“مرحباً، هل تريد أن تموت؟”
قالها روبين مبتسمًا بثقة، وهو ينظر إلى دورغر الملتهم، الثعبان الأسطوري الذي بدا وكأنه قطعة من الظلام نفسه، جسده الهائل الذي تجاوز 200 متر جعل من الأرض تحت قدميه تبدو صغيرة وهشة. الهواء من حوله كان ثقيلاً مشحونًا، حيث أنفاس الوحش العملاق كانت كافية لخلق دوامات من الرياح الثقيلة.
“…ماذا قلت للتو، أيها البشري؟!”
زمجر دورغر بصوت أشبه بانفجار بركاني، وضيق عينيه الضخمتين اللتين تشعان بريقًا أرجوانيًا مخيفًا. في أعماقه، كان يعرف أنه سمع جيدًا، لكن كرامته جعلته يرفض أن يستوعب الكلمات التي خرجت من فم ذلك الكائن الصغير.
روبين، الذي لم يُظهر أدنى خوف أو تردد، حدق في عيني دورغر للحظات طويلة، ثم و بدون أن يشيح بنظره، وضع يديه خلف ظهره وتكلم بنبرة مريحة كأنما يناقش أمورًا يومية بسيطة:، “…في الحقيقة، أنا في خضم حرب كوكبية الآن ضد الشخص المدعو بايثور. لديه ما يُسمى بإمبراطورية الثعبان العظيم. وأعتقد أنهم أطلقوا عليها هذا الاسم بناءً على الدماء المسروقة منك أو شيء من هذا القبيل؟ على أي حال، المعركة مستمرة منذ عام تقريبًا.”
تغيرت نبرة روبين قليلاً، مائلة للسخرية، وأمال رأسه جانبًا وكأنما يستفسر ببراءة، “هل تصدق هذا يا سيد وحش؟ كنت أعيش حياتي بهدوء، أرعى شؤون إمبراطوريتي، إمبراطورية البداية الحقيقية الكوكبية. إذ فجأة، قرر هذا الشخص، بايثور، أن يهاجمني بكل ما لديه. سحب جيوشه من كل الكواكب تحت لواءه، بل وجاء بنفسه ليحاول إسقاطي. ومع ذلك، فشل. والآن، ها أنا ذا، أقف في قلب كوكبه الأم وأتحدث معك، أنت، الثعبان الذي استوحى اسم إمبراطوريته ليعطيها شيئاً من الهيبة! …إنه هو نفس الشخص الذي أذلّك لقرون وأخذ منك دمك كلما أراد، أليس كذلك؟ ألا تجد ان مهاجمته لي غريبة؟”
“هسسسـ!!!”
أطلق دورغر صوتًا أشبه بالصفير القاتل، يُظهر غضبه المتزايد و إحراجه الذي يَعمق. ارتفع جسده الضخم، وتناثرت سحب من السم الارجواني الأسود حوله، وكأن جسده الضخم يلفظ الكراهية نفسها.
لكن روبين لم يترك له فرصة للرد، واستمر في خطابه بنبرة باردة مشحونة بالتحقير:
“أتعرف ما هو الأكثر غرابة؟ أنني انا، أقاتل نفس الشخص الذي جعلك رهينًا حول بحر السم لعشرة آلاف سنة. الشخص الذي أجبرك على بناء دفاعاتك خوفًا من لحظة قد يعود فيها لأخذ دمائك، و جعلك تسخر كل وقتك و جهدك لتقوية جيش من الوحوش عديمة الفهم لتحمي نفسك. ومع ذلك، أنت هنا لتحاربني بالنيابة عنه؟ أهذا حب للعبودية؟ أم أنك وحش مازوخي لا تستطيع العيش من دون معذبك المفضل؟”
تغيرت ملامح روبين فجأة، وتلاشت ابتسامته الساخرة، ليظهر مكانها تعبير صارم أشبه بشفرة حادة، “…أم أنك تسعى إلى الموت؟ إن كان هذا ما تريد، فدعني أوفر عليك عناء البحث. يمكنني أن أمنحك موتًا سريعًا الآن!”
