعلى وجوههم ارتسمت نفس النظرات العدائية المتجهمة.
الجو كان ثقيلًا إلى درجة غير محتملة، مشحوناً بتوترٍ يكاد يُرى بالعين المجردة. لم يحاول أي منهم الاستراحة، أو حتى تبادل كلمة واحدة مع من بجواره. ظلوا واقفين في الساحة، في صمتٍ تام، وكأن السيوف موضوعة على حناجرهم، وأي حركة قد تُعتبر خيانة لما يمليه الموقف عليهم.
“…ربما عليك أن تخبرهم بأن يستريحوا؟” تحدث رايدين وهو يلقي نظرة فاحصة حوله، قبل أن يعود لمواجهة جنراله الأعلى، قيصر.
“وهل أنا من أخبرهم أن يحافظوا على التشكيلات؟ دعهم.” ضغط قيصر على عضده بقوة، موجهًا نظره إلى بوابة الفضاء بتوترٍ مكبوت. “…إن لم يرجع معاليه خلال ساعة واحدة، سنقود الجيش عائدين للمضيق.”
“….”
صمت رايدين لبرهة، ثم أومأ مرة واحدة بنظرة حازمة، لقد فهم كلام قيصر جيداً، هو فقط كان يعرف مدى إرهاق الجنود، لكن ربما محاولة تهدأتهم الان ستكون بمثابة إهانة لحزمهم. بعدها ذهب ليجلس على الأرض في وضعية تأمل بجانب بقية الجنرالات والأباطرة القتاليين. أمسك بزجاجة صغيرة، شرب منها قليلاً، ثم أغلق عينيه.
إن لم يعد معاليه بسرعة، أو إذا عاد جريحاً، أو حتى غاضباً لأي سبب، ستبدأ معركة أخرى. وهذه المرة لن تكون معركة دفاعية. بل سيزحفون إلى الأمام بلا هوادة، حتى يقطعوا رأس دورغر الملتهم و يحولوه لمبولة جماعية!
*كررر*
في هذه اللحظة، انشقت بوابة الفضاء بجوار قيصر والبقية، وخرج روبين ملوحاً بيده مازحاً، “أوه يا للهول! ما هذا الجو الخانق؟ من مات؟”
“معاليك!!” انتفض قيصر وبقية الجنرالات من أماكنهم بسرعة البرق، متجهين نحو روبين، وبدأوا يتفقدونه بعناية بحثًا عن أي علامة تدل على قتال أو إصابة. “هل أنت بخير؟ هل حصل شيء هناك؟ نحن مستعدون للتحرك!”
“أنا بخير، جميعاً، شكراً على قلقكم.” ضحك روبين بصوت عالٍ، ثم رفع كلتا يديه للأعلى وصاح بصوت عالٍ، “لقد انتهت المعركة! هيا استريحوا، كُلوا واشربوا واحتفلوا قبل أن تجد المعركة التالية طريقها إلينا!”
“هورااا!”
“تعيش إمبراطورية البداية الحقيقية!!”
“يعيش معاليه!!!”
الجو الخانق الذي كان يخيم على المكان تبدد كما تتبدد الغيوم في يومٍ مشمس. أخيراً، بدأ الجنود يربتون على أكتاف بعضهم ويتبادلون الضحكات، بينما انهار بعضهم مباشرةً على الأرض، يلتقطون أنفاسهم المثقلة بالإرهاق. آخرون انشغلوا بالبحث عن أسوأ جروحهم ليعالجوها أولاً، بينما البقية و بغرابة شديدة، ناموا اماكنهم.
“أبي، ماذا حدث هناك بالضبط؟ هل انتهت المعركة حقاً بهذه البساطة؟” سأل قيصر بجدية، وقد عقد حاجبيه قليلاً. لقد قاتل تلك الوحوش لأيام و يعرف مدى صلابة رؤوسهم، خاصةً دورغر الذي لم يبدو انه يأبه لحياة او موت اياُ من اتباعه، و بالطبع لا يأبه لموت اعدائه!
“بالطبع انتهت. كيف أطلب منك سحب الجيش إن لم تكن لدي ثقة كافية؟ من تظنني أيها الوغد الصغير، هاه؟” ضحك روبين بروح مرحة ثم اعطى مؤخرة رأس قيصر لطمة خفيفة، بعدها ألقى نظرة سريعة حوله نحو الجنود الفرحين، الذين بدأوا بتحضير بعضاً من جثث الوحوش لإقامة وليمة النصر.
“سأسكتهم من أجلك.” عقد قيصر حاجيه اكثر و كاد ان يأخذ خطوة نحو الجنود، اصوات ما يقارب النص مليون شخص كادت تسبب الصمم.
“كلا!” لكن روبين أمسك بيده سريعاً، مشيراً نحو القصر الامبراطوري القريب. “فلنذهب نحن إلى مكان أكثر هدوءاً، وسأشرح لك ما جرى في الطريق. إنهم يستحقون بعض الاحتفالات بعد تلك الايام العصيبة~”
“هل يمكنني المجيء أيضاً؟” تقدم رايدين بسرعة، متحدثاً بنبرة حماسية: “أريد أن أري معاليك التقرير عن الكوكب أس-1!”
“بالطبع، فليأتِ كل الجنرالات!” ابتسم روبين، ثم بدأ بالسير نحو القصر، يروي الأحداث بينما يمشي بجانبهم.
بعد خمس دقائق—
*هوووم*
بوابة قاعة العرش الضخمة فُتحت، دخلها روبين و يداه وراء ظهره ثم دخلها قيصر و تبعه الجينرالات، “…هذا كل ما حدث، يوجد ثلاثون بركة دماء هناك عند المضيق، اريدكم ان تذهبوا لنقل ذلك الدم بطريقة ملائمة و آمنة لخزينة الامبراطورية، القطرة الواحدة من تلك البِرك يمكنها صنع آلاف الجنود، لا تستخفوا بهذه المهمة!”