“إنه أنت… من يريد… الموت!!” صرخ دورغر بصوت هزّ الأرض كأنما زلزال قد ضرب المكان. ارتفعت هالة قاتمة من جسده، مليئة بالطاقة العدوانية. كان جسده كله يرتعش بين الغضب والإحراج، ونية سفك الدم كانت تتصاعد كحمم بركانية على وشك الانفجار. ومع ذلك، لم يتحرك.
صوت روبين قطع الصمت المشحون مرة أخرى، وهو يفتح ذراعيه قليلًا وكأنه يتحدى الوحش العملاق، “إذن ماذا تريد بالضبط؟ لماذا نحن في هذا الموقف الآن؟ إن كنت تعتقد أنك بقتالك لي ستعيد أمجادك أو تثير إعجاب وحوشك، فأنت مخطئ. أنت تعرف كما أعرف أنني لم أرسل أحدًا ليستفزك. أنت من هاجم دون سبب. رأيت جيشي، رأيت القوة التي أملكها، ومع ذلك قررت أن تتابع القتال. ما الذي يجب أن أفهمه من هذا؟”
“أنت… في… عالمي!!” صاح دورغر بنبرة مليئة بالإحراج و السُلطة. كان كل حرف يخرج منه مشبعًا بالغضب، كأنه يحاول تذكير نفسه ومن حوله بأنه الملك، وأن هذا المكان ملكه.
“عالمك؟” ضحك روبين، صوت ضحكته كان ساخرًا للغاية. ثم لوّح بيده وكأنه يطرد فكرة سخيفة، “لم يكن عالمك أبدًا، بل كان ملكًا لبايثور. أنت مجرد مصدر للدم، لصنع المزيد من جنوده، لتوسعة مُلكِه! مستودع ثابت للدم، لا أكثر. لدى بايثور مكعب داكن يمكنه قتلك في اي وقتك، لكنه أبقاك حيًا فقط ليحلبك متى شاء. والآن، تريد أن تصور نفسك ملكًا امامي؟ بأية كرامة؟ بأية سلطة؟ هذا الكوكب الآن ملكي، تمامًا كما كان ملك بايثور سابقًا. إن أردت البقاء على قيد الحياة، تصرف كما ينبغي لوحش عاقل أن يتصرف: اربض في وكرك ولا تتجاوز حدودك!”
اضطراب اضطراب
الجو أصبح أثقل فجأة، وكأن السماء نفسها تُطبق على الأنفاس. حتى أثناء وجود جيش إمبراطورية البداية الحقيقية بكامل قوته، لم يصل التوتر إلى هذا الحد. الهواء كان مشحونًا بهالة قاتمة تكاد تُخنق كل من في المكان، حيث وقف الوحوش في صمت مطبق.
الوحوش الحاضرة هنا ليست مجرد كائنات عادية؛ جميعهم وحوش واعية، ذات ذكاء وقوة تجاوزت الفهم. بعضهم التقط بضع كلمات من الحوار الساخن بين روبين ودورغر، بينما الآخرون اعتمدوا على لغة الجسد. كل نظرة، كل هزة من رأس دورغر، كل اهتزاز في ذيله العملاق، كانت تكفي لإيصال الرسالة. بلا شك، ذلك البشري قال شيئًا لم يكن يجب أن يقوله!
في الأوقات العادية، كان الوحوش سيهجمون دفعة واحدة. دماءهم تغلي عند أدنى إهانة لملكهم. كان ولاؤهم لدورغر يدفعهم للتصرف دون تفكير، لإثبات أن عرش مليكهم لا يُمس. لكن هذه المرة، الأمور مختلفة. ليس هذا الشخص من يمكن استفزازه بسهولة. ليس روبين، الذي يسير خلفه ذلك الجيش الذهبي الساحق الذي سبق وأن أخضع ملك الوحوش الويفرن. لا أحد يريد أن يتحمل مسؤولية استدعاء ذلك الجيش اللعين مرة أخرى. لذا، اكتفوا بالنظر إلى مليكهم، دورغر، في انتظار إشارته.