“ما الذي سنفعله بتلك الدماء القذرة على أي حال؟” سأل الجنرال مارتن بارنيت بعبوس واضح، مضيفاً بنبرة ساخرة: “نحن لسنا مثل أولئك المهرجين الذين يحولون أنفسهم إلى وحوش من أجل اكتساب القوة!”
“إنها لا تقدر بثمن بلا شك. حتى إن لم نستعملها على أنفسنا، يمكن اعتبارها كنزاً استراتيجياً. إذا سلمناها لصاحبة السمو زارا ومدينة فاتح السماء، ربما يمكنهم اكتشاف طريقة لزيادة فعالية الترياق.” الجينرالة كاسيا ليفان، بنظرتها الثاقبة، حللت الموقف. و روبين أومأ برأسه تأييداً.
“لا أحد ينكر أنها ثمينة! لولا أن معاليه في صفنا ونجح في اكتشاف ترياق زيادة الألفة المؤقتة عبر دراسة جسد الجنرال رايدين الفريد، لكنا سُحقنا منذ وقت طويل بفضل تفوق تلك الدماء.” رد الجنرال مارتن بسرعة، مضيفاً بنبرته الحادة،
“وبصراحة، لولا العيب القاتل في الترياق، لكنا سحقنا جيش إمبراطورية الثعبان العظيم مرات عديدة بحلول الآن.”
الجميع أومأوا برؤوسهم تأييداً لتلك الكلمات. حاجة الأباطرة للانسحاب من ساحة المعركة كل حين وآخر لارتشاف الترياق ثم قضاء وقت لصقله كانت تترك أثراً سلبياً بالغاً. إمبراطورية البداية الحقيقية كانت تجد نفسها في مأزق مستمر خلال المعارك الكبيرة، إذ كان انسحاب الأباطرة المتكرر يشلّ زخم القتال، ويتزامن ذلك أيضاً مع تراجع أسياد الحرب ليستريحوا بسبب الضغط الكبير عليهم، أمل الامبراطورية الوحيد لطالما كان المعارك السريعة الحاسمة!
لو تمت معالجة هاتين النقطتين، فمن يمكنه الوقوف أمامهم؟
دروعهم المتينة، كمية درر الطاقة الهائلة التي بحوزتهم، بالإضافة إلى جوهر الطاقة، تجعلهم أقرب إلى مفهوم “الغش” في عالم المعارك.
“ألهذا السبب طلبت دماء دورغر في مقابل إعطائه موردًا ثمينًا كدرر ذات ألفة لمسار الدمار؟ لأجل البحث؟” رفع قيصر حاجباً واحداً، وعيناه تضيقان بتشكك. كان من الواضح أنه غير مقتنع تماماً.
ضحك روبين بخفة، ورد بنبرة مفعمة بالثقة، “أنت فعلاً أكثر من يفهمني. أجل، البحث أحد الأسباب. لكن السبب الرئيسي… سأتركه جانباً لبعض الوقت، حتى أرى كيف ستسير هذه الحرب.”
ثم تقدم روبين بخطوات هادئة ليجلس على العرش، مستديراً لينظر إلى جنرالاته، “رايدين اولاً، ماذا لديك؟”
رفع قيصر حاجباً آخر، ثم اكتفى بهز كتفيه قبل أن يتوجه للجلوس على مقعد المارشال الأعلى سيليبوس. تبعه بقية الجنرالات، حيث جلس كل منهم في مقعد أحد المارشالات. إلا رايدين، الذي تقدم بخطى ثابتة نحو روبين، حاملاً لفيفة سميكة بين يديه.
“معاليك، هذه قائمة بغنائمنا في كوكب إس-1. رجاءً، ألقِ نظرة.”
“أوه؟” رفع روبين حاجبيه قليلاً، وأخذ اللفيفة بفضول. أمسك طرفها وبدأ بفتحها.
*ووش!*
انفلت الجزء السفلي من اللفيفة من يده، وبدأ يتدحرج على الأرض، نازلاً من السلالم، عابراً أسفل طاولة المارشالات، ومقترباً من باب القاعة.
“……” ممسكاً بالطرف العلوي من اللفيفة، تابع روبين النظر إليها مذهولاً حتى توقفت. ثم التفت نحو رايدين، وعيناه مليئتان بالدهشة، “حقاً؟”
أومأ رايدين بقوة ضاحكاً: “حقاً!”
================
لدعم هذا العمل مادياً:
باي بال: paypal.me/eslam997
دفع فيزا مباشر موقع كوفي : https://ko-fi.com/teamoney
اي محفظة كاش مصر: 01020451397
بايير: P1017229514
إجمالي دعم هذا الشهر:245$.
+ اي 5$ فوق الـ 150$ الاساسيين = فصل اضافي.
~~~~
لدعم هذا العمل معنوياً لا تنس التعليق و الدعاء
~~~~~~~
الموقع القديم لمشاهدة الفصول القديمة:
novelxs.com/novel/lord-of-the-truth
~~~~~~
سيرفر ديسكورد لرؤية صور الشخصيات و متابعة مواعيد نزول الفصل:
https://discord.gg/AxDFN6uVTE
======
فصول الشهر 49/18
بناءً على طلبكم هذا الفصل هو مزيج بين اسلوبي المعتاد و شئ خفيف من الاسلوب الجديد، اجمالي كلمات 1050، افضل؟ ام ارجع لأبو 1200 XD
الموضوع التاليالموضوع السابق