زلزلة
أرض الساحة اهتزت بشكل مرعب. جسد دورغر الملتهم بدأ يتحرك. الزئير الذي كان محبوسًا في صدره الضخم خرج كأنين الأرض الممزقة، بينما تغيرت وضعيته المسترخية تدريجيًا. رفع رأسه الضخم، وبدأ يزحف للأمام، زاحفًا ببطء لكن شكل يثير الرعب ينضح بالخطر. تحريك جسده الضخم بهذه العدائية جعلت الأرض ترتجف، وكأنها تعترف بسيادته.
“هسسســ….” صوت الصفير الذي أطلقه كان كافياً لجعل الوحوش المحيطة تتراجع قليلاً، حتى وإن لم تتحرك أقدامهم. بدا دورغر هادئًا جدًا، هدوءًا يسبق العاصفة. ومع ذلك، كل من كان هناك، حتى روبين نفسه، شعر بالاضطراب. كان واضحًا: دورغر قرر الهجوم!!
لكن روبين، رغم كل ذلك، لم يظهر أي خوف. بل انفجر ضاحكًا بصوت عالٍ، كأن ما يحدث أمامه ليس أكثر من مسرحية هزلية. قال بصوت مرتفع مليء بالسخرية، “هاهاها! ما الذي تحاول فعله أيها البطاطا الكبيرة؟”
ثم أشار للخلف، بابتسامة ساخرة، “أتعتقد أنك ستجرب شيئًا جديدًا لم يفعله ذلك الويفرن؟ لقد تحدثت إليك كشخص متعقل وسحبت جيشي فقط لأمنحك فرصة و نستمع لبعضنا. لكنك تود العراك؟ تبًا! يبدو أنك حقًا تستمتع بالتعذيب. مازوخي حتى النخاع، أليس كذلك؟”
كان كلام روبين كالسهم، أصاب قلب كبرياء دورغر. الوحش الذي لم يجرؤ أحد على تحديه بهذه الطريقة شعر بالإحراج أمام أتباعه. صوت زئيره اهتز في المكان، “أنت… تقتل… دورغر!!”
كان صوته محرجًا ومليئًا بالغضب. لقد اضطر لافتعال الهجوم فقط ليحفظ ماء وجهه أمام وحوشه. لو لم يحاول إظهار القوة الآن، لكان أتباعه استنقصوه وربما فقدوا الثقة فيه.
لكن في أعماقه، كان دورغر مترددًا. هل يريد قتل روبين؟ بالتأكيد. هل يستطيع؟ هذا ما لا يعرفه. منظر ذلك الويفرن الخاضع لا تزال يحوم في ذهنه. ملوك الوحوش كائنات نادرة، وكل منهم يحمل في أعماقه فخرًا لا حدود له. اياً كان ما حدث لذلك الويفرن، هو لا يريد أن يكون التالي!
رد روبين بسرعة، مستغلًا تردد الوحش، “سأقتلك فقط إن أسأت لي! هل تعتقد أن بإمكانك إطلاق وحوشك لتسيطر على عالمي و تقتل جيشي بينما أقف مكتوف الأيدي؟ لكن…” ثم توقف قليلاً، وكأنما يفكر بصوت عالٍ. نبرته أصبحت أكثر هدوءًا لكنها لم تفقد حدتها، “…هناك طرق أخرى يمكننا التفاهم بها.”
================
لدعم هذا العمل مادياً:
باي بال: paypal.me/eslam997
دفع فيزا مباشر موقع كوفي : https://ko-fi.com/teamoney
اي محفظة كاش مصر: 01020451397
بايير: P1017229514
إجمالي دعم هذا الشهر:245$.
+ اي 5$ فوق الـ 150$ الاساسيين = فصل اضافي.
~~~~
لدعم هذا العمل معنوياً لا تنس التعليق و الدعاء
~~~~~~~
الموقع القديم لمشاهدة الفصول القديمة:
novelxs.com/novel/lord-of-the-truth
~~~~~~
سيرفر ديسكورد لرؤية صور الشخصيات و متابعة مواعيد نزول الفصل:
https://discord.gg/AxDFN6uVTE
======
فصول الشهر 46/